الهي انت يا اكبر…

تاريخ النشر: 10/06/11 | 7:56

بقلم احمد ملحم , عرعرة –

قبل ايام ، دعاني صديق لمرافقته ومجموعة مواطنين احبوا القيام بجولة الى بعض القرى التي دمرها الاحتلال سنة 48 ، ورحل اهلها وقطع اوصالهم وشتت شملهم ، فتوعوا بين البلدان والمخيمات والاقطار والامصار القريبة والبعيدة .تاركين خلف ظهورهم قراهم واملاكهم وحلهم وحلالهم . جولتنا هذه كانت ضمن الفعاليات التي نقوم بها على مدى 63 عاما لنؤكد للمحتل اننا لم ننسى لن ننسى . كانت وجهتنا الى بلاد الروحة التي افرغت ممن كان فيها بتدمير عشرات البلدات ، وقد رحل منها خلق كثير .

اول ما حطت به اقدامنا كانت على اطلال قرية بير الصفصاف ، وسميت بهذا نسبة لكثرة الصفصاف فيها ، تجولنا فيها نتحسس انقاض هذه البدة ، حجارتها ،ليمونها ، الصفصاف والعليق والعكوب والزعتر ،وقد سرح بنا الخيال الى بعيد ، الى ما هو ابعد من عمر النكبة ، وكانت هنالك دمعة في العين تصارع المشاعر التي لا مكان لوصفها ، في محاولة منها للانفجار خارج بيئتها . لكننا تركناهما وشأنهما مكابرة منا ، ثم اعتلينا السيارة متوجهين الى موقع آخر ، الا وهو قرية الكفرين ، ترجلنا متجهين الى مركز القرية وقمنا بما قمنا به من قبل ، ثم خرجنا منها متزودين بشحنة اخرى اضيفت للشحنة الاولى من عين الصفصاف وهكذا .

هذه المرة توجهنا الي دالية الكرمل التي كانت فياضة بالخيرات كما بدا لنا وكسابقاتها ، وهذا عمليا ما كان يميز هذه المنطقة عن غيرها من حيث غناها بالينابيع والمساحات السهلية الواسعة .

في هذه المحطات التي اسغرقت مدة ما يقرب الاربع ساعات ، وجدتني اعثر بين الانقاض التي رحل منها وشرد عنها اهلها ، على ما هو وارد في هذه القصيدة ، عثرت على مفرداتها بين الانقاض ،وعثرت على مصطلحاتا بين البساتين والمساحات والخيرات وكل مكوناتها الحياتية الجميلة ، مما دفع بي القيام بتنظيم هذه المفردات والمعاني لاسهل عليكم مشاهدة المنظر والموقف ، عساكم تعيشونه كم انا ولو للحظة ، او تستعيدون من خلالها شيئا من الذاكرة ، ذكرى تلك الايام الحلوة متضرعين الى الله العزيز القدير اعادة اللاجئين الى اوطانهم املاكهم .

ارجو اعتبار هذه القصيدة ، هدية مني ومن افراد المجموعة التي كانت معي في هذا الموقف, الى كل لاجئ متمسكا بمفتاح بيته الذي حطمه ذلك العسكري المزمجر.

الهي انت يا اكبر

هنا كانت مراعينا

هنا كانت مسارحنا هنا كانت حقول القمح والسمسم وما اثمر

هنا كانت مضاربنا

هنا كانت مسارحنا

هنا كانت مقايلنا

هنا كانت بيادرنا

هنا بيدر

هنا حقل

هنا واد كمثل النهر

هنا بستاننا الاخضر

هنا التفاح والرمان والعنبر

هنا ليمونة خضرا

هنا ،،، توتة طفولتنا

تارجحنا تنطنطنا كمثل الطير

هنا عين

هنا العليق قد نور

الهي انت يا اكبر * فهل ابكي مصيري المر؟

هنا كانت ملاهينا

هنا كانت مصايفنا

هنا كانت مشاتينا

هنا في ظل خروب تبادلنا حكاوينا

تسامرنا حواديثا عشقناها وعشناها نسجناها خيالا حر

حكايات نحاكيها ، تحاكينا ، يعطلها طلوع الفجر

الهي انت يا اكبر * فهل نبكي غياب الفجر؟

هنا كانت مسارحنا

هنا كانت ينابيع

هنا كانت ملاهينا

هنا مقيل

هنا بيدر

هنا عنبر

هنا مر

هنا مرمر

هنا امي

هنا خالي هنا عمي

وكان الخير في فمي عسل مصفر

الهي انت يا اكبر * على الاطلال هل ابكي بكاءا مر ؟

نعم ابكي ، نعم واكثر

هنا الصبار والنعناع والشومر

هنا العكوب والخبيز والزعتر

هنا الصفصاف والطيون والعبهر

هنا بيت هنا دار هناك الحوش والبندر

هنا ديوان بلدتنا هنا الكتاب والمحضر

هنا الطابون !! هنا الطابون والمزبل

وللرحمن ما قدر !!!!!

الهي انت يا اكبر * الهي انت يا اكبر

هنا ،،كانت طفولتنا

وما بالطفل قد يذكرسوى لعب ونسيان

وعين فيها بستان ؟

وخبز الام كالسكر

وما بالطفل ان يذكر سوى ليل طويل العمر

فطال اليل مسودا فغاب البدر

وشمس لم تعد تشرق كمثل السحر

واذ نادى منادينا بصوت الجهر

يا سامعين الصوت” يا سامعين الجهر،

غزينا في مرابعنا ، بزوغ الفجر

اطل علينا صهيونا عن الانياب قد كشر

يباغتنا مثل عنتر

فحطم باب شقتنا وقد زمهر وقد زمجر

ودمر ما حواه البيت والاغراض قد بعثر

وقد دمر وقد كسر

وما بدل وما غير

وصوب نحو خالتنا وعمتنا وجارا كان مؤنسنا

وكنت انا صغير السن لم اكبر

صغيرا لم ارى عسكر

سالت ابي ومرعوب ، اهذا يا ابي العسكر؟

وصال وجال في الميدان

يسب ويشتم الصبيان كالازعر

ويقتل عنزة حبلى ، بمقتلها عسى ينصر

وينحر نعجة اخرى ، وصغرى لم تزل تكبر

ويصرخ : ان اتاه الامر ان نترك وان نرحل:

فيا اكبر ويا اكبر ، الهي انت يا اكبر *

هنا سارت جحافلنا تجر الذيل للعسكر

فهل نيكي جحافلنا

وهل نيكي عروبتنا

وهل نبكي على حكام امتنا ، وقد باعوا قضيتنا بلا فر ودون الكر

نعم يا طفل امتنا لقد بيعت معاقلنا ، عليك الصبر

فهل نبكي مشاعرنا وهل نطفي مشاعلنا وهل نطوي قضيتنا قبيل الفجر؟

لا لا لا والف لا ولا ،

فا لحلو مر

والارض جمر

والحر حر

فالصبر امر

عليك الصبر اسمعه ، ومن في القبر

الهي انت يا اكبر *الهي انت يا اكبر

الهي قد رضينا الصبر

 

‫4 تعليقات

  1. حياك الله استاذي الكريم وجمل ايامك بالسعادة والعطاء.

    كلمات وطنية صادقة تدل على انتماء عميق للوطن والاهل..

    يعطيك العافية يا استاذ احمد..جزاك الباري كل خير..

    استاذي الكريم..انت المعطاء رقم اول في وادي عارة..لك منا جزيل الشكر

    والعرفان….اتمنى لك دوام الصحة والعافية..

  2. لا بد من القيام بتلك النشاطات لنشحن بها طاقاتنا، ولنتذكر ان كنا قد تناسينا لمشاغل الحياة بان هناك قرى ومدن بل هنالك حجارة تنتظر العائدون… العائدون الى ديارهم، فنحن هنا بانتظاركم … بانتظار عودتكم لاستقبالكم بما يليق بغيبة تلك السنين.
    لقد اخذتنا بجوله حقيقية بتلك الكلمات والتعابير الرقيقه الوطنية الهادفه .. وبالتاكيد نحن باقون ما بقي الزعتر والزيتون… باقون لنستقبل العائدون

  3. الهي انت يا اكبر … الله اكبر على هالكلام … شوي شوي علينا يا عمي .. كل ما اقرا بيت بيقشعر بدني وبتصيبني القشعريرة..! الله يسلم الانامل اللي كتبن هالكلام فعلا فعلا اثر فيي كلامك وصل لاعماقي ولمسها وخلاني اغسلها بدموع الحسرة على حالنا احنا الفلسطينيي شو النا غير الله والصبر
    فعلا فعلا كلامك دخل قلبي بدون ما يدق عالباب دخل في الصميم .. انا فعلا فرحت لما قريت هالكلمات ..شوف كيف بكلمات صغيرة بتأثر عالناس وبتبكيهم..!!
    بس انا بطلب منك انك ما تحرمنا من هاي الكلمات وتبعث دايما للموقع عشانك نقلتني لعالم اخر فلا تحرمني من هالمشاعر والكلمات .. وكل الاحترام الك 🙂 D:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة