من نشر معروفًا
تاريخ النشر: 03/09/13 | 1:39الخير فينا يظل قائمًا، وأن الذين يحثون على فعل الخير هم كثرة كاثرة.
تذكرت مقالة كنت نشرتها في كتابي "تمرة وجمرة" ط2 ، باقة الغربية- 2005، ص 90، ها أعيد النشر وقد أجريت عليها بعض التغيير مما يلائم واقعنا اليوم.
………………………………………………………………………………………….
من نشر معروفًا فقد شكره
سعدت لإعلان ُنشر مؤخرًا في إحدى الصحف عن النية بالتبرع بقطعة أرض مساحتها أحد عشر دونمًا من ميراث شخص فاضل آثر ألا يذكر اسمه – وصية منه أوصاها لبناء مدرسة عليها.
سعدت بالإعلان رغم ما عكر صفوه من إضافة أراها نفلاً وهي: ونحن لا نبغي الشكر والثناء.
لكن، لا بأس، فهذه الخطوة تستحق منا كل الشكر والثناء، فنعمّا هي، ومن الحق أن نبديها ونحدث عنها، حتى تغدو قدوة حسنة يقتدى بها.
أقول ذلك وأنا أستذكر الحديث الذي تعرفونه "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له."
هذا الحديث الشريف- كما نرى- فيه إيجابيات الطرح والرؤية، وفيه المسؤولية الجماعية، فالمقصود بالصدقة الجارية ما يجري ويستمر أثره، ولا ريب أن مثل هذا التبرع السخي يدخل في إطارها، لأن التبرع هذا ترك ويترك أثرًا فعالاً وحميدًا في نفوسنا جميعًا..
أنا أرى ألا نغمط حق هؤلاء الناس من التعريف والإشادة بالذكر، فلتكن المدرسة المرتقبة في البلدة – مثلاً – مدرسة تحمل اسمه بعد استئذان أهله، لعل الاعتراف بالفضل يواتي الذين سينهلون منها العلم والمعرفة، ولا شك أنهم سينشأون مقدرين وشاكرين له ولهؤلاء العاملين.
وإذا أبى فلان تواضعًا أو من باب "إخفاء الصدقة حتى لا تدري اليد اليسرى ما قدمته اليمنى" فثمة من يقول ما قاله تعالى: {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ}- البقرة، 271.
أطالب بذلك لأنني كنت مطلعًا على تبرع المرحوم مصطفى إفطيمة من باقة الغربية بقطعة أرض (عشرة دونمات ونصف) بنيت عليها مدرسة (الحكمة). يومها سئلت: أي اسم تقترح للمدرسة؟ أجبت: مدرسة مصطفى إفطيمة.
ولكنهم أقرّوا اسم (الحكمة) ناسين أن الحكمة تقضي بالاعتراف لذوي الفضل، حتى ولو بإشارة هنا أو هناك، وفعلاً قاموا لاحقًا بتدوين اسم المرحوم على قطعة رخام بارزة.
ولو كان اسم المدرسة "أبو حكمت" لكان الأمر توفيقًا بين الاسمين، فكنية المتبرع هي (أبو حكمت).
تكرر الأمر في باقة، حيث تبرع المرحوم الشاب عبد الرحيم حمدان قبيل وفاته بقطعة أرض أقيمت عليها مدرسة الشافعي، ناسين أن الإمام الشافعي- وكان شاعرًا- يصر على تقدير من يبني في سبيل الله بيتًا، فذاك هو الذي يكرم ضيفه في حياته وفي مماته، وهو الذي يجب ان ييمَّـم شطره.
إن العمل الصالح هو وقف، والوقف شرعًا حبس الأصل وتسبيل الثمرة – أي حبس المال وصرف منافعه في سبيل الله (لاحظ أننا نستعمل "تسبيل" في لهجتنا العامية أيضًا، فإذا كان في تراثنا ورصيدنا مثل هذا التحفيز فلماذا نتوانى ونقصر عن ركب الشعوب الحضارية؟!!! فهل لاحظتم من حولكم؟!
فالمتبرعون- يا رعاكم الله- أحق الناس بالإعلان عن صنيعهم فمن نشر معروفا فقد شكره، ومن ستره فقد كفره.
إنهم أحق بالتسمية من رؤساء مجالس أو مخاتير أو مديري مدارس تُسمى المؤسسات بأسمائهم، لا لسبب إلا لأنهم قضوا- رحمهم الله- وهم في مناصبهم.
أقول ذلك وأنا أعي أن بعضهم يستحق ذلك بجدارة، ولكن التسمية يجب أن تدرس جيدًا،
أولا- بعيدًا عن العاطفة،
وثانيًا- أن يكون المرشح لذلك مستحقـًا لتدوين ذكره وأثره،
وثالثًا – إن ثقة الناس به شبه إجماعية..
ولما أن كنا هنا نبارك كل خطوة حميدة، فلا بد من الاستشهاد ببعض ما قلت آنفًا من شعر لي –
مما يصلح في هذا السياق:
تهز الاريْحيةُ كل شهم فيدفع عن مآثرَ للعلاء
يزكّي مالَــه دفعًا لجهل ويبني العلم مرموق البناء
بمثل صنيعه أزهو ونزهو ويبقى عبرة لذوي الثراء
فمن يبن المعاهد فهو رمز يبارك ثم يسعد بالعطاء
فلو في كل ارض من نحاه لأصبحنا على نهج الوفاء
يظل النصر في أبناء شعب بهم سبق إلى حمل اللواء