في الذكرى ال60 لمجزرة كفرقاسم: الدرس الذي لم تتعلمه إسرائيل
تاريخ النشر: 28/09/16 | 16:29ترفض الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة والمنظمات اليهودية حول العالم، باستمرار وبشكل منهجي عقد أية مقارنة بين ما ارتكبه النازيون من جرائم ضد اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية ( من المفيد ان نذكر هنا ان نحو 40 مليونا من شعوب الأرض في قارات العالم القديم وقعت هي أيضا ضحية للوحش النازي )، وبين ما ارتكبته إسرائيل وما تزال من جرائم ضد الشعب الفلسطيني قبل وأثناء وبعد قيامها في العام 1948 وحتى الآن.. اعتقد انه آن الأوان ان نعلن نحن أيضا رفضا لهذا الرفض الإسرائيلي – اليهودي، مؤكدين على أن جرائم إسرائيل ضد شعبنا الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها، اعظم من أن نبقيها أقل شأنا وأثرا وخطرا من جرائم أنظمة مجرمة ضد اليهود في الماضي..
يكتسب رفضنا هذا مشروعية اكبر ونحن نرى إسرائيل الأقوى عسكريا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا على مستوى الشرق الأوسط والعالم، ترتكب من الجرائم ما لا يمكن وصفه إلا انه جرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب ضد الفلسطينيين، كاملة الأركان حسب القانون الدولي ومواثيقه ذات الصلة..
الأدهى من ذلك والأمَرّ أن إسرائيل رغم ما تملكه من قوة كما ذكرت، فإنها ما زالت تمارس عنفها وإرهابها ضد فلسطين وطنا وشعبا ومقدسات، مدعية ” حقها ” المزيف في ( الدفاع عن النفس !!! )، في مواجهة شعب أعزل لا يملك في مواجهتها إلا إصرارا على التحرر، وإرادة لم ولن تنجح الآلة العسكرية الاسرائيلية في كسرها او تركيعها، تتهمه دونما دليل يقنع الأطفال قبل الكبار، بأنه يسعى ( لإبادتها وإنهاء وجودها !!! )…
( 2 )
المشهد الإسرائيلي – الصهيوني منذ نهاية القرن التاسع عشر ( مؤتمر بازل ) وبداية القران العشرين ( وعد بلفور ) و ( اتفاق سايكس – بيكو )، و ( الانتداب البريطاني ) و اتفاقات ومعاهدات ( سيفر، وسان ريمو، ومؤتمر فرساي، لوزان )، يشمل في تكوينه البنيوي تبني اليهود نظريات جديدة في استعمار الأراضي الفلسطينية تقوم على فكرة استبدال محاولات السيطرة المدنية أو السلمية بالسيطرة المسلحة، حيث كان من أكبر المتبنين لهذه النظرية الحركة الصهيونية العالمية التي قالت : ” إن اليوم الذي نبني فيه كتيبة يهودية واحدة هو اليوم الذي ستقوم فيه دولتنا “.
من اجل تحقيق أهدافها سعت الحركة الصهيونية إلى الترويج لثقافة “البكائية”، ” عقدة المؤامرة “، ” عقدة الاضطهاد ” و ” عقدة الشعب الضحية “، والتي صاغت كلها العقلية الإسرائيلية التي صنعت الوجود الإسرائيلي والدولة العبرية بالتعاون مع دول الاستعمار والاستكبار العالمي قديما ( بريطانيا وفرنسا ) وحديثا ( أمريكا ودول أوروبا الغربية )، كما صنعت في ذات الوقت المأساة ( الهولوكوست / النكبة ) الفلسطينية المتدحرجة منذ بداية القرن العشرين المنصرم وحتى الآن. هذا هو التناقض الذي لا يمكن فهمه !! كيف يمكن لليهود الذين عانوا الاضطهاد بكل أشالكه وانواعه على يد أمم الغرب، ان يكونوا سببا في مأساة الشعب الفلسطيني ونكبته التي ما زالت تنزف منذ قرن من الزمن وحتى الآن، وهو الشعب الذي لم يسئ لا هو ولا الأمة التي ينتمي اليها لليهود عبر تاريخها الطويل، بل على العكس تماما وباعتراف اليهود المنصفين انفسهم ؟!!!!!!!
( 3 )
لجأتُ الى علماء النفس أبحث عن جواب لهذه المعضلة، فوجدت تفسيرا قد يكون شافيا إلى حد ما.. يقرر علم النفس الحديث أن الشعور بالاضطهاد يدفع صاحبه الى اعتماد سلوك عدواني يؤدي الى كراهية الآخر. إسقاط هذه الحقيقية على اليهود / الإسرائيليين / إسرائيل، يكشف إشكالية أخرى تستحق التوقف والتأمل.. لو وَجَّهَ اليهود حقدهم وعدوانيتهم ضد من ظلمهم وهم الالمان في هذه الحالة، لقلنا : هذا شيء طبيعي.. اما ان يتحالف اليهود مع الالمان منذ التوقيع على اتفاقية لوكسمبورغ أو اتفاقية دفع التعويضات، وهي الاتفاقية التي وقعتها دولة إسرائيل مع جمهورية ألمانيا الاتحادية في أيلول / سبتمبر 1952 وحتى الآن، ثم يوجهون عدائهم بدلا منهم إلى امة احتضنتهم وآوتهم عندما شردتهم أوروبا وروسيا وغيرها من دول العالم، فهو المرض النفسي الذي لا اعتقد ان علماء النفس سينجحون يوما في تفسيره.. الظاهرة الأخرى المثيرة ذات العلاقة بهذا التفسير النفسي، ان إسرائيل / اليهود / الصهاينة، بعد أن حددوا عدوهم ( فلسطين : وطنا وشعبا ومقدسات ) لأسباب ذاتية فكرية ودينية، وأخرى مصلحية تتعلق بمصالح الدول الاستعمارية في حينه بريطانيا وفرنسا في التخلص من اليهود من جهة، وزراعة ( دولة غريبة ) في قلب الشرق العربي والإسلامي لضمان حماية امتيازاتها ومصالحها في المنطقة من جهة أخرى، سعت إسرائيل منذ ذلك الوقت إلى تبرير جرائمها ضد فلسطين والفلسطينيين تحت غطاء كثيف من المساحيق سعيا لتحقيق هدفين اثنين. الأول، تحويل الضحية الفلسطيني الذي ذبحته الآلة الإسرائيلية بدعم دولي، وفقد وطنه وتحول الى لاجئ، تحويله إلى ” إرهابي !! ” ( يهدد الوجود الإسرائيلي الشرعي !! ). والثاني، حِرْصُ إسرائيل والصهيونية العالمية على إخفاء نواياها الاستعمارية وسياساتها الاستئصالية، بأقنعة توهم المتابع انها حريصة على ضحيتها اكثر من حرض الضحية على نفسها، وحديثها عن السلام والتسوية وهي ابعد ما تكون عنه ممارسة !!!!!!!!!!!!.
( 4 )
هل ابتلع المجتمع الدولي هذا الطعم الإسرائيلي – الصهيوني، حتى ما عاد يرى معاناة الضحية ( الشعب الفلسطيني ) الذي تطحنه الآلة العسكرية الإسرائيلية، كما تفتك السياسية الإسرائيلية بحلمه في الاستقلال والحرية ؟!! لا اعتقد ان المجتمع الدولي ومؤسساته الشرعية ( الأمم المتحدة ) وغيرها، بالسذاجة بمكان حتى يبتلعوا هذا الطعم وهم يرون انتهاك إسرائيل للقانون الدولي في كل ما يتعلق بالفلسطينيين وغيرهم. إذا، ما هو التفسير المعقول لوقوف المجتمع الدولي مكتوف الايدي امام هذه الانتهاكات الإسرائيلية، إلى حد دعم هذه الممارسات وحمايتها بالفيتو ودعهما بالدولار وتغذيتها بالسلاح، وإن سمعنا اعتراضا فلا يعدو ان يكون بيان استنكار او تعبير عن قلق ؟ التفسير الوحيد الممكن لهذه الظاهرة هو ان المجتمع الدولي لا يحتكم في سياساته تجاه الصراعات في الشرق أوسط والعالم الى مبادئ واخلاق، وإنما إلى مصالح وحسابات أبعد ما تكون عن الاخلاق.. يتخذ هذا الانحياز الغربي للإسرائيلي القوي مهما كان ظالما، بُعدا واضحا في غياب القوة العربية والإسلامية المساندة للحق الفلسطيني، والمؤثرة على متخذي القرار في عواصم الدول الكبرى ذات التأثير على المشهد..
يمكننا ان نفهم – وقد تفهمنا فعلا – الذات اليهودية التي عاشت الاضطهاد وتعرضت لجرائم الإبادة في كل أرجاء العالم الغربي الذي ترى فيه إسرائيل اليوم حليفها الاستراتيجي، وذلك عبر حقب التاريخ المتعاقبة وحتى الحرب العالمية الثانية، لكننا لا يمكن ان نفهم تناقضات هذه الذات وممارساتها الشنيعة والوحشية ضد شعبنا الفلسطيني خصوصا وامتنا العربية والإسلامية عموما، الذين كانوا الملاذ الآمن لليهود عبر التاريخ والحماة لهم من جور ( حلفائهم !!! ) في الغرب، حتى اعترف منصفوهم بأن اليهود إنما عاشوا عصرهم الذهبي في ظل الكيانات الإسلامية على مدى أربعة عشر قرنا من الزمان.
لا يمكننا ان نقبل باستئثار إسرائيل ويهود العالم ب ” السامية “، ونجاحهم في جر العالم الغربي المنافق لتبني نظريتهم حول ” اللاسامية ” إلى درجة انها لم تَعُدْ تعني الا مَنْ يقوم ضد اليهود.. عندها تقوم الدنيا ولا تقعد.. اما ان يُضطهد المسلمون في العالم، وان تتعرض رموزهم المقدسة للمهانة والهجوم الارعن من أوساط سياسية وإعلامية، وان يُستهدفوا جسديا ومعنويا، فهذا لا يعني أحدا، ولا يحرك شعرة لا في أوساط اليهود ( الا نادرا ) ولا في أوساط الدول التي تدعي الديموقراطية وحماية حقوق الانسان..
هذا من جهة، اما من الجهة الأخرى فإننا لا يمكن ان نقبل بالتمييز بين ( ألَمٍ وألَمٍ )، وبين ( وجع ووجع )، وبين ( مأساة ومأساة ).. فالألم الإنساني واحد، والوجع الإنساني واحد، والمأساة الإنسانية واحدة، لا تتجزأ.. لذا، فليس من المقبول ان يكون ” الألم والوجع والمأساة ” اليهودية في التاريخ القديم والحديث ( الهولوكوست )، مميزا عن ” ألم ووجع ومأساة ” الملايين من شعوب الأرض الذين عانوا بشكل أشنع في كثير من الأحيان مما عانى منه اليهود…
” اللاسامية ” و ” الألم والوجع والمأساة ” يجب ان تتحرر معانيها من سطوة البعض، لتكون ملكا لكل مضطهد بعض النظر عن مِلَّتِهِ أو نِحْلَتِه أو عِرْقِةِ أو جنسه او دينة او لونه..
استمرارُ هذا الاحتكار اليهودي لهذه ( الايقونات ) الإنسانية، جَرَّأ إسرائيل – مع الأسف – ومن ورائها أوساط يهودية كبرى حول العالم، إلى النظر إلى الدول والشعوب من عَلٍ، وإلى احتقار مآسي الآخرين خصوصا ضحايا جرائمهم من الفلسطينيين وغيرهم، وإلى تبرير وحشيتهم في التعامل مع شعبنا الفلسطيني بالرغم من أن القانون الدولي والشرعية الدولية والقرارات الأممية تقف كلها إلى جانب حق هذا الشعب في الحرية والاستقلال، وتقف كلها ضد ممارسات إسرائيل ضد هذا الشعب وعلى جميع المستويات : القتل، الإرهاب، الدمار، الحصار، مصادرة الأرض، انتهاك المقدسات، تهويد القدس والاقصى، توسيع الاستيطان، الاعتقالات، وبالجملة قتل ممنهج للحلم الفلسطيني بالاستقلال والحرية، مما يعرض الامن والاستقرار الدوليين للخطر الحقيقي..
لا يمكن القبول من الآن فصاعدا باحتماء إسرائيل بدرع ” اللاسامية ” لتبرر جرائمها ضد الإنسانية، في الوقت الذي تُجَسِّدُ بنفسها النموذج الأسوأ لما يمكننا ان نطلق عليه ” لا سامية الأنا “… على شعبنا الفلسطيني وامتنا العربية والإسلامية وعلى شعوب العالم وحكوماته أن يرفضوا هذه الثنائية البغيضة التي فتحت وما تزال أبواب جهنم على مصاريعها لتلتهم كل امل في العيش الكريم والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والعالم..
( 5 )
قد يبدو كلامي غريبا او جريئا، ولا أستبعد ان يتهمني البعض بتجاوز الخطوط الحمراء، وربما ب – ” اللاسامية “.. لكني أُطَمْئِنُ الجميع.. يبدو انني لست الوحيد الذي وصل لهذه القناعة، فهنالك الكثير من اليهود قد وصلوا لذات القناعة لا حبا في العرب والفلسطينيين، ولكن خوفا من ان يؤدي استمرار هذا السلوك ( البارانوي ) الإسرائيلي – اليهودي إلى كوارث جديدة، تكون الكوارث القديمة معها ليس أكثر من ( لعبة أطفال )..
عند إحياء إسرائيل لذكرى ( الكارثة والبطولة ) العام الماضي 2015، نشرت الصحف الإسرائيلية الكثير من المقالات والتحليلات لنخب يهودية عَدَّتْ إحياءها لذكرى اليهود الذين قُتلوا على أيدي النازيين عشية وخلال الحرب العالمية الثانية “نفاقاً”، تفضحه جرائمها ضد الشعب الفلسطيني.
في مقالها الذي نشرته صحيفة ( يديعوت أحرنوت ) في عددها الصادر الجمعة 17.4.2015، قالت الكاتبة ( شارون كيدون ) : ” إن الخوف من تكرار ” الكارثة ” جعل الإسرائيليين لا يبدون أدنى اهتمام بآلام الآخرين، ومشاكلهم “، وأضافت إنه بدلاً من أن تدفع أفعال النازيين الاسرائيليين “ليكونوا أكثر كرماً تجاه الآخر وأن يكونوا أكثر نقداً لأنماط سلوكهم تجاه أولئك الذين يتفوقون عليهم من حيث القوة، فان ما حدث كان العكس “. ودعت ( كيدون ) شعبها اليهودي إلى التخلص من الشعور بدور الضحية بفعل ” الكارثة “، والإصرار على تصوير اليهود في جميع أرجاء العالم وفي الكيان الصهيوني على أنهم ” لاجئون بتأثير الفعل النازي “.
من ناحيته لفت المفكر ( كوبي نيف ) في مقال نشرته صحيفة “هارتس” في نفس الفترة، الأنظار إلى حقيقة أن ما اصطلح على تسميته بـ – ” الكارثة ” أو ” المحرقة ” كانت نتاج ” الحضارة الغربية التي يمجدها الكيان الصهيوني ” ويفاخر بالانتماء إليها، وتباهي بأنه امتدادها في بقعة يسودها أنظمة ديكتاتورية متخلفة “. مؤكدا على أن ” الكارثة ” لم تكن مجرد خلل في الحضارة الغربية، بل كانت تعبيراً عن أبرز سمات هذه الحضارة، التي قامت على قتل الشعوب واستئصالها والاستيلاء على خيراتها.
في الوقت ذاته هاجم المفكر اليهودي البارز ( ديمتري شومسكي ) في مقال نشره موقع صحيفة ” هارتس ” الغرب بسبب تساهله إزاء الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، معتبراً أن الحكومات الغربية جعلت ما قام به النازيون ضد اليهود قبيل وأبان الحرب العالمية الثانية مسوغاً للتعامل مع الكيان الصهيوني ككيان يحق له ما لا يحق لغيره من الدول. وأكد ( شومسكي ) إن الكيان الصهيوني ” ينافس أقذر الديكتاتوريات في جرائمها المنظمة ضد الفلسطينيين “، منوهاً إلى أن ” نادي الدول الديموقراطية الغربية بزعامة الولايات المتحدة تتحرك للدفاع عن إسرائيل لتواصل عدوانها “. منوها إلى أن الغرب يسمح للكيان الصهيوني أن يرد على المقاومة المشروعة للفلسطينيين بقتل المئات من الأطفال والنساء كما حدث في الصيف الماضي. وشدد الكاتب على أن أوروبا ” المسيحية ” تحاول التكفير عن أخطائها تجاه اليهود عبر السماح لإسرائيل بممارسة الإرهاب المنظم ضد الفلسطينيين وغيرهم.
من ناحيته عبر الكاتب الصهيوني ( آرييه شافيت ) في مقال نشرته صحيفة “هارتس”، إن فرص قدرة اسرائيل على البقاء قد تراجعت بسبب العمى الذي أصاب القيادة الصهيونية والجمود الفكري الذي يتسم به أداء هذه القيادة. مشيرا إلى أن المحافل الأكاديمية في العالم باتت تعتبر الكيان الصهيوني مصدر الشرور في العالم، ومشدداً على أن طلاباً يهوداً هم الذين يقودون حركة المقاطعة العالمية ضد الكيان الصهيوني في الولايات المتحدة، مما يدلل على تآكل القناعة الشعبية اليهودية بعدالة المواقف الصهيونية. وسخر ( شافيت ) من الاحتفاء بذكرى ” الكارثة ” في الوقت الذي يختار معظم الاسرائيليين، الذين يغادرون اسرائيل أن يتوجهوا للإقامة في ألمانيا.
( 6 )
من الواضح انه كما حملت جرائم النازية ضد اليهود قبل الحرب العالمية الثانية وأثناءها، اجندة سياسية كان في صلبها التخلص من اليهود ( تطهير عرقي )، فقد حملت المجازر الإسرائيلية – الصهيونية ضد الفلسطينيين وطرد نحو مليون منهم من وطنهم، وتدمير أكثر من 500 قرية وتجمع حضري فلسطيني، قبل وأثناء وبعد حرب العام 1948 اجندة سياسية هي أيضا، كان في صلبها – كما أشار الى ذلك (الدكتور إيلان بابهْ ) في كتابه المميز ” التطهير العرقي في فلسطين ” – إفراغ البلاد من سكانها الأصليين ( الفلسطينيين ) وإحلال سكان آخرين مكانهم ( اليهود )..
واحدةٌ من وسائل ” النازيين ” لتحقيق أهدافهم في ” تطهير ” البلاد من الوجود اليهودي، كان التصفية الجسدية للضحايا المدنيين من اليهود المسالمين… فكانت المجازر المروعة التي وقعت لليهود في الأراضي الألمانية والأراضي التي وقعت تحت احتلالهم اثناء الحرب.. مثل ذلك وقع في فلسطين، حيث كانت التصفية الجسدية من خلال المجازر المروعة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في عشرات المواقع والقرى والمدن الفلسطينية قبل قيام الدولة وأثناء قيامها وبعده وحتى الآن، هي السياسة التي تبنتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة..
لم يَغِبْ حلم ” التطهير العرقي ” لمن بقي من الفلسطينيين في وطنهم بعد العام 1948، عن خيال القيادة الإسرائيلية ولا عن خططها، كما ظلت الوسائل ذاتها التي تبنتها العصابات الصهيونية سابقا ( المجازر )، هي ذاتها التي تبنتها حكومة إسرائيل في العام 1956، أي بعد ثمان سنوات فقد قيام الدولة.
سنحت الفرصة لبن غوريون رئيس وزراء إسرائيل ووزير دفاعها، أن ينفذ خططه في التخلص من البقية الباقية من الفلسطينيين داخل حدود الدولة الوليدة، حيث كان العدوان الثلاثي على مصر مساء 29.10.1956 الفرصة الذهبية لتحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية في هذا الشأن.. سمي هذا المخطط باسم (س59) أو ” مخطط خلد ” وكان أساسه إخلاء عام لفلسطينيي “المثلث العربي” في حالة حرب مع الأردن. مخطط ” خلد ” لم يبق مجرد مخطط، بل أعدت العدة لتنفيذه في سياق الاستعدادات للحرب، حيث كان منع التجول على قرى المثلث، والذي وافق عليه قائد المنطقة الوسطى ( تسفي تسور) حسب طلب قائد اللواء ( يسخار شدمي )، جزءا لا يتجزأ منه.
كانت مجزرة كفر قاسم هي طريق بن غوريون لتحقيق حلمه.. قتلَتْ إسرائيل 49 من سكان كفر قاسم من الرجال والنساء والشباب والشيوخ والأطفال المسالمين العائدين من الحقول والمزارع والمصانع، في مساء اليوم الذي بدأ فيه العدوان الثلاثي على مصر، والذي شاركت فيه إسرائيل وبريطانيا وفرنسا، وجرحَتْ 13. من بين الشهداء 12 امرأة وشابة كانت واحدة منهم حاملا في شهرها الثامن، و- 10 من الأولاد تتراوح اجيالهم بين 14 سنة و – 17 سنة، وسبعة أطفال تتراوح أعمارهم بين 8 سنوات و – 13 سنة، قلتهم اسرائيل بدم بارد وبطريقة وحشية تذكرنا بما جرى لليهود في المانيا النازية، وقد ظهرت هذه المقارنة واضحة في محاضر المحكمة العسكرية التي حاكمت القتلة الأحد عشر من جنود حرس الحدود الذي ارتكبوا مجزرة كفر قاسم.
حددت الحكومة الإسرائيلية برئاسة ( بن غوريون ) ثلاثة اهداف لمجزرة كفر قاسم.. الهدف الأول، خلق أجواء مضللة كما لو ان حربا توشك ان تقع مع الأردن وليس مع مصر. الهدف الثاني، خلق أجواء مناسبة من الخوف والرعب في المناطق المحاذية للحدود مع الأردن ( الضفة الغربية ) بهدف دفع سكان القرى الحدودية إلى ترك قراهم و ( الهروب !! ) الى خارج حدود إسرائيل خوفا على انفسهم، على نحو ما وقع لمليون فلسطيني من داخل الخط الأخضر. والهدف الثالث، ردع السكان العرب وتخويفهم تعزيزا لسياسة الهيمنة والسيطرة.
من خلال محاضر المحكمة العسكرية يتجلى بوضوح ان ( ملينكي/القائد المكلف بفرض منع التجول على القرى الحدودية )، قال لجنوده : الان هو الوقت المناسب. ” سنقود كتيبتنا مع المدرعتين اللتين معها حتى نابلس، وسندفع العرب الى الهرب والركض امامنا.”.
( 7 )
لهذه الأسباب كلها وغيرها الكثير، لن نرضى بأقل من ان تعترف إسرائيل بمسؤوليتها القانونية والسياسية والأخلاقية الكاملة عن مجزرة كفر قاسم، بما يحمله هذا الاعتراف من استحقاقات مادية ومعنوية لن تعوض كلها قطرة دم واحدة من دماء الشهداء، لكنه اقل المطلوب تجاه هذه الجريمة المنكرة.. استجابة إسرائيل لمطلبنا المشروع هذا لا تنازل عنه، تماما كما جاءت استجابة المانيا لمطلب يهود العالم وإسرائيل باعترافها بالمسؤولية الكاملة تجاه جرائمها ضد اليهود.
مع الأسف ترفض إسرائيل رغم مرور 60 عاما على المجزرة الاعتراف بمسؤوليتها. على إسرائيل ان تعي الدرس الذي لم تتعلمه ولا تريد ان تتعلمه.. ألمها ووجعها ليس اشرف من وجعنا وألمنا.. حقنا محفوظ أبد الدهر وسنبقى نطالب به حتى آخر يوم في اعمارنا، وعلى إسرائيل ان تعترف به عاجلا أو آجلا.. لا حق لأحد في الوجود ما لم يحصل الشعب الفلسطيني على حقه في الوجود، وأن القوة المسلحة الغاشمة لن تعود على أصحابها الا بالويل ولو بعد حين..
فهل ستعي إسرائيل كل هذا، وتستجيب الى أصوات العقلاء من اليهود في الداخل والخارج قبل فوات الأوان
بقلم إبراهيم عبدالله صرصور