أسباب انتشار ظاهرة الطلاق
تاريخ النشر: 06/10/16 | 1:47انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة مؤرقة تفتك بالأسرة والمجتمع، ما يزيده تفككاً على تفككه، وهي ظاهرة التلاعب والتهاون بألفاظ الطّلاق؛ فلأدنى الأسباب وأتفهها تجد الرّجل يتلفظ بالطلاق أو يحلف بالطلاق أو يهدّد بالطلاق. وليت هؤلاء الذّين يتلفظون بالطّلاق صباح مساء يقفون عند حدود الطلاق ويطبقون أحكامه، بل تجده يطلّق في اليوم الواحد مراراً وتكراراً ولكنّه ما زال مع زوجته يعيش في ظلّ شبهات شرعية، ولعلّ هذا هو السبب الأعظم الذّي يكمن وراء عدم الاستقرار في الحياة الأسرية والزّوجية والمشاحنات والخصومات التي لا حدّ لها ولا نهاية بين أبناء الرحم الواحد والصّلب الواحد، إلاّ أنّ قلّة من النّاس من يلتفت إليه وينظر له بعين البصيرة، ذلك أنّ البركة قد نزعت من الحياة الزّوجية نتيجة هذه الشبهات الشّرعية في العلاقة بين الزّوجين، فانعكست آثارها على الأبناء والبنات والأسرة والمجتمع ككلّ، كيف لا؟ والله تعالى يقول:” ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ” (سورة الروم(41، ونبيه الكريم المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول: “احفظ الله يحفظك”؛ أي احفظه بالوقوف عند حدود شرعه وتطبيق أحكامه يحفظك في دينك ونفسك وولدك ومالك وبيتك وزوجك. والعكس صحيح تماماً.
وأسباب انتشار هذه الظّاهرة متعددة ولكن يمكن إجمالها بما يلي:
أولاً: ضعف الوازع الدّيني لدى الزوجين، فلو كانت هناك رقابة دينية نابعة من الإيمان الصّادق لدى كلّ من الزوجين فإنّ هذه الظّاهرة- حينئذ- ستتضاءل بصورة كبيرة جداً، حيث أنّ كلا من الزوجين سيتحمل الآخر ويصبر عليه ابتغاء مرضاة الله تعالى، وسيؤدّي كلّ منهما ما عليه من حقوق وواجبات تجاه الآخر، ويتنازل للآخر في سبيل مرضاة الله تعالى، وسيتجنب في المقابل كلّ ما ينفّر الآخر منه ويحرص على ما يقربه من قلبه، لأنّ الزوج المؤمن الصّادق يرى الصبرَ على خلق الزوجة ومراعاتها ومداراتها مطلبا شرعيا وقربة عظيمة، وكذلك ترى الزّوجة المؤمنة الصّادقة أنّ طاعة زوجها والتقرب إليه وسيلة تقربها إلى الله تعالى.
ثانياً: ثقافة الأفلام والمسلسلات نخرت عظم الحياة الزّوجية، لأنّ الزوج يريد زوجته أن تكون في البيت كالممثلة في الرومانسية والذوقيات والمشاعر والعاطفة، وكذلك تريد الزّوجة زوجها أن يكون كالممثل في الأناقة والذّوقيات والمعاملة والحب، ونسي كلّ منهما أو تناسيا أنّ هذا تمثيلٌ؛ أي تكلّف وتصنُّع، وهكذا تحولت حياتنا إلى تمثيلية. وكلّ ما يبنى على التمثيل سرعان ما يزول.
ثالثاً: الاختلاط والفوضى في العلاقة بين الجنسين. وهذا- في تصورنا- سرطان الحياة الزّوجية، فالاختلاط عواقبه وخيمة وأضراره جسيمة، ذلك أنّ الشيطان يزيّن المعصية. وفي هذا المقام أتذكر قول ذلك الشّاعر الزنديق الذّي كان قد أقام علاقة بالحرام مع فتاة، وبعد مدة وبعد أن كثر كلام النّاس حول هذه العلاقة قررا أن يتزوجا، فقال لها بعد الزّواج: ما أجملك في الحرام وما أقبحك في الحلال!! فلا شيء أنفع لديمومة واستمرارية الحياة الزّوجية وبقاء عنصر المودة والمحبة والرّحمة فيها من تجنب مواطن الاختلاط بين الرّجال والنساء. من هنا ندرك سرّ وحكمة تحريم الشّارع الكريم مجرد نظر كلّ من الجنسين إلى الآخر بلا حاجة ولا ضرورة، لأنّ علاج الإسلام للأمور علاج وقائي، بمعنى أنّه إذا حرّم شيئاً حرّم الطرق التّي توصل إليه، لذا حرّم النّظر وأمر بغض البصر لئلا يفضي إلى ما هو أبعد من ذلك، وفي هذا بيان لمدى احترام الإسلام وحرصه على قداسة عش الزّوجية من أيّ مؤثر معنوي أو ماديّ، خصوصاً وأنّه في عصرنا، في ظلّ التقدم والتطور التكنولوجي، تعددت صور وألوان وأنواع الاختلاط، فلم يعد الاختلاط مقتصراً على صورته التقليدية القديمة وهي أن يلتقي الجنسان (الرّجل والمرأة) في مكان واحد بلا مراعاة للضوابط الشّرعية والعرفية من حيث اللّباس وطريقة وأسلوب الكلام ونحوه، وإنّما أصبح الاختلاط بين الجنسين متاحاً وممكناً وكلّ منهما في قارة أو دولة مختلفة، وذلك عن طريق وسائل وقنوات التّواصل الاجتماعي الحديثة كالسكايب والفيسبوك والواتسأب والفايبر ونحوها، التّي باتت وسائل فساد اجتماعي للأسف على الأسرة والمجتمع بسبب سوء استخدامها.
رابعاً: عدم الوعي والنضوج الكامل لدى كلّ من الزّوجين لمشروع الحياة الزّوجية والتربية الأسرية وما فيها من مسؤولية وتبعات وحقوق وواجبات، حيث أنّ كلاً من الزوجين يقدم على الحياة الزوجية كأنّه يدخل عالماً مجهولاً بالنسبة له، دون أية فكرة أو توعية مسبقة لا من الأهل ولا المدرسة ولا من الجهات المسؤولة في البلديات والمجالس المحلية. وإن كان قد اكتسب أحدهما ثقافة فإنّ مصدر هذه الثقافة الأفلام والمسلسلات التّي باتت هي الأب والأم والحاضن الأول المغذّي والموجّه والمرشد التربوي للأبناء والبنات.
خامساً: عدم الاختيار المناسب من البداية للزوج أو الزوجة حسب المنهج الشّرعي، الذّي رسمه وبينه لنا القرآن الكريم والسّنة المطهرة، وهو البحث عن الزوجة أو الزوج الصّالح والبيت الصّالح صاحب الدّين والخلق القويم.