الصراع السياسي والجذور السياسية لأمريكا وإسرائيل
تاريخ النشر: 09/02/16 | 9:44أن تأثير هذه الأطراف الفاعلة، علي الأصعدة المحلية، والإقليمية، والدولية، تضاعف علي وجه الخصوص علي مدي العقدين الماضيين. ونعني هنا أشكالا وصورا متنوعة ومختلفة لهؤلاء اللاعبين، وبما يتضمن -علي سبيل المثال لا الحصر- كلا من المنظمات غير الحكومية، أو ما يطلق عليه في بعض الأدبيات منظمات المجتمع المدني، مثل تلك المعنية بموضوعات حقوق الإنسان، وقضايا حقوق المرأة والطفل، وموضوعات الحفاظ علي البيئة، وكذلك الموضوعات الخاصة بالدعوة إلي نزع السلاح، خاصة أسلحة الدمار الشامل. كذلك، تشمل هذه الفئة المؤسسات عبر الوطنية العاملة في المجالات الاقتصادية، والتجارية، والاستثمارية المتعددة، خاصة تلك المعنية بمسائل تخص منطقة الشرق الأوسط بشكل مباشر بما تدره عليها من أرباح، مثل شركات إنتاج السلاح، بأنواعه المختلفة، وتلك التي تتركز أنشطتها في قطاع الطاقة، خاصة النفط والغاز الطبيعي.
إن الترتيب الإمبريالي في المنطقة ليس ثابتا، ليس هرميا. كل بلد له دوره الخاص في المنظومة. ذلك أن دور السعودية ودول الخليج بعيدا عن إنتاج النفط، يكمن في كونها مصدرا لرأس المال ومحورا مهيمنا على المشرق العربي وشمال أفريقيا؛ اقرأ/ي الكتب الرائعة التي ألفها الماركسي الفلسطيني آدم هنية في هذا الصدد. في حالة إسرائيل دورها مختلف بعض الشيء، إنها قوة إسرائيل العسكرية ما يكسبها الأهمية. فالدور الرئيسي الإسرائيلي ليس اقتصاديا في المقام الأول، بل دورها ككلب حراسة للإمبريالية (مع أن دورها يتخطى ذلك، سأتطرق لهذا لاحقا). إسرائيل بحاجة هذه الهيمنة على المنطقة كي تحمي مكتسابتها العسكرية في الأراضي الفلسطينية. إنها في حاجة للهيمنة العسكرية كي تفزع جيرانها وتبقي على الأراضي التي بحوزتها (مع احتمالية دائمة بالتوسع أكثر).
أن الإشكالية لا تكمن في الصراع الأيديولوجي بين المعسكرين الغربي والسوفيتي، بل في صراع المصالح، الذي انعكس في شكل صراع إرادات بين الدول الكبري. بل إن انتهاء الحرب الباردة منح الفرصة لإظهار التناقض في المصالح، سواء الجيو استراتيجية، أو الأمنية، أو السياسية، أو الاقتصادية، بين الدول الكبري المختلفة، في ظل تحررها من الالتزام الصارم بضرورة الاصطفاف داخل المعسكر الأيديولوجي نفسه، خلال عقود الحرب الباردة، ومن ثم وجدنا تناقضات، أو علي الأقل تباينات في المواقف، تظهر بين الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، واليابان، وكندا في بعض الحالات. كما شهدنا روسيا في مرحلة ما بعد الشيوعية تقف مواقف متشابهة مع مواقف تبنتها، خلال عقود الحرب الباردة، وذلك لسبب بسيط، هو أن هذه المواقف كانت أصلا تعبر عن مصالح فعلية ملموسة، وليس عن مثاليات أيديولوجية مجردة.
كذلك، أدت نهاية الحرب الباردة إلي ظهور قوي للمارد الأصفر، الصين الشعبية، بتمدده الاقتصادي والاستراتيجي في آن واحد، ليس فقط في محيطه الجغرافي المباشر في آسيا، بل وصولا إلي الشرق الأوسط وإفريقيا، بما في ذلك تأمين مصادر الطاقة الضرورية لضمان الحفاظ علي مواصلة المعدلات المرتفعة -رغم تراجعها النسبي أخيرا- للنمو الاقتصادي.
بل إن دول الاقتصادات البازغة، خاصة الهند، ولكن أيضا، وإن بدرجات أقل، البرازيل وجنوب إفريقيا، بالإضافة إلي بعض دول النمور الآسيوية، مثل كوريا الجنوبية وماليزيا، صار لها مصالح لها وزنها وأهميتها في منطقة الشرق الأوسط، تسعي لحمايتها، وتعزيزها، والترويج لها، وتوسيع نطاقها، مثلها مثل الصين، والدول الغربية، واليابان، وروسيا، سواء في مجال تأمين مصادر الطاقة، أو في مجال فتح أسواق لمنتجاتها، أو في مجال إيجاد مجالات خصبة وذات معدلات ربحية مرتفعة لاستثماراتها، أو لضمان وضع متميز لمواطنيها المقيمين في دول المنطقة.
مما لاشك فيه، ألا مكان لأي شيء تقريبا، يكون فيه السبب واحدًا حين يتعلق الأمر بالسياسة. فقد كانت لديه أيضا حسابات انتخابية داخلية لم تجرِ على النحو الذي أراد. إلا أن السبب الرئيسي، مع ذلك، كان إجراء منعطف هام في السياسة الاسرائيلية حيال الولايات المتحدة؛ منعطف يقوم على التخلي عن مجاملة مزدوجة للديمقراطيين والجمهوريين، والاصطفاف جهرًا مع متشددي الحزب الجمهوري.
أقول “متشددي”، لأنّه حتى الحزب الجمهوري ليس لديه إجماع بخصوص الرأي القائل أن الاتفاق مع إيران يجب أن يخرَّب. وعلى سبيل المثال، أحد مرشحي الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية، رون باولRon Paul، هو بالتأكيد ضد تخريب الاتفاق وهو بشكل عام ضد التدخل العسكري في بلدان الشرق الأوسط.
وإذا كان ملف الصراع العربي – الصهيوني قد أعاد مناخ الثقة في السياسة الامريكية الى نقطة الصفر من جانب العرب، فإن التحولات الاستراتيجية في أولويات ادارة أوباما في ولايته الثانية في الهرولة للتقارب مع ايران ومحاولة تحقيق مصالحة وتوافق معها حتى لو كان على حساب المصالح والتطلعات العربية قد أدى الى مفاقمة أزمة الثقة في العلاقات العربية – الامريكية.
يضاف الى ذلك تداعيات وتوابع ما سمي ثورات «الربيع العربي» حيث بدا ان إدارة أوباما راغبة في الانحياز الى التيارات السياسية الاسلامية وصعودها الى سدة الحكم، والتحالف معها على حساب علاقاتها التقليدية مع الدول الخليجية التي أبدت تحفظات على صعود «الاخوان المسلمين» الى الحكم في كل من مصر وتونس، لانهم يمتلكون مشروعا سياسيا يقوم على فكرة استعادة «الخلافة الاسلامية» وهو ما يهدد وجود أنظمة الحكم العربية القائمة حاليا. كما أظهرت جماعة «الاخوان المسلمين» رغبة في التقارب مع ايران بما يتوافق أيضا مع التوجهات الامريكية في هذا الاتجاه، وهو توجه يثير القلق، وخاصة في منطقة الخليج العربي، لانه يتجاهل المخاطر الاستراتيجية للتوجهات والسياسات التوسعية الايرانية في المنطقة العربية عموما ومنطقة الخليج العربي خصوصا.
فالتوجهات الايرانية ترغب في بسط نفوذها وهيمنتها على منطقة الخليج العربي وتعتبرها منطقة نفوذ تقليدي لها، وتسعى الى استعادة دور «شرطي الخليج» الذي كان يلعبه شاه ايران السابق بالتوافق والتحالف مع امريكا والغرب واسرائيل. ولا تختلف توجهات النظام الديني الحاكم في ايران بعد هيمنة تيار الخميني على السلطة في ايران عن توجهات شاه ايران في ذلك، لانها توجهات مرتبطة بمنطلقات قومية فارسية شوفينية متعصبة لم تتغير عبر التاريخ وتناصب العرب العداء وتسعى للتحالف مع اعداء العرب لفرض الهيمنة وبسط النفوذ على العرب، وما يضاف الى ذلك في عهد الجمهورية الاسلامية هو الرغبة الايرانية المحمومة في الوصول الى قيادة العالم الاسلامي.
ولعل المشروع النووي الايراني والرغبة في امتلاك القنبلة النووية يمكن تفسيره ليس فقط بالرغبة في حماية النظام الاسلامي الشيعي والطائفي في ايران، ولكن أيضا في امتلاك مقومات قوة لفرض الزعامة الايرانية على العالم الاسلامي، انطلاقا من بسط النفوذ الايراني في منطقة الخليج بالتوافق مع الغرب وأمريكا. كان الملاحظ ان هناك دعوات لتقييد قدرة مصر على القيام بدور قيادي، يدفع العالم العربي في اتجاه سياسات خارجية، قد تراها الولايات المتحدة متعارضة مع ما تريدها خاصة قدرتها الاقتصادية التي ستكفل لها الاكتفاء الذاتي خاصة في الغذاء قوت يومها، أو التطور صناعيا بالشكل الذي يكسبها القدرة التصديرية التنافسية، والافلات من شبكة الاستيراد المزمنة.
ويحضرني هنا ما ذكره لي مساعد لوزير الخارجية في حكومة كلينتون، في لقاء معه في مكتبه عام 1995، وكانت تقارير صندوق النقد الدولي في تلك الفترة تحمل نبرة تفاؤل لمستقبل الاقتصاد المصري، وكان ما قاله انه لو اكملت مصر هذا التوجه وبنت قدرة اقتصادية قوية، فسوف تستعيد زمام الحركة السياسية في العالم العربي، باعتبار ان تغير الميزان الاقليمي في السنوات السابقة قد أحدثه تفوق دول أخرى من حيث الدخل الوفير. وقوله إن أي دولة تمشي على ساقين هما: الاداء السياسي، والتميز الاقتصادي، فاذا تعثرت احداهما فإن خطاها تتأرجح وتختل.
والمعروف في حسابات القوى الخارجية ان عافية الجسد العربي، تتأثر بحالة القلب (أي مصر) ولهذا فإن سعي مصر لدور ريادي اقليمي من شأنه من وجهة نظرها ان يعوق خطط هذه القوى المرسومة حسب قواعد استراتيجية مصالحها الوطنية.
ويذكر ان مصر في عهد كلينتون كانت تعامل كشريك استراتيجي، وقوة اقليمية محورية، في إطار نظرته للحاجة لشريك اقليمي، وكان هذا جزءا من رؤية عالمية لكلينتون أطلقت وصف الشريك الاستراتيجي على قوى دولية كالصين وهو ما وجده الجمهوريون خاصة فريق المحافظين في حكومة بوش مخالفا لعقيدتهم السياسية وتغييرهم لوصف الصين الى المنافس الاستراتيجي، وليس الشريك الاستراتيجي.
الدكتور عادل عامر