سامحني
تاريخ النشر: 26/04/16 | 0:00كَانَ سَعْدٌ عَاقاً لِوالِدِهِ، كُلَّمَا طَلَبَ وَالِدُهُ مِنْهُ شَيْئًا يَصْرُخُ فِي وَجْهِهِ، وَيُدِيرُ وَجْهَهُ صَوْبَ الْبابِ، ثُمَّ يَخْرُجُ وَيَطْرُقُ الْبَابَ وَرَاءَهُ.
كَانَ أَبْو سَعْدٍ صَابِرًا عَلى عُقُوقِ وَلَدِهِ سَعْدٍ، وَيَهُزُّ رَأْسَهُ وَأَمَارَاتِ التَّفْكِيرِ عَلَى وَجْهِهِ.
فِي أَحَدِ الْأَيَّامِ طَلَبَ أَبو سَعْدٍ مِنْ سَعْدٍ أَنْ يَذْهَبَ مَعَهُ إِلَى الْبُسْتانِ كَيْ يَقْطُفَ مَعَهُ الْبَلَحَ، لكِنَّ سَعْدًا رَفَضَ كَعَادَتِهِ، وَلَمْ يَذْهَبْ مَعْ وَالِدِهِ.
ذَهَبَ أَبو سَعْدٍ إِلَى الْبُسْتانِ وَحْدَهُ، وَأَخَذَ يَقْطُفُ ثِمَارَ الْبَلَحِ وَيَضَعُها عَلَى قِطْعَةِ قُمَاش ٍكَبِيرَةٍ.
أَخَذَ أَبو سَعْدٍ يَسْحَبُ الْبَلَحَ بِصُعوبَةٍ، وَالْحُزْنُ وَالْغَضَبُ يُلَوِّنَانِ وَجْهَهُ بِأَلْوانٍ مُخْتَلِفَةٍ.
نَظَرَ سَعْدٌ إِلَى الْبَعِيدِ فَوَجَدَ وَالِدَهُ يَسْحَبُ الْبَلَحَ بِصُعُوبَةٍ بِمَشاعِرِ الْحُزْنِ الَّتي تَمْلأُ وَجْهَهُ.
شَعَرَ سَعْدٌ بِالْعَطْفِ عَلَى وَالِدِهِ، فَرَكَضَ إِلَيْهِ يَحْمِلُ عَنْهُ الْبَلَحَ، وَالْأَبُ سَاكِتٌ لَا يَتَكَلَّمُ.
وَلَمَّا انْتَهى سَعْدٌ مِنْ عَمَلِهِ قَالَ لَهُ أَبُوهُ:
– أَتَدْري يَا سَعْدُ لِم َكُنْتُ أَبْكي وَأَنَا أَعْمَلُ وَحْدِي؟
قَالَ سَعْدٌ:
– لِأَنَّ الْبَلَحَ كَانَ ثَقِيلاً عَلَيْكَ يَا وَالِدي.
قَالَ أَبو سَعْدٍ:
– لا يَا وَلَدِي.. فَقَدْ تَذَكَّرْتُ الزَّمَنَ الْبَعِيدَ عِنْدَما كُنْتُ فِي مِثْلِ عُمْرِكَ، وَكُنْتُ أُعَامِلُ وَالِدي كَمَا تُعَامِلُنِي أَنْتَ.
فَعَرَفْتُ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى يُعَاقِبُني مِنْ خِلالِ عُقُوقِكَ لِي، فَكَمَا فَعَلْتُ مَعْ وَالِدي، جَاءَ الزَّمَنُ الَّذي وَلَدِي يَصْنَعُ فِيهِ الصَّنِيعَ نَفْسَهُ الَّذي صَنَعْتُهُ مَعْ وَالِدي.
نَظَرَ سَعْدٌ إِلَى وَالِدِهِ، وَالَّدهْشَةُ تَعْلُو وَجْهَهُ، ثُمَّ أَطْرَقَ قَلِيلًا يُفَكِّرُ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ:
– يَا أَبَتِي .. سَامِحْنِي لِمَا بَدَرَ مِنِّي، وَلَنْ أَعُودَ إِلَى مِثْلِ هذا الْعِصْيانِ لَكَ مَرَّةً أُخْرى، حَتَّى لَا يَصْنَعَ وَلَدِي بِي فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَمْا صَنَعْتُ أَنَا مَعَكَ.
أَقْبَلَ سَعْدٌ يُقبِّلُ قَدَمَيَّ وَالِدِهِ وَهُوَ يَبْكِي، وَيَطْلُبُ السَّماحَ مِنْهُ،
نَظَرَ أَبُو سَعْدٍ إِلى بَعِيدٍ وَقَالَ فِي سِرِّهِ:
– “وَأَنَا كَيْفَ سَيُسَامِحُني وَالِدي عَمَّا فَعَلْتُهُ مَعَهُ؟؟ كَيْفَ؟؟ كَيْفَ؟؟ ”