الدوسنتاريا :مرض غياب الوعي
تاريخ النشر: 26/06/17 | 10:18مرض الدوسنتاريا أو الزحار : مرض تاريخي ضرب بجذوره في اعماق التاريخ وهو يصيب الأمعاء ويؤدي إلى حدوث اسهالٍ دموي حاد ونعني بالإسهال هنا : ارتفاع عدد التغوطات الي اكثر من 3 مرات في اليوم أو انخفاض في مدى صلابة البراز ليصبح برازا رخوا أو مائيا وذلك لتضرر الغشاء المخاطي في الامعاء، بفعل الاصابة بالعدوي التي تنتقل إلى الجسم عن طريق الفم عند تناول الطعام أو الماء الملوثين فضلا عن أنه مرض يطال كافة الأعمار، وينتشر بكثرة في الصيف وفي البيئات غير الصحية مثل المعسكرات والمدن الداخلية، أو إذا كان أحد القائمين على طهي الطعام أو تقديمه مصابا بالمرض ووقد عرف هذا المرض قدماء المصريين واستخدموا عسل النحل النقي وزيت الكسبرة بمقادير متساوية في علاجه .ومن الطريف أن الملك عموري الاول ملك بيت المقدس والذي استغل إرتباك الدولة الفاطمية فى عهد الخليفة العاضد والصراع على منصب الوزارة بين “شاور” ومنافسه “ضرغام” في شن حملة عسكرية علي مصر اتبعها بأربع محاولات أخري حاول فيها هذا الملك الصليبى غزو مصر ولم تفلح أي واحدة منها وقد كان مرض الدوسنتاريا هو الذي وضع حدا لحياته حيث اعتراه ضعف شديد عقب اصابته به ورفض طبيبه العربي ان يعطيه مسهلا -لما ثبت عنده من نصائح الطبيب العربي الرازي ان ضعف القوة اردأ العلامات- اما طبيبه الفرنجي ففعل ذلك مما أودي بحياة الملك في عام 1147 م كما أنه أيضا المرض الذي أودي بحياة الرحالة والمستشرق السويسري جان لودفيج بورخاردت ( بوركهارت ) او كما اشار له الجبرتي في كتابه ” عجائب الاثار في التراجم والاخبار ” باسم “سيدي ابراهيم المهدي الانجليزي ” وهو مكتشف معبد أبوسمبل وأول اوروبي يؤدي مناسك الحج وكتب كتابا عن رحلته في الجزيرة العربية باسم ” رحلات في شبه الجزيرة العربية ” .
تنقسم الدوسنتاريا إلى: الدوسنتاريا الباسيلية (الزحار العصوي)،إذا كان المتسبب في المرض هي بكتريا الشيجيلا وهي عصياتٍ ذات قدرة تكيفٍ عالية بمقاومتها للأدوية وتغييرها للنمط الجيني ولوحظ أن البشر والغوريلات هي المضيف الوحيد لهذه الجراثيم. وأغلب الإصابات بالشيجيلا تحدث نتيجة دخول دورات المياه غير النظيفة، أوعدم غسل اليدين جيدًا بالماء الجارى والصابون، ونتيجة لتناول الأطعمة المكشوفة، ومقاهي الشاى والقهوة، التى يتم تنظيف الأدوات فيها بشكل غير صحي، بالاعتماد على “الجردل” المملوء بالماء. و تحدث الأصابة في الأطفال بين عمر 2 و3 أعوام أما الغالبية من إصابات الأطفال تحدث قبل عمر الخامسة، ولكن تندر الإصابة بالمرض قبل عمر 6 شهور وغالبا السبب في ذلك احتواء لبن الأم على الأجسام المضادة للميكروب. وتتراوح الفترة بين الإصابة وظهور الأعراض بين 1-3 يوم ولكن غالباً لا تتجاوز اليوم الواحد ثم تبدأ الأعراض بنوبات مفاجئة من تقلصات البطن وارتفاع في درجات الحرارة مصحوب بغثيان وقيء و إسهال مترافقٌ بمخاطٍ أو قيحٍ أو دمٍ يؤدي للجفاف و مغصٌ بطنيٌ حاد وزحيرٌ (صعوبة في التغوط) مع رخاوة في أسفل البطن ويحتوى البراز على المخاط و دم واضح ويمكن حدوث سرعة في ضربات القلب نتيجة لارتفاع درجه الحرارة وكذلك سرعة التنفس ويمكن حدوث أنيميا.
يمكن الوقاية من مرض الدوسنتاريا الباسيلية وذلك من خلال الاهتمام بالرضاعة الطبيعية لفترة كافية وكذلك ضرورة الاهتمام بغسيل الأيدي بعد التبرز وقبل إعداد أو تناول الطعام.
وعلى الرغم من أن المرض في الأغلب يشفى من تلقاء نفسه في غضون يومين الي ثلاثة، إلا أن توصيات منظمة الصحة العالمية علي علاج الأطفال الذين يشتبه في إصابتهم بالشيجلا بإعطاء المضادات الحيوية الفعالة لضمان سرعة العلاج وعدم حدوث مضاعفات وللحد من انتقال العدوى للآخرين. ويتم إعطاء المضاد الحيوي المناسب لمدة 5 أيام مثل عقار الامبيسللين بجرعة 100 ملليغرام/ كيلوغرام عن طريق الفم ويمكن كذلك استخدام عقار السيفاترايكسون بجرعة 50 ملليغراما لكل كيلوغرام عن طريق الحقن مرة واحدة كما يجب تعويض الجسم بالسوائل والأملاح خلال المرض منعاً لحدوث الجفاف ويمكن وصف مخفضات الحرارة وخصوصاً للأطفال وذلك لتخفيف الحمى وللحيلولة دون وقوع تشنجات.
كما يجب عدم استعمال الأدوية التي توقف حركة الأمعاء، خاصة في الأطفال تحت عمر 3 أعوام مثل عقار (الايموديوم Imodium) وبحسب توصيات منظمة الصحة العالمية يمكن استخدام الزنك لمدة 10 أيام كوسيلة فعالة في مقاومة الإسهال.
أما النوع الثاني وهو: الدوسنتاريا الأميبية أو النزلة المعوية الطفيلية ،إذا كان المتسبب في المرض هي الأميبا :وهو مرض معوى يسببه طفيل يسمى الإنتميبا هيستوليتيكا. يعيش هذا الطفيل في قولون الانسان بحيث يتغذى على الغشاء المخاطي المبطن للقولون, ويسبب ثقوب في هذا الغشاء مسببا تحلله بما يفرزه الطفيل من إنزيمات ليشق طريقه بعد ذلك ضمن المجرى الدموي ناقلا العدوى إلى الأعضاء الأخرى مثل الكبدٍ والرئتين والقلب ويصيب الكبد بحويصلات (خراج) (Abscess).
وتحدث العدوى عند وصول براز الشخص المصاب إلى الفم مثل تناول طعام أو ماء ملوث يحتوى على “الكيس الطفيلى للأميبا”.أو عدم نظافة اليد و استخدام أدوات غير نظيفة.و لتجنب العدوى:
يجب الاهتمام بغسيل الأيدى بالماء والصابون قبل تناول الطعام وبعد دخول الحمام وغسل الخضروات والفواكه الطازجة جيدا و مقاومة الذباب وعدم التبرز في العراء والفحص الصحي على العاملين والطباخين في المطاعم والبيوت وتغطية القمامة والتخلص منها ووضعها في الحاويات المعدة لذلك في اقرب وقت ممكن كما يجب أخذ الحيطة عند إعداد السلطات، كما يُنصح بتجنب استخدام مكعبات الثلج في الأشربة خارج المنزل إلا إذا كنت متأكداً من أنها أعدت من مياه نظيفة ومعقمة.
يمكن الإصابة بالعدوى بطفيل الإنتميبا هيستوليتيكا بدون ظهور أى أعراض على حامل العدوى و هذا يمثل 90% من الإصابات و لكن فى باقى الإصابات تكون اﻷعراض : إسهال شديد مدمى لزج كريه الرائحة مصحوبا بآلام وحساسية في البطن تستمر لبضعة أسابيع , إمساك متقطع ,امتلاء البطن بالغازات , انخفاض الوزن ,فقدان الشهية و الوهن العام وغالباً لا يبدي الشخص ارتفاعاً في درجة الحرارة.
وفى معظم الحالات تختفى اﻷعراض بعد أسبوعين. مع وجود علاج فعال تنتهى اﻷعراض و لا ترجع ثانية و لكن إذا لم يتناول المريض علاجا مناسبا تتكرر اﻷعراض مجددا. أما العلاج فيؤخذ مضاد للطفيليات مثل ميترونيدازول 500 مج أو تينادازول .
ومن الامور الطريفة التي رصدها الطبيب الانجليزي سيسيل ألبورت والذي عمل استاذا للطب الاكلينيكي بمستشفي فؤاد الأول خلال الفترة من 1937 وحتي عام 1943 في كتابه (ساعة عدل واحدة – الكتاب الأسود عن أحوال المستشفيات المصرية) حول مرض الدوسنتاريا في البيئة المصرية من أن الدوسنتاريا الباسيلية كانت اكثر انتشارا وسط الانجليز بالمقارنة بالمصريين وان تقريبا كل انجليزي يزور مصر كان يصاب بحالة غريبة ومفاجئة من الاسهال وذلك لان الاصابات الحادة الاخري التي أصابت المصريين علي مدي قرون منحتهم مناعة ضد الدوسنتاريا الباسيلية علي حد قوله!!!! فيما هو العكس بالنسبة للدوسنتاريا الاميبية التي كانت منتشرة بين الفلاحين المصريين الفقراء الذين تحمس الطبيب الانجليزي لقضاياهم ومعاناتهم..كما يرصد فلسفة لازالت الي يومنا هذا قائمة في طريقة بنائنا للمستشفيات والتي ينفق علي حجمها و شكلها الخارجي مبالغ طائلة فيما يكون الاهمال في الجانب المتعلق بالمرضي من تجهيزات وخدمات ففي الوقت الذي انفقوا فيه انذاك مليون ونصف علي بناء مستشفي فؤاد الاول كانت المستشفي بالداخل بدون سلك مانع لدخول الذباب !!!!مما أدي لأصابة المرضي بالدوسنتاريا فضلا عن مرضهم الأساسي !!!
ومن العلاجات الطبيعية التي تستخدم في علاج الدوسنتاريا: عسل النحل وقد جاء في الهدي النبوي ما له من تأثير في علاج الاسهال الشديد فقد جاء في الصحيحين: من حديث أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:(إن أخي يشتكي بطنه -وفي رواية: استطلق بطنه (الاسهال الشديد)- فقال: اسقه عسلاً، فذهب ثم رجع فقال: قد سقيته فلم يغن عنه شيئاً» وفي لفظ: «فلم يزده إلا استطلاقاً مرتين أو ثلاثاً كل ذلك يقول له: اسقه عسلاً، فقال له في الثالثة أو الرابعة: صدق الله وكذب بطن أخيك فسقاه فبرئ ) كما ينصح بثلاثة ملاعق صغيرة من الرمان المطحون مع ثلاثة ملاعق صغيرة من الحبة السوداء المطحونة مع مثلهما من الزنجبيل المطحون ثم يحلوا جميعا بعسل النحل مع اضافة عصير الليمون.
د.محمد فتحي عبد العال – صيدلي وماجستير في الكيمياء الحيوية – كاتب وباحث