هنيئا لكم يا أيها الإخوان المسلمون
تاريخ النشر: 27/12/13 | 23:24شرفٌ عظيم ما بعده شرف أن ننتمي إلى فكر (جماعة الإخوان المسلمين) وإن لم نكن جزءا من تنظيمها بسبب الوضع الخاص الذي نعيشه كمجتمع عربي مسلم داخل الخط الأخضر، والذي هو جزء من الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية، حيث قررنا بحكم وضعيتنا الخاصة اعتماد مرجعياتنا الفكرية والسياسية من داخلنا.. إلا أن هذه الحقيقة لم تمنعنا من أن نكون ضلعا متينا في الوحدة الشعورية والفضاء الروحي والفكري العام الَّلذَيْنِ كان لحركة (الأخوان المسلمين) الفضل الأول في بلورتهما بشكل استحقت معه أن تكون رائدة العمل الإسلامي في كل دول العالم فكرا وعطاء وكفاحا وتنظيما وحيوية وطلائعية وثورية في كل مجالات الحياة المدنية والحضارية والسياسية.
إنها صاحبة مدرسة (الإحياء والتجديد) التي توسطت مدرستين كانتا شؤما على الأمة الإسلامية منذ عقود طويلة، هما مدرسة "التقليد" التي جَّمَّدَتْ الحياة العربية والإسلامية وَشَلَّتْ حركتها حتى ما عاد لها صلة بالعالم المعاصر، ومدرسة "التغريب" التي مسخت هوية الأمة فانحطت بها بعد سمو ومزقتها بعد وحدة وأذلتها بعد عزة وهزمتها بعد انتصار، فتركتها جسدا متهالكا لا هو ميت فيُريح ويستريح، ولا هو حي فيُريح ويستريح أيضا، لكن غثاء كغثاء السيل كما وصف حالها الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم منذ أربعة عشر قرنا…
حركة (الأخوان المسلمون) التي تجاوز عمرها الثمانين عاما، عاشتها قابضة على الجمر تقذفها الأنظمة المستبدة الفاسدة مَلَكِيَّةً وجمهوريةً وثوريةً، بِحِمَمِ العذاب والاضطهاد، وترميهم بسلميتها الهادئة والواثقة بنصر الله ووعي الأمة مهما طال ليل الظلم وبلغ سواد العتمة.. كانوا التجسيد الرائع لما قاله إمامها الشهيد "حسن البنا" رحمه الله ورضي عنه: (كونوا كالشجر يرميها الناس بالحجر وترميهم بالثمر)… حفظ الأخوان المسلمون وصية إمامهم قبل استشهاده في العام 1949 على يد نظام الملك فاروق بتواطؤ كامل مع المحتل البريطاني، وظلوا على ذلك حافظين للأمانة خلال ثورة 25 يناير 2011 ضد نظام مبارك الفاسد، وما بعدها وحتى اليوم، فانخرطوا فيها بكل سلمية ولكن بكل بطولة وفدائية، فحازوا على ثقة الشعب المصري في خمسة استحقاقات انتخابية حرة وديمقراطية وضعت مصر وشعبها على طريق النهضة الحقيقية التي انتظرتها شعوبنا العربية والإسلامية على أحر من الجمر….
طلائعية (الإخوان المسليون) وبلاؤهم في سبيل نجاح الثورة كان بالغا إلى درجة دفعت أكثر الناس علمانية إلى الإشادة بجهودهم كالإعلامي (إبراهيم عيسى) والذي قال بعد أحداث ثورة 25 يناير 2011م: (الثورة أظهرت بشكل بالغ الوضوح أن الإخوان المسلمين جزء من المجتمع المصري وليس المجتمع المصري، ولا يمكن أن يتجاوز 10-15% من المجتمع المصري، ومن حق الإخوان المسلمين إنهم يشتغلوا، ومن حقهم إنهم ينزلوا في الشارع، ومن حقهم إنهم يتظاهروا، ومن حقهم إنهم يترشحوا في الإنتخابات إنما الخيابة بقى والبلاهة بتاعت اللي بيقولوا: أصل الإخوان هيسيطروا.. ده معناه: العجز البين لدى القوى الوطنية والتيارات الوطنية الأخرى، كده مفيش ديموقراطية بقى، كده هنبدأ من الأول ونفتح ورق فاضي ونقوم بديموقراطية الإستبعاد والإزاحة؟! لا إنتوا متخشوش، لا إنتوا متعملوش، إيه ده؟! ديموقراطية إيه دي اللي على الدواق دي؟! إحنا بنفتح بطيخة؟!). قال مثل ذلك الناشط السياسي العلماني (شادي الغزالي حرب)، الكاتب العلماني (بلال فضل)، الناشط السياسي العلماني "أحمد ماهر"، الكاتب العلماني "علاء الأسواني"، العلماني يحيى الجمل، الناشطة السياسية أسماء محفوظ)، رجل الأعمال المسيحي العلماني الفلولي نجيب ساويرس، أحد وزراء النظام السابق المنحل (د. مصطفى الفقي)، الإعلامي العلماني الفلولي (عمرو أديب)، رئيس وزراء النظام السابق المنحل التائه (أحمد شفيق)، الفنان (صلاح السعدني)، المؤرخ (جمال حماد) من تنظيم الضباط الأحرار، (أحمد المسلماني) المتحدث الرسمي ياسم رئاسة الانقلاب، (ممدوح قناوي) رئيس الحزب الدستوري، (مصطفى بكري)، وكيل مصلحة السجون (اللواء ابراهيم عبدالغفار)، المسيحي العلماني (نجيب ساويرس).. وغيرهم كثير.. إلا أن اغلبهم انقلب على عقبيه وتنكر لشهادته رغبة في الفتات المتساقط من على طاولة الانقلابيين الدمويين مالاً كان آو وظيفة وجاها زائفا، أو رهبة من بطش العسكر الذي لا يقوم أمامه صابرا محتسبا إلا من ارتبط قلبه بالله وعاش حياته لله، وما كان هؤلاء العلمانيين من هذا الصنف أبدا…
لم يَرُقْ هذا التحول الجذري في حياة الشعب المصري الذي بَشَّرَ بتحولات شاملة على مستوى الوطن العربي، لم يَرُقْ لورثة الاستبداد الذي رضعوا العمالة من جيشٍ وشرطةٍ وقضاءٍ وإعلامٍ وفلولٍ وقوىً ليبراليةٍ ومدنيةٍ فاشلةٍ وفاشيةٍ، فالتقت كلمتهم مع العسكر ورئيس عصابته (السيسي) على وأد الثورة وقتل الأمل في قلوب الأمة، غير مبالين بسيل الدماء والأشلاء والجماجم التي سيدوسونها في طريقهم إلى هرم السلطة، ولا بكم الانتهاكات لأبسط حقوق الإنسان المصري اعتقالا وتنكيلا وحصارا واتهاما وتكميما للأفواه ومنعا لحرية الكلمة والتنظيم والتظاهر والاعتصام، ولا بحجم المعاناة والمآسي التي سيعاني منها عشرات ملايين الفقراء من الشعب المصري الذين كانت تمتد إليهم يد الإسلاميين الحانية عبر آلاف الجمعيات والمؤسسات الخيرية التي قرر الانقلاب المجرم إغلاقها ومصادرة أملاكها وأموالها في إجراء وحشي لم يجرؤ حتى نظام مبارك على عمله، ولا بتوقف عجلة الإنتاج والتنمية وخراب الاقتصاد وعودة لصوص لقمة عيش المصريين من رجال أعمال مبارك وغيرهم، ولا بتحول الجيش من حامٍ للحدود والأمن القومي المصري إلى قاتلٍ للشعب ودرعٍ للفساد، وأداةٍ لقتلِ الديمقراطيةِ الوليدةِ، وقيادة الانقلابات العسكرية، مع الحرص على توثيق العلاقة مع أعداء الأمة والوطن والتنسيق الأمين معهم على كل الجبهات ومنها جبهة فلسطين….
أسالَ الانقلابُ العسكري المجرم الدماءَ انهارا في ميادين مصر (مجازر رابعة والنهضة والحرس الجمهوري وميدان رمسيس والمنصة وغيرها كثير)، وملأ السجونَ والمعتقلات بآلاف الأحرار والحرائر، حرقَ الجثث وَمّثَّلَ بها وأهان الكرامة الآدمية للشعب المصري، بطش بكل من يقول لا للانقلاب، أفلتَ كلابَه المسعورة في جهاز القضاء ليصدر الأحكام الجائرة على عظماء مصر ممن وضع الشعبُ ثقتَهُ بهم قبل أشهر، حَلَّ مجلسَ الشعب والشورى الذي انتخبه الشعب، وألغى الدستور الذي صادق عليه، وعزل الرئيس المنتخب ديمقراطيا لأول مرة في تاريخ مصر، وأغلق الفضائيات والصحف المعارضة، وأطلق زبانيته من البلطجية والمسجلين (خطر) ليعيثوا في الأرض الفساد حرقا وتخريبا للممتلكات الخاصة العامة وسحلا للأبرياء في الشوارع..
ظن الانقلابيون الأغبياء في مصر أن القوة الغاشمة ستردع الأغلبية الساحقة من الشعب المصري، وأنها ستعيدهم إلى بيوتهم بفعل سياسة الإرهاب التي يمارسها بكل عنف ودموية… لكنه تفاجأ بامتداد الثورة واتساعها، وزيادة عدد المتظاهرين وشدة إصرارهم على المضي حتى إسقاط الانقلاب، غير مبالين بالثمن الباهظ الذي يدفعونه يوميا من الدماء والمعاناة…. تفاجأ العسكر الانقلابيون أكثر بدخول عنصر لم يكن بالحسبان وهم طلاب الجامعات الذين لهم كان وما يزال الدور الكبير والمحوري في التحولات الديمقراطية في أكثر دول العالم.. بدل أن يعيد العسكر الدمويون حساباتهم ويعيدوا الحق المغتصب إلى الشعب، أوغلوا هذه المرة كثيرا في حقل الألغام الذي زرعوه بأيديهم، فكان قرارهم الغاشم بالإعلان عن حركة (الإخوان المسلمين) حركة إرهابية مع كل ما يعنيه هذا الإعلان من زيادة في الانتهاكات والترويع.. لكنهم نسوا ما قال المرشد العام للحركة دكتور محمد بديع في خطاب له على منصة رابعة قبل المجزرة.. قال: (ثورتنا سلمية.. سلميتنا أقوى من الرصاص.. سلميتنا أقوى من الدبابة..) أغلق المرشد المعتقل المظلوم ابن الخمسة والسبعين عاما وأستاذ الجامعة، أغلق حلقةً جَمَعَتْهُ على فلسفة واحدة مع الإمام حسن البنا رحمه الله… السلمية مهما كانت التضحيات، وهذا أكثر ما يخيف العسكر ويرعبهم، وحتما سَيُقَرِّبُ نهايتهم إن شاء الله… فهنيئا لكم أيها (الإخوان المسلمون) ما انتم عليه….