الواقع الإجتماعي والسياسات الإقتصادية في مصر
تاريخ النشر: 03/08/16 | 0:10إن السياسات الاقتصادية غير المتلائمة مع الواقع الاجتماعي للدولة، بحيث تتكون فجوة تتسع تدريجا بين الفقراء والأغنياء وبين المتعلمين وغير المتعلمين وبين ذوي المصالح الاقتصادية الواسعة وبين فئات اقتصادية مهمشة، باختصار بين من يملك ويحاول زيادة هذه الملكية بأي صورة كانت حتى وان أدى ذلك إلى إفقار وتهميش شرائح واسعة من المجتمع وبين من لا يملك ومن هو مستعد للتضحية بحياته في سبيل تحقيق مكانة أو التخلص من واقع الحياة خاصة بين فئات الشباب.
إن المتغيرات الدولية والتحديات الجديدة التي يشكلها (النظام الدولي الجديد) مع العالم الخارجي والمتمثلة بزوال القطب السوفيتي وتربع الولايات المتحدة على قمة الهرم السياسي الدولي قد أضافت بعدا جديدا في تنامي ظاهرة الإرهاب عالميا.
جوهر الإرهاب
إن ظاهرة الإرهاب ليست جديدة وإنما هي ظاهرة قديمة قالخاصة،ان ذاته فهي لصيقة بطبيعة وجوده وتطورت الظاهرة بفعل متغيرات البيئة الدولية التي تتحرك فيها والتي تعتبر العامل الرئيسي وراء التحول في إشكال الإرهاب الدولي فعلى الرغم من إن جوهر الإرهاب يظل واحدا فان أشكاله وأدواته وتكتيكاته تختلف وتتطور بسرعة مع الزمن وتبقى المسألة الرئيسية تكمن في حصر وتقنين ظاهرة الإرهاب مسألة ذات بعد حضاري إنساني كون الإنسان هو الشخص الذي يمتلك الإرادة الفعلية والعملية في استئصال جذور الإرهاب لينهض من جديد بفكر خلاق بناء قادر على التعاطي الإيجابي مع واقع وأعباء الحياة المختلفة. فالبطالة وانتشارها بصورة واسعة لدى فئة الشباب خاصة سواء كانت بطالة حقيقية أم بطالة مقنعة، فإنها تولد شعورا بالعجز واليأس من ناحية، وشعورهم بالإحباط من ناحية أخرى إلى جانب شعور هؤلاء الشباب المرتبط بواقع الحياة المرير بأنهم ليس لديهم ما يغيروه أو يحافظون عليه بالاستمرار بالحياة
هذا الواقع مترابط مع جهات أو جماعات مستعدة لتقديم أموال كبيرة لقاء أعمال صغيرة يستشعر معها الشباب إنهم يقومون بعمل ما وإن كان ذا طابع عنيف أو دموي ولكنه بالنسبة إليهم عمل هادف يستحق الجهد المبذول فيه، فالشاب الذي لا يجد له فرصة عمل يكون هدفا سهلا لمختلف الاتجاهات المتطرفة دينيا أو سياسيا أو عصابات النصب والاحتيال والسطو المسلح.
خلل في العدالة الاجتماعية
والموارد اللازمة للتنمية وتوفير الحاجات الأساسية للناس وعلى نحو غير متوازن بعبارة أخرى وجود خلل في العدالة الاجتماعية تفرز قدرا متعاظما من الظلم والتضجير الاجتماعي الجماعي والحرمان النسبي لدى قطاعات متزايدة من السكان، وهنا الحرمان النسبي ليس بالضرورة ناتجا من الفقر والافتقار على المستوى الفردي، وذلك أن الأفراد القائمين بالإرهاب قد يكونون أغنياء بذاتهم ولكنهم انطلاقا من الإحساس بالتهميش والدونية من قبل الدولة مما يخلق حالة من الغضب والنقمة لدى فئة معينة تجاه فئات أخرى ورد فعل متطرف مصحوب بعمل إرهابي.
الفساد الإداري
إن عمليات الفساد الإداري الحكومي: التي تسهم بها معظم البلدان والأزمات الاقتصادية المستمرة ابتداء من التضخم والكساد الاقتصادي إلى حالات الكسب غير المشروع في الصفقات التي تتم بشكل غير قانوني مع رجال الدولة أو الدخول في صفقات غير قانونية لتمرير العشرات من أنواع البضائع الفاسدة بجهود أشخاص ذوي نفوذ في الدولة مثل هذه الممارسات تولد لدى الشباب أو الناس المحرومين سلوكا عدوانيا عنيفا من الكبت سرعان ما ينفجر بعمل عدواني منظم يستهدف الأشخاص والمؤسسات أو الدولة ذاتها مما يؤدي إلى تدهور الأبنية الاقتصادية – الاجتماعية للدولة
صراع اجتماعي مستمر
وهنا يتخذ الإرهاب صورا عديدة منها (حالات السلب والنهب وعمليات الاختطاف المنظمة المصحوبة بدفع فدية مالية معينة تستخدم لتمويل عمليات إرهابية على الصعيد السياسي من تنظيم حملات مسلحة وغيرها). وعلى أساس ما تقدم، يمكن صياغة معادلة تفسر بان: الجهل + الفقر والافتقار + القمع والكبت والإقصاء والتهميش = ظاهرة الإرهاب. وهذه المعادلة لا تنفي أو تلغي دور العوامل الخارجية المسببة لظاهرة الإرهاب بل يمكن أن تساعد على تغذيتها وبالشكل الذي يقودها إلى حرب أو صراع اجتماعي مستمر.والتركيز على طبيعة الصراع الأساسي وبناء المجتمعات الإنسانية ، فتاريخ صراع الجماعة يساعد على تكوين الأبنية والنظم الاجتماعية في المجتمع المعاصر وهي بدورها تستمر في تشكيل طبيعة الصراعات في الوقت الحاضر .
و الصراع بين الجماعات أكثر أهمية من الصراعات الفردية بالنسبة للمجتمعات الإنسانية ، ويتطلب فهم المجتمعات الإنسانية الاهتمام بكيفية تشكيل أعضاء المجتمعات لجماعات لها مصالح مشتركة ،وكيفية قيامها بتشكيل اندماجات أو أحلاف والصراع بينها وبين الجماعات الأخرى ذات المصالح المتعارضة . ولا يعد المجتمع كائناً كالجسم البشري له احتياجاته الخاصة ، بل هو بيئة يتنافس فيها الأفراد والجماعات واحتياجات أعضاء المجتمع والاحتياجات الجمعية لجماعات الناس هي التي تشكل المجتمع . ووجود النظام الاجتماعي العام ، والتعاون بين الجماعات داخل المجتمع ، يعتمد غالباً على بعض أشكال الصراع فالتعاون بين جماعتين قد يرجع إلى وجود مصالح مشتركة في الدفاع ضد جماعة أخرى ووجود النظام الاجتماعي العام قد يكون سبب وجوده ، مقدرة إحدى الجماعات على فرض امتثال الآخرين من خلال استخدام القوة أو الحوافز المادية . والتغير الاجتماعي أحد الملامح الأساسية للمجتمعات الإنسانية برغم اختلاف درجته ، والصراع هو العامل الأساسي في هذا التغير سواء أكان كامناً أو ظاهراً .
الفشل التنموي
وعندما ظهرت الصعوبات في مواجهة الفشل التنموي في أواخر القرن العشرين. وبدأ الطرح حول ضرورة الإصلاح الاقتصادي وتوجهاته، ظهر تيار قوي مطالبا بانتهاج سياسات اقتصاد السوق الحر وإطلاق حرية التجارة ورأس المال والاستثمار مما أدى إلى انتهاج سياسة إصلاحية في العديد من الدول العربية ومنها دول الربيع العربي وبدعم من المنظمات الدولية. إلا إن ما جرى تطبيقه هو اعتماد سياسات اقتصادية ومالية وتجارية ليبرالية.
وضمن توجهات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، جرى إصدار العديد من التشريعات والأنظمة التي كان من شأنها إجراء تحولات اقتصادية واجتماعية مع تحرير التجارة الداخلية والخارجية السماح بتأسيس المصارف الخاصة وشركات التأمين وسوق الأوراق المالية والبورصة وتخفيف الضرائب على حركة الاستثمارات.
وقد أدت هذه السياسات إلى إضعاف قوة الدولة القانونية في مراقبة وتوجيه النشاط الاقتصادي وفي تلبية متطلبات تحقيق التنمية كما إن معظم الدول التي حدث فيها التغيير اندمجت بالاقتصاد العالمي والعولمة الرأسمالية المتوحشة وإفرازاتها على الواقع الاجتماعي والاقتصادي وذلك من خلال إغراق أسواقها بالسلع الأجنبية ما افقد القدرة التنافسية للمنتجات الوطنية واضعف القطاعات الاقتصادية لا سيما السلعية منها.
هذه الإصلاحات قادت إلى سوء توزيع الدخول وانحياز الإصلاحات التي اعتمدتها الحكومات إلى صالح الفئات الغنية، بدلا من إن تحقق العدالة الاجتماعية، فازدادت حالات الفقر وانتشر الفساد المالي، أدت إلى توسع في النشاطات غير المشروعة.
تحقق العدالة الاجتماعية
الثورة هي تغيير النظام في المجتمع على وجه يحقق إرادة الشعب من غير الطريق الذي يرسمه النظام القانوني السائد فيه ذلك لأنه في أي مجتمع مضامين اقتصادية واجتماعية وسياسية تكون معا مضمون علاقات الناس أنفسهم ، هذه المضامين والعلاقات تخضع للنظام القانوني المفترض أنه للجميع ويخضع له الجميع وعندما يسقط افتراض حماية النظام القانوني لمصالح الجماهير التي تكون الأغلبية فإنه يتجرد من الشرعية ويبقى عدواناً على الشعب ولكن بصياغة قانونية وبالتالي فإن تطهيره يكون مشروعا ولازما .
إذن فالثورة ليست انفعالا شخصيا وليست عمل فئة واحدة ولكن قيمة الثورة بمدى شعبيتها وبمدى ما تعبر به عن الجماهير وتعبئة قواها لإعادة صنع المستقبل كما أن الجماهير تطالب بالتغيير وتسعى إليه وتفرضه تحقيقا لحياة أفضل وهنا تأتى تقدميتها. فالثورة عمل شعبي تقدمي وعليه فإن الديمقراطية هي الترجمة الصحيحة لكون الثورة عملا تقدميا فهي تأكيد السيادة للشعب ووضع السلطة في يده وتكريسها لتحقيق أهدافه. كما أن تحقيق العدالة الاجتماعية هي الترجمة الصحيحة لكون الثورة عملا تقدميا حيث تؤكد على إقامة مجتمع الكفاية والعدل ، مجتمع العمل وتكافؤ الفرص ، مجتمع الإنتاج ومجتمع الخدمات .
الدكتور عادل عامر