قانون تسوية التوطين أم شرعنة الإستيطان؟!!
تاريخ النشر: 09/02/17 | 14:39صادق الكنيست الإسرائيلي، يوم 6.2.2017 بالقراءة الثالثة والنهائية، على قانون “تسوية التوطين في يهودا والسامرة-2017” حسب المسمى الذي منح له وفقا للكنيست، والهدف منه- كما ذكر في مقدمة القانون- هو “تسوية التوطين اﻹسرائيلي في يهودا والسامرة، والسماح باستمرار تعزيزه وتطويره”.
لذلك فإن المعنى هنا شرعنة الاستيطان بالمفهوم القانوني، وصبغه بالصفة الرسمية، ويصبح موضوع البيوت السكنية ومرافقها في المستوطنات خاضعا للتخطيط والبناء، وتمنح فعليا تراخيص بناء وفقا للقانون، وبالتالي هذه العملية تؤهل أكثر من 4000 وحدة سكنية، وتصادر حق استعمال وملكية ما يقارب 8500 دونم، بادعاء انها ستكون مقابل تعويض مالي، دون الاكتراث بحق الملكية للفلسطينيين اللذين ما زالوا يصرون على حقهم بالارض رافضين الحديث عن التعويض المالي ، وهذا عمليا يعني شرعنة ما يسمى “بؤر استيطانية غير شرعيه”.
ولكي نطلع اكثر على موايا المشرع الاسرائيلي لهذا القانون من الضروري قراءة مصطلحاته اذ يشمل “التوطين الإسرائيلي” وفقا لقانون التسوية “توسيعات البلدة او الحي، بما في ذلك جميع بيوت السكن، واﻷبنية واﻷراضي الزراعية التي تستخدم لاحتياجات البلدة، وطرق الوصول إليها، وخطوط المياه والاتصالات والكهرباء وشبكات الصرف الصحي ووسائل إنتاج وأبنية عامة يستخدمها الساكنون في البلدة” (المستوطنة).
وأهم بنوده البند الثالث 3: “وجدت سلطات المنطقة أنه في الفترة التي سبقت يوم الإعلان عن القانون نفذ البناء بحسن نية توطين في أرض بحاجة لتسوية أو منح موافقة الدولة للبناء، وهذا يسري على جميع هذه الأراضي التي بني عليها توطين يوم نشر القانون كالتالي:
الأراضي التي لم يثبت شخص حقه في ملكيتها، يسجلها الوصي كممتلكات حكومية وفقا للبند 2ج لأمر أملاك الحكومة.
الأراضي التي أثبت شخص أنها مسجلة كصاحب الحق فيها، يصادر الحق في استخدامها وتملكها وتنقل للوصي”..
لكي نفهم خطورة هذه الخطوة لا بد من نظرة مقتضبة تاريخية لمشروع الاستيطان وقانونياته، وبالتحديد قرارات المحكمة العليا عام 1978؛ قرار “بيت أيل”، وعام 1979 “قرار ألون موريه” إذ جرى هناك رسم خارطة الطريق في كيفية الاستيلاء على اﻷراضي الفلسطينية بغطاء القانون عن طريق النفي، حيث أشارت المحكمة العليا إلى أن بناء مستوطنات لأهداف غير أمنية على أراض فلسطينية خاصة هو أمر مخالف للقانون المحلي والدولي، وعليه نقلت إسرائيل مستوطنة “ألون موريه” إلى منطقة محاذية على أراض فلسطينية أخرى بادعاء أنها أراض غير خاصة، ولكن الأخطر أن العليا أوجدت للحكومة آنذاك الطريق “القانوني” أو المعادلة للاستيلاء على الأراضي في الضفة الغربية. بمعنى آخر بالإمكان الاستيلاء على الأراضي بملكية “غير خاصة” ولأهداف غير أمنية والاستيلاء على أراض خاصة لأهداف أمنية!!! وبذلك يمكن الاستيلاء على جميع الأراضي الفلسطينية. وبعد أن استنتجت الحكومة العبر واستنبطت المنفذ القانوني شرعت في مصادرة ما يقارب 1.5 مليون دونم تحت حجج أنها أراضي دولة، ووضعتها تحت تصرف الحاكم العسكري وأقامت عليها العديد من المستوطنات، حيث كان وقتها مشروع بناء المستوطنات في سلم أولويات رئيس الحكومة “مناحيم بيجن” الذي قال: “في يوم الحساب عندما أكون بين يدي الله ويسألني ما هي أفضل أعمالك لتخولك دخول الجنة سأقول له: “ألون موريه”، ﻷنه أدرك حينها أن الطريقة الصحيحة بالنسبة لمشروع الاستيطان هي أخذ صبغته الرسمية والقانونية بأبعاده الصهيونية والتوراتية.
هنا تجدر الإشارة إلى أن مصطلح أراضي دولة، طور تدريجيا من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، لتمكينها من الاستيلاء على أكبر قدر من الأراضي، حيث عرفت ارض الدولة بأنها التي ورثها المحتل عن أراض مسجلة باسم الحكومة الأردنية والبريطانية عام 1967، إذ نقلت على اسم الوصي على أملاك الحكومة الإسرائيلية ومن ثم أضيفت صلاحية جديدة وهي إمكانية الإعلان عن أراضي دولة وفقا لمنشور وأوامر القائد العسكري وهكذا جرت عملية الاستيلاء الأولى.
ولم يتوقف جشع وطمع المشروع الاستيطاني في الاستيلاء على أراض فلسطينية بحجج أنها أملاك دولة (مع أن هذه الأرضي جزء منها خاص غير مسجل وآخر لفلسطيني الشتات المهجرين وآخر أراض أميريي وطرشية وموات، وفقا للقانون العثماني والأردني. وفي كل الأحوال لا يجوز- وفق القانون الدولي- استعمالها لمواطني الاحتلال، وإسرائيل ممنوعة من استعمالها للاستيطان)، فالحكومات الإسرائيلية شجعت ودعمت البناء على أراض خاصة مسجلة، بهدف فرض الأمر الواقع والتوسع بهدوء وببطء حتى استولت على أكثر من 8500 دونم أخرى من الأملاك الخاصة المسجلة لملاك فلسطينيين.
هناك أهمية للتنويه أن كل الأرض خاصة، ولكن قسما منها مسجل في الطابو، وقسم آخر غير مسجل، ولكن هذه الحقيقة لا تنفي أنها أرض خاصة، إلا أن إسرائيل لا تتعامل وفقا لهذا المبدأ، لأن هدفها الأساس هو الاستيلاء على كل شبر أرض فلسطينية.
في هذه المرحلة، وبعد المصادقة على قانون التسوية من قبل الكنيست، يدور نقاش حول التوجه للمحكمة العليا للطعن بالقانون والمطالبة بإلغائه، لعدم دستوريته، وذلك استنادا على آراء رجال قانون كثر، وكذلك استنادا لتقارير المستشار القضائي للحكومة والمستشار القضائي للكنيست، اللذين يعارضان سن القانون، إلا أنه ومع تحفظهما، قرر المستشار القضائي للكنيست أن يدافع عن القانون أمام المحكمة العليا في حال تقديم التماس، بينما قرر المستشار القضائي للحكومة عدم الدفاع عن القانون، بل من الممكن أن يطعن به أمام المحكمة، وهي خطوة استثنائية نادرة، لأنه يعتبر أن قانون التسوية غير دستوري ويعرض إسرائيل لمساءلة قضائية دولية في محكمة الجنايات الدولية. ويستند المستشار القضائي للحكومة على أن منطقة الضفة الغربية وفقا لقانون الدولي “السيطرة من خلال القتال”، هي من صلاحية الحاكم العسكري الذي من مسؤولياته الدفاع عن أملاك الجمهور الفلسطيني في المنطقة المحتلة، كما أن للدولة محدودية سريان قوانينها مكانا وزمانا، أي ضمن حدود إسرائيل ولا يحق للكنيست المصادقة على قوانين تتعلق بالأراضي لمنطقة خارج حدودها، حيث أن الصلاحية هنا لقائد قوات الجيش الإسرائيلي، الذي باستطاعته مصادرة الحق في استخدام أراض محتلة ولكن يجب أن تتم من خلال قوانين أمنية وليست الكنيست.
على ما يبدو فإن الحكومة الإسرائيلية، تريد التعامل مع مناطق من الضفة الغربية كمناطق ضمن حدود إسرائيل، ولكن دون ضمها مثل القدس والجولان في هذه المرحلة على الأقل، أي ممارسة سيادة حذرة. بالمقابل يقول نتنياهو إنه لا يمانع في إقامة دولة فلسطينية ناقصة.
وطبعا حتى هذه الجملة هي للمراوغة والتفاوض، لأننا نعلم أن أسلوب الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة يسير حسب خطى مدروسة وليست عفوية ولأهواء فردية لمن يقف على رأس الهرم، أي الحكومة، وإنما مخطط واضح المعالم، ملخصه الاستيلاء على أكبر مساحة من الأرض، وحصر الفلسطينيين في مدن وقرى محددة ضمن منطقة A/B، أما منطقة C فهي معدة للمستوطنات، وهي الأرض الناقصة من دولة فلسطينية يقصدها نتنياهو، وبالتالي نرى أن محاولات شرعنة الاستيطان انتقلت من جولة الكنيست للمحكمة العليا التي ستقول القول الفصل!!.
وعليه لا بد أن يسأل السؤال هنا في ظل هذا النقاش بين التوجه للطعن في هذا القانون أمام المحكمة العليا أم عدم التوجه؟ نرى أنه جدير بإجراء نقاش عميق وموسع بين رجال القانون والسياسة والباحثين والأكاديميين وأطر أخرى، لأنه ليس من السهل وضع ملف كهذا للمداولات القضائية، لأن الصراع ليس قضائيا بين الفلسطينيين والإسرائيليين. كيف يمكن للفلسطيني المحتل أن يتوجه لمحكمة مدنية ويطالبها أن تناصره بقضية غير عينية تخصه وحده أو تخص مجموعة محددة مثل “عمونا،” إنما الحديث هنا عن قضية لها أبعاد السياسية وغيرها بعمومها على القضية الفلسطينية، كيف لمحكمة مدنية أن تصدر قرارا خارج حدود دولة إسرائيل وتتعدى مبدأ السيادة، وهل بالفعل تملك هذه القوة لتحديد مصير مشروع الاستيطان الإسرائيلي بمعزل عن الروح السائدة في المجتمع الإسرائيلي، وغيرها من الأسئلة الكثيرة… ولكي نكون واضحين فإن إلغاء القانون لا يعني أن الحكومة الإسرائيلية ستهدم منازل وتطرد المستوطنين وتخلي المستوطنات. لن يتغير شيء على أرض الواقع، وإنما قضائيا هنا سيصبح أمر عدم إعطاء شرعية وتبييض لعمليات السرقة والاستيلاء التي فرضها الاحتلال بالقوة العسكرية وأخرى بالبلطجة من قبل المستوطنين بحماية الجيش الإسرائيلي، كما انه من الممكن أن يكون قرار للمحكمة العليا مثل قرار مستوطنة “عمونا” المحكمة العليا تداولت القضية عشرون عاما خلالها اقامت اسرائيل عشرات المستوطنات، فقررت المحكمة العليا ازالة مستوطنه وتغاضت عن باقي المستوطنات، وادخلت الملتمسين في قرار اخر لها لدائرة هدم جزء من بيوت وابقاء جزء اخر، أي ان الاستيطان وضع على طاولة التشريح في محكمة العدل العليا التي يجلس فيها اليوم من هم اصلا يسكنون في المستوطنات!!
في كل الأحوال فإن لهذا القانون تبعات سياسية وقانونية محلية وإقليمية ودولية تحتم إحداث تغييرات في التعامل مع الوضع الراهن، وإن الخدعة التي وقع فيها المفاوض الفلسطيني الذي ما زال يقنع نفسه بإجراء تفاوض على حل الدولتين ورسم الحدود والصلاحيات والأملاك والتفاصيل الدقيقة وغيرها من القضايا تبين لنا الآن وبشكل قاطع أنها مصطلحات وهمية غررت بالفلسطينيين والمجتمع الدولي، إذ لم يتبق أرض للتفاوض عليها لقيام دولة فلسطينية. في هذه المرحلة يجب الضغط على محكمة الجنايات الدولية والمدعي العام لإحقاق العدالة الدولية وتحريك المنظومة التي من أجلها أقيمت محكمة لاهاي، وكذلك العمل على إصدار قرار ملزم من قبل مجلس الأمن يجرم فعليا الاستيطان، وليس كالقرار الأخير 2334 الغير ملزم فعليا، ولكنه مهم كونه وضع على جدول مراجعات مجلس الأمن قضية الاستيطان، لعلها الخطوة التي تسبق قرارا جريئا للمجتمع الدولي.
المحامي عمر خمايسي -مدير مؤسسة ميزان لحقوق الانسان