في “البارد” غرفة واحدة لرجل وزوجته وأولاده التسعة
تاريخ النشر: 24/04/17 | 16:30هذه حكاية ربما تكون من نسج الخيال لمن لم يعايشها ويلتقي ويتحدث ويستمع إلى “أبطالها” وشهودها، ويشاهد بأم عينه فصولها؛ لقاء العائلة ومعاينة البٓرٓكْس (مكان السكن) والإطلاع على ما فيه وهو الذي لا يصلح لعيش الآدمي..
“الغرفة” التي ينام فيها عادل “إسم مستعار” وعائلته المؤلفة من 11 شخص (الزوج والزوجة وبناته الثمانية وصبي واحد)، نموذج لمجمّع من غرف حديدية من طابقين تمت تسميتها بالبركسات، ويسكن فيها لاجئون فلسطينيون اضطروا لمغادرة مخيم نهر البارد عام 2007 إثر الإشتباكات بين الجيش اللبناني وفتح الإسلام وأدت إلى تدمير المخيم بالكامل وتهجير ما يقارب من 38 ألف لاجئ فلسطيني.
استأجرت وكالة “الأونروا” الأرض التي بنت عليها البركسات كونها خارج حدود المخيم، على أن تكون إيواء مؤقت الى حين الإنتهاء من إعادة إعمار المخيم وعودة الأهالي إلى منازلهم وهذا عملياً كان من المفترض أن ينتهي في العام 2012، لكن حتى الآن لم يتم إعمار سوى حوالي 60% من المخيم (خمسة رزم غير مكتملة من أصل ثمانية) ولم يعد سوى 2800 عائلة يمثلون حوالي 45% من الأهالي عدا عن وجود ما يزيد عن 1200 عائلة لا تزال مهجرة أوقفت عنها “الأونروا” دفع بدل الإيجار المستحق بحجة النقص في التمويل واختلاف الأولويات بالنسبة للمانحين على الرغم من الإتفاق المبرم في مؤتمر فيينا لإعادة إعمار المخيم في حزيران/يونيو 2008 يقضي باستمرار حالة الطوارئ إلى حين الإنتهاء من إعادة الإعمار ويترتب على ذلك الإستمرار في دفع بدل الإيجارات للأهالي المهجرين.
يسكن في المجمع حالياً ما يقارب من 120 عائلة (وهو المجمع الأسوأ حالاً بين أربعة مجمعات مشابهة) ، ثلث السكان من المهجرين الفلسطينيين من سوريا انضموا إليهم بعد العام 2012. رائحة المجاري والصرف الصحي تنتشر في المكان، فهي مكشوفة ليل نهار ومكان مفتوح لتكاثر الحشرات الزاحفة والطائرة والقوارض من الفئران والجرذان التي أحياناً تهاجم العائلات لا سيما في أوقات الليل، وجرت حوادث كما روى لنا الأهالي بأن تعرض أطفال من المجمع للعض أدت للنقل إلى المستشفى.
توفر وكالة “الأونروا” خدمات جمع النفايات، والكهرباء حال انقطاع التيار وكذلك مياه الغسل، مع عدم وجود مياه صالحة للشرب إذ يضطر الأهالي لشرائها، لكن فوضى المجمع لا تعد ولا تحصى وفي المقدمة منها إنعدام الأمان في السكن، عدا عن مشاكل المجاري والصرف الصحي، أو أعمال الصيانة المنعدمة باستثناء البسيط تقدمه الوكالة، فالبركسات مصنوعة من الحديد وقد صنعت لتوفر السكن لمدة ثلاث سنوات فقط كحد أقصى وأسلاك الكهرباء أصبحت قديمة ومكشوفة، وهي تهدد حياة الأهالي لا سيما الأطفال، فالمجمع قريب من البحر ويعلوه الصدء والإهتراء وحدث أن سقط أحد الأسقف الحديدية ونجت إحدى العائلات بأعجوبة. يتحول المجمع الى كتلة من الحديد الساخن في الصيف بحيث يمضي الأهالي نهارهم في الخارج بانتظار حلول الظلام، وفي المقابل يتحول إلى كتلة من الحديد البارد في الشتاء، بالإضافة إلى تحول الطابق الأسفل إلى برك للمياه التي تختلط فيها مياه الأمطار مع المياه الآسنة، إذ لا تصريف مناسب بسبب عدم سلامة المجاري.
لـ “عادل” بركس آخر بجوار الذي ينام فيه وعائلته، حوّله إلى دكان صغير فيه القليل من المواد التي يعتاش من بيعها لعائلات المجمع، ولا يملك رب العائلة كحال بقية العائلات القدرة على إستئجار بيت آخر، فمنزله على خريطة إعادة بناء المخيم يقع في الرزمة السادسة وهي التي لم يبدأ الإعمار فيها بعد.
المسؤوليات تجاه المجمع متعددة ومتشابكة ولكن الذي أدعوه في هذه المقالة، الإسراع في المبادرة والتنسيق والتنافس المحمود بين الجميع؛ الفصائل الفلسطينية الوطنية والاسلامية، اللجنة الشعبية، وكالة الأونروا، المؤسسات والجمعيات الأهلية، المحلية منها والإقليمة والدولية، وبلدية المنطقة كوْن المجمع خارج حدود المخيم..، لتقديم ما يلزم وعلى عجل من إحتياجات إنسانية ضرورية توفر شيئ من الكرامة، ولا تحتمل المزيد من التأخير، وإلا سيبقى المجمع وما يعانيه وصمة عار في جبين جميع من ذكرت..!
علي هويدي- كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني