ترجم – ترجمان
تاريخ النشر: 09/09/17 | 10:30(ترجم) كلمة وردت في المعاجم القديمة، ففي (لسان العرب) التُّرْجُـمان والتَّرْجَمان (بضم التاء وبفتحها) المفسّر للسان، الذي ينقل الكلام من لغة إلى أخرى، والجمع التراجم، والترجمة هي المصدر.
الكلمة واردة في اللغات السامية ففي العبرية תרגם (تِرْچـِم) من لغة إلى أخرى، ومثلها في الآرامية والحبشية والأكدية (كما يذكر معجم ابن شوشان).
لكن هناك معنى آخر لم يرد في (لسان العرب)، فترجم لفلان عرّف به وذكر سيرته، وتراجم الأدباء سيرهم، وقد استخدمت هذه اللفظة في تراجم الصحابة، ومنها كتاب ابن القَيسراني (في تراجم الصحابة)- وهي في مؤلفات كثيرة، منها: أبو حيان التوحيدي في (الإمتاع والمؤانسة) وصلاح الدين الصفدي في (أعيان العصر وأعوان النصر)، ولسان الدين بن الخطيب في (الإحاطة في أخبار غرناطة) وابن خَلَِكان في (وفيات الأعيان) وغيرهم.
وردت اللفظة بمعناها الأول في الشعر القديم، فوجدت نماذج من استعمال الكلمة:
قال الأسود بن يعفُر وهو يجمعها على (تراجيم):
حتى تناولها صهباء صافية *** يرشو التَِجار عليها والتراجيما
يشرح عبد السلام هارون وأحمد محمد شاكر المعنى في المفَضَّليّات (القصيدة رقم 125:
“يريد التراجمة، لأن باعة الخمر عُجم يحتاجون إلى من يُفهم الناس كلامهم”.
يذكر المتنبي وبوضوح أجواء الترجمات ونقل الكلام من لسان إلى لسان، وذلك في ساحة المعركة:
تجمّع فيه كل لِسْنٍ وأمةٍ *** فما تُفهمُ الحـدّاثَ إلا التراجمُ
(الحدّاث = المتحدثين)
ول في وصف شِعب بّوّان:
ملاعب جِنّة لو سار فيها *** سليمان لسار بترجمان
ومن النثر:
“وكان زيد بن ثابت يكتب إلى الملوك مع ما كان يكتبه من الوحي، وفي صحيح البخاري أن النبي أمره أن يتعلم كتاب اليهود، يقول زيد:
كتبت للنبي كتبه، وأقرأته كتبهم إذا كتبوا إليه”.
(صحيح البخاري، رقم 7195)
دعا رستُم (وهو فارسي) بالمغيرة فجاءه حتى جلس على سريره، ودعا رستم ترجمانه، وكان عربيًا من أهل الحِيرة يدعى عَبود، فقال له المغيرة: ويحك يا عبود أأنت رجل عربي؟ فأبلغه عني إذا تكلمت كما تبلغني عنه إذا كلمني.
(الطبري: تاريخ الرسل والملوك، ج3، ص 524)
أخذت اللفظة (ترجمان) معنى مجازيًا هو التعبير، نحو قول الوأواء الدمشقي:
ما إن تلجلج منطقي عن حُجّتي *** إلا وذكرُك ترجمان لساني
البحتري:
وفي عينيك ترجمة أراها *** تدل على الضغائن والحقود
وقال ابن حمديس:
مَن بِشْرُه ترجم عن جوده *** والجود في البِشْر له ترجمانْ
في كتابي (من أحشاء البحر، ص 126) اتسعت في المادة، وسأقتطف منه:
غير أن (ترجمان) لا تأتي دائمًا بمعنانا هذا، فقد تكون بمعنى إفصاح فابن مسعود لُقب “ترجمان القرآن”، والسيوطي يقول في الإتقان…..” وقد سميته ترجمان القرآن ” (انظر: الإتقان ج1 ص446) ومن أقوال العرب إن “القلم واللسان كلاهما للقلب ترجمان”.
وما جرى مع (ترجمان) هكذا وردت (مترجم) بدلالتين، فيقول النووي مثلا في روضة الطالبيين ص 1231:
“فإن كان القاضي يحسن تلك اللغة فلا حاجة إلى مترجم…ويستحب أن يحضره أربعة ممن يحسنها “.
إذن، ليكن تبنٍّ أو اتفاق، فنأخذ المترجم الشائعة والذائعة لأكثرهم عملا، فإذا باشر الترجمة تلقائيًا أضفنا لفظة (فوري).
أما (ترجمان) فقد جعلتها للمترجم الآلي، فلا أحتاج أن أقول (ترجمانة) إذا كانت من تترجم امرأة (ولم يكن فيما أعلم للعرب بها سابق عهد)، وأجعل الصيغة مختصة بالآلة، وهي توحي بذلك آليًا وصوتيًا، وهذا رأيي.
(ثمة نقاشات في الموضوع أثبتّها في كتابي، لمن يرغب بالاستزادة).
وبعد،
فقد اطلعت على مقالة كتبها الصديق الباحث د. عبد الرحمن السليمان، وأود إثباتها للفائدة لما فيها من جهد في التحقيق:
“وللتمثيل على التأريخ التأثيلي للكلمة ننظر في كلمة (ترجمة).
يقول ابن منظور في “ترجمان: “الترجمان، بالضم والفتح،: هو الذي يترجم الكلام أي ينقله من إلى لغة أخرى، والجمع التَّراجم، والتاء والنون زائدتان”.
ويقول ابن منظور أيضًا في مادة /رجم/: “الرَّجْم: اللعن، ومنه الشيطان الرجيم … والرَّجْم: القول بالظن والحدس … وراجَمَ عن قومه: ناضلَ عنهم”.
ويقول ابن دريد: “ورَجَمَ الرجلُ بالغيب، إذا تكلم بما لا يعلم. وأَرْجَمَ الرجل عن قومه، إذا ناضل عنهم … والمراجم: قبيح الكلام؛ تراجمَ القومُ بينهم بمراجمَ قبيحة، أي بكلام قبيح”.
وباستقراء الجذر /رجم/ في اللغات الجزيرية يتبين أن معناه الأصلي “الكلام، المناداة، الصياح، القول الغريب، التواصل”. فكلمة “تُرْجمُانُ” في الأكادية – وهي أقدم اللغات الجزيرية تدوينًا – مشتقة فيها من الجذر /رجم/، والتاء والنون فيها زائدتان.
أما في الأوغاريتية فيعني الجذر /رجم/ فيها “الكلام”.
والمعنى الغالب للجذر /رجم/ في العربية هو الرجم بالحجارة، إلا أن أهل التفسير يقولون إن “الرجم” في هذا المقام هو السباب. فالرجيم هو “المشتوم المسبوب”. ويفسرون قوله تعالى “لَئِن لم تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّك” أي “لأَسُبَّنَّك”. وهذا يعني أن “الرجم” فعل لساني (أي كلام) وليس فعلاً يدويًا (أي رجم بالحجارة أو بغيرها).
إذن: المعنى الاشتقاقي الأصلي للاسم /ترجمان/ وللفعل /ترجم/ هو “الكلام غير المحدد”.
فهو “الصياح” في الأكادية، و”الكلام والقول” في الأوغاريتية، “والظن” في العربية (الرجم بالغيب)، وكذلك “السب والشتم والتَّراجُم أي التراشق بالكلام القبيح”.
وعندي أن “الكلام غير المحدد” بقي “كلامًا غير محدد” حتى اليوم لأن معنى “التُّرْجُمان” الأول هو المترجم الشفهي الذي يترجم كلامًا غير محدد سلفًا- أي غير مفهوم بين اثنين يتكلمان لغتين مختلفتين، وهو كذلك في الأكادية (تَرْجُمانُ) والعبرية (= תרגמן /تُرْجُمانْ/) والسريانية (ܬܪܓܡܢܐ /تَرْجْمونُا، وفي العربية.
وعن الشعوب الجزيرية أخذ اليونان كلمة “ترجمان” (Δραγουμανος = Dragoymanos)، وعنهم أخذها الفرنسيون (= Dragoman/Drogman) والإنكليز = Dragoman) ) وغيرهم من الأمم. وأول من مارس مهنة الترجمة في التاريخ هم الأكاديون الذين اضطروا إلى ترجمة بعض المصطلحات السومرية المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالكتابة المسمارية التي اخترعها السومريون، فترجموها إلى لغتهم الأكادية.
ومما حفظ الدهر لنا من أوابد الأكاديين ألواحًا تحتوي على مسارد لغوية باللغتين السومرية والأكادية. وهكذا نرى أن علم صناعة المعجم ولد مع علم الترجمة وظلَّ يلازمه حتى اليوم”.
ب. فاروق مواسي