وجوه وملامح (10)
تاريخ النشر: 30/08/16 | 14:13لقد تركت المرآة المسلمة عبر صفحات التاريخ صفحات مشرقة حافلة بالمواقف الرائعة التي تظهر فيها معاني هامة تحتاج المسلمة المعاصرة التعرف عليها من خلال نساء دخلن التاريخ من أبواب شتى، وسأستعرض من خلال هذه السلسلة بعض المواقف سريعة التأثير في القلوب مواقف نستعرض من خلالها ملامح كل شخصية عبر التاريخ.
فاطمة بنت عبد الملك بن مروان ” ما كنت لأطيعه حياً وأعصيه ميتاً ”
ومن النساء اللاتي سطر لهن التاريخ مواقف رائعة في الوفاء: السيدة فاطمة بنت عبد الملك بن مروان. وكانت زوجة لسيدنا عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين وأخت أربعة من خلفاء بني أمية قال فيها الشاعر: بنت الخليفة والخليفة جدها **** أخت الخلائف والخليفة بعلها
ولقد كانت السيدة فاطمة بنت الخليفة عبد الملك بن مروان، وكان لديها من الجواهر كمية كبيرة لم تملكها امرأة على وجه الأرض ويقال: إن هذه الحلي قرطي مارية اللذين اشتهرا في التاريخ وتغنى بهما الشعراء، وكان أحداهما يساوي الكثير وقد كانت في بيت أبيها تعيش في نعمة لا تعلو عليها عيشة امرأة في الدنيا لذلك العهد. ولكن لما تزوجت الخليفة عمر بن عبد العزيز وقد جاءته الخلافة بعد زواجه منها، اختار ان تكون نفقة أهل بيته دراهم قليلة في اليوم ورضيت بذلك زوجته.
ومما سطره التاريخ في ذلك أنه أمرها أن ترد الجواهر التي أخذتها من بيت أبيها إلى بيت المال فوافقت عليها.
عن خليد بن عجلان قال: كان عند فاطمة بنت عبد الملك جواهر فقال لها عمر: من أين صار هذا إليك. قالت: أعطانيه أمير المؤمنين. قال: إما أن ترديه إلى بيت المال وإما أن تأذني في فراقك فإني أكره أن أكون أنا وأنت وهو في بيت. قالت: لا بل أختارك على أضعافه لو كان لي. فوضعته في بيت المال فلما ولى يزيد بن عبد الملك ( أخوها ) قال لها: إن شئت رددته عليك أو قيمته. قالت: لا أريده طبت به نفساً في حياته فارجع فيه بعد موته ؟ وفي رواية ” ما كنت لأطيعه حياً وأعصيه ميتاً “.
أي موقف سطر التاريخ لتلك المرأة التي تركت كل مجوهراتها الثمينة وهي طيبة النفس راضية بأمر زوجها، فهي تعلم أنه يأخذ بيدها إلى الجنة وإلى طاعة الله فتخلت عن كل متاع الدنيا وهي ابنة الخلفاء وأختهم. وليس هذا بالسهل على النفس البشرية ولكن الإيمان والرضا والتنافس في الخير مع زوجها جعلها تختاره على كل متاع الدنيا. فأي شيء في الدنيا يعدل الزوج الصالح الذي يعين المؤمنة على طاعة الله في طريقها إلى ربها ؟ وماذا تصنع بالمجوهرات الكثيرة إذا كانت سوف تحاسب عليها بين يدي الله ؟.
ثم تأملي أختاه وفاءها بعد وفاة زوجها له وللعهد الذي أخذته على نفسها مما يدل على أنها قامت بهذا العمل راضية محتسبة أجره عند الله فقد قالت: ” ما كنت لأطيعه حياً وأعصيه ميتاً ” فأي وفاء هذا الذي سجله التاريخ لتلك المرأة المسلمة ؟.ولم تكن السيدة فاطمة زوجة وفية فقط، بل كانت زوجة صبورة صالحة صبرت مع زوجها على الزهد في الدنيا بعد ما كانت تتمتع بكل أنواع النعيم ولكن رضيت بأن تكون زوجة للخليفة عمر بن عبد العزيز دون خدم أو حشم، وقد جاء في ذلك عندما تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة فعن بعض خاصة عمر بن عبد العزيز: أنه حين أفضت إليه الخلافة سمعوا في منزله بكاء عالياً فسأل عن البكاء فقيل: ” إن عمر بن عبد العزيز خير جواريه فقال: إنه قد نزل لي أمر قد شغلني عنكن فمن أحب أن أعتقه أعتقته ومن أراد أن أمسكه أمسكته ولم يكن مني إليها شيء فبكين يأساً منه “.
وهكذا كان حاله مع زوجته فاطمة فقد سئلت عنه فقالت: ” أن عمر رحمة الله عليه قد فزغ للمسلمين نفسه ولأمورهم ذهنه فكان إذا أمسى مساء لم يفرغ فيه من حوائج يومه وصل يومه بليلته “.
ولكن تلك المرأة الصالحة رضيت أن تشاركه هم الأمة وتكون زوجة له تخدمه وترعاه وهي بنت الملوك ولم تغضب لذلك ولم تسخط كل ذلك طمعاً فيما عند الله وطلباً للرفعة في الجنة مع هذا الرجل الصالح قال تعالى:
( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) [ القصص: 83 ]
بقلم: محمود عبد السلام ياسين