ندوة قانونية حول مكانة النساء بالمحاكم الكنسية
تاريخ النشر: 13/03/16 | 13:50عقدت جمعيّة كيان- تنظيم نسوي، يوم الجمعة، في مقرّها في حيفا طاولة مستديرة لعرض ومناقشة مكانة النساء في المحاكم الكنسيّة، وذلك بحضور محامين ومحاميّات المختصّين في قانون الأحوال الشخصيّة، إضافة إلى تقديم مداخلات لضيوف تحدّثوا عن الحماية والمناليّة في المحاكم الكنسيّة وفقًا للخطاب النسوي الأصلاني، وصلاحيّة المحاكم الدينيّة في الأحوال الشخصيّة، وإطلالة على القوانين والإجراءات في المحاكم الكنسيّة والإشكاليّات والمطالب.
يأتي هذا اللقاء استمرارا للحملة التي أطلقتها جمعيّة كيان قبل عدّة أشهر حول مكانة المرأة في المحاكم الكنسيّة، والتي جاءت كجزء من مشروع العدالة في المحاكم الدينية. ووضعت الحملة ثلاث مطالب أساسية من شأنها، في حال تحققت، تسهيل منالية المتقاضيات (رجالا ونساء على حد سواء) وتعزيز الشفافية في المحاكم وهي: أولا، نشر قرارات المحاكم والإجراءات المعمول بها في المحاكم الكنسية. ثانيا، وضع إجراء واضح يحدد مبلغ الرسوم بحيث تتناسب مع رسوم المحاكم المدنية والدينية الأخرى وثالثا، رفع وعي القضاة والعاملين في المحاكم عامة حول الواقع الاقتصادي، الاجتماعي والنفسي للنساء المتقاضيات في قضايا الأحوال الشخصية.
“قراءة القانون بحسب سياقه”
تطرّقت البروفيسورة نادرة شلهوب –كيفوركيان إلى أهميّة قراءة القانون، بما فيه قانون الأحوال الشخصيّة، بحسب سياقه التاريخي، قائلة إن ” القانون له سياق ولا يُمكن تجاهله، والسياق هنا هو استعماري- استيطاني” مُشيرة بذلك إلى أن ثلاث نقاط أساسيّة يجب أخذها بعين الاعتبار بما يتعلّق في هذا السياق” أولا، أن قانون الأحوال الشخصيّة على سبيل المثال هو جزء من منظومة كاملة وليس حدثًا عابرا، والتوجّه إلى المحاكم وحقّ الفلسطيني بالتقاضي من خلال المنظومة الإسرائيليّة ليس مفهومًا ضمنًا، فهي منظومة قامعة وإن أفادتنا في بعض الأحيان”. ثانيا، الإنسان الأصلاني يخرج تدريجيّا عن المكان، فعليّا ونفسيًّا وفق للسياسة الاستعماريّة الاستيطانيّة. وبالتالي، بحسب شلهوب- كيفوركيان، لا يمكن تجاهلنا لسياسة إخراج المسيحي في البلاد من سياقه القومي والوطني، وتأجيج الصراعات الداخليّة بين المسلم والمسيحي وغيرها والقانون يخدم هذه السياسة. وثالثا، أشارت شلهوب –كيفوركيان إلى ما تسمّيه “منطق الإبادة”، وهو منطق لا يقتصر على الإبادة الفعليّة فقط، بل الثقافيّة والتبعيّة وغيرها، مُشيرة إلى أن السياق الاستعماري الاستيطاني يعرّي الإنسان الأصلاني من ثقافته، وانتماءه ووطنيّته من خلال القانون، مؤكدة أن الأمر الشخصي هو أيضا سياسي حتى في قضايا المحاكم الكنسيّة.
وتحدّثت أيضا البروفيسورة نادرة شلهوب- كيفوركيان عن الدراسة التي أجراها مركز مدى الكرمل حول المحاكم الكنسيّة، وكون القانون المعتمد في المحاكم الكنسيّة غير واضح من ناحية الإجراءات والتفسيرات، على الرغم من أن بنوده واضحة، مما يؤدي إلى إصدار قرارات مختلفة بناء على تفسيرات مختلفة.
“المحاكم الكنسيّة .. الحفاظ على الاستقلاليّة أم لا؟ ”
من جهتها قدّمت المحاميّة حلا موسى –دكور عرضًا حول تاريخ القانون الكنسي في البلاد منذ الانتداب العثماني، مرورا بالانتداب البريطاني وقيام دولة إسرائيل فيما بعد، بحيث ربطت السياق الاستعماري – الاستيطاني الذي تحدّثت عنها البروفيسورة شلهوب- كيفوركيان بالمنظور الجندري للقانون الكنسي.
أكدت المحاميّة موسى –دكور على أهميّة قراءة السياق التاريخي من أجل فهم أين نحن موجودين والقانون الكنسي موجودين اليوم ولماذا المحاكم الكنسيّة موجودة بشكلها واستقلاليتها القائمة اليوم، وأيضا من أجل تحقيق ما نريده مُستقبلا في مجال القضاء الكنسي.
تطرّقت المحاميّة موسى –دكور أيضا إلى استمرار سياسة فرّق تسد التي اتبعها الانتداب البريطاني، مُشيرة إلى أن “إسرائيل فعلت أكثر من ذلك في هذا السياق، فهي أعلنت إقامة المحاكم الشرعيّة وفق دستور الملك، على الرغم من أن هذه المحاكم كانت موجودة قبل قيام إسرائيل، وهذا ما لم يحدث مع المحاكم الكنسيّة مما يُثير التساؤلات”. يُشار إلى أن المحاكم الدينيّة للطائفتين الإسلاميّة والدرزيّة هي محاكم غير مستقلّة كما هو الحال في المحاكم الكنسيّة، مما يثير التساؤل اليوم حول أسباب وتبعات استقلاليّة المحاكم الكنسية.
“المحاكم المدنيّة ليست أفضل حالا من المحاكم الدينيّة”
من جهته قال المحامي عصام أبو نصّار في مداخلته إنه “علينا أن نسأل أنفسنا بدايةً هل نحن فعلاً على دراية تامّة حول ماهيّة عمل المحاكم الكنسيّة؟ هل مُشكلتنا الأساسيّة في المحاكم الكنسيّة؟ فعلا توجد مشاكل في المحاكم الكنسيّة لكنها لا تتعدّى المشاكل الموجودة في أي محكمة مدنيّة أخرى”.
أكد المحامي أبو نصّار على أهميّة الحفاظ على استقلاليّة المحاكم الكنسيّة، وتحسين أداءها وإيجاد الحلول للمشاكل المطروحة من خلال إقامة لجان وحوارات. وأضاف أبو نصّار أنه: لا شكّ أن الإعلان عن إقامة محكمة شرعيّة للطائفة دينيّة إسلاميّة على الرغم من وجودها قبل قيام الدولة، جاء لسلبها الاستقلاليّة وليُسيطر سياسيّا على هذه الطائفة، بعد أن كانت للمحاكم الشرعيّة قوّتها في فترة الانتداب، والمسلمون يُشكلون نسبة كبيرة من سكان البلاد.
وتطرّق أبو نصّار في حديثه أيضا عن موضوع الرسوم للمحاكم الكنسيّة، إذ أن أحد الادعاءات يُشير إلى إشكاليّة عدم توحيد الرسوم علاوة عن أنها باهظة، فقال “إنه يجب الأخذ بعين الاعتبار أن المحاكم الكنسيّة لا تأخذ تمويل من الدولة، والرسوم هي المصدر التمويلي الوحيد للمحاكم الكنسيّة.. إضافة إلى توفير إمكانيّة العفو عن دفع الرسوم لمن لا تملك القدرة على ذلك..” مُشيرا إلى أن الرسوم في المحاكم المدنيّة قد تصل إلى مبالغ أعلى. وتطرّق أبو نصّار أيضا إلى أهميّة أن يلائم قانون الأحوال الشخصيّة المنطقة ويُطابقها، ومن هُنا يأتي الاختلاف بين تطبيق قانون الأحوال الشخصيّة في بلادنا وفي مصر على سبيل المثال.
وفي الختام، دار نقاش واسع بين المشاركين والمشاركات حول النقاط التي أثارها الضيوف، وأكدتا المحاميّتان روان إغباريّة وألحان داوود – نحّاس من جمعيّة كيان واللتان أشرفتا على الندوة، على أهميّة هذا اللقاء ليكون جزءًا من اللقاءات التي ستعقدها جمعيّة كيان في موضوع مكانة المرأة في المحاكم الكنسيّة لبحث الادعاءات المختلفة والسائدة بين القانونيين ورجال الدين ومهنيين العاملين في الكنيسة، والوصول إلى الحلول الأفضل لرفع مكان المرأة في الجهاز القضائي.