رأيي في الحَركةِ النقديَّةِ المحليَّةِ
تاريخ النشر: 13/09/17 | 10:05نحنُ ُنعاني من أزمة ٍ كبيرة ٍ في النقدِ الأدبي على الصَّعيدِ المحلي ، وسأحاولُ تلخيصَ هذا الموضوعَ قدر الإمكان بهذه الكلمات والجمل التالية :
1 ) لا يوجدُ عندنا عددٌ كافٍ من النقاد إذا ما قوُرنَ مع العددِ والكمِّ الكبير ِ من الشُّعراءِ والأدباءِ فجميع الذين يكتبونَ النقدَ الأدبي لا يتجاوزونَ عددَ أصابع اليد محليًّا .
2 ) مستوى النقد المحلي الهابط ، للأسف لا يوجدُ عندنا نقدٌ أدبيٌّ على مستوى أكاديمي راق كما هو المستوى في الدول العربيَّة ، إذا ما استثنينا اثنين أو ثلاثة ً فقط من النقاد المحليِّيين ، لأن معظم الذين يكتبون النقدَ غير متمكنين من الأدوات النقديَّةِ وتنقصُهُم الثقافة ُ والدراسة ُ ومعرفة أصول وأسس النقد ومناهجه ومدارسه القديمة والحديثة … أي أنهم غير دارسين وليسوا أكاديميِّين … ثم الأهم والأنكى من هذا أنهم غير نزيهين وصادقين وأمينين في كتاباتهم ونقدهم فيكتبون مقالاتهم (( التي من الظلم والزيف أن نسمِّها نقدًا أو مُحاولة ً أدبيَّة ً )) من منطلقين وهَدَفين وهما :
أ) يكونُ نقدهُم نابعًا ومنعكسًا من منطلق ِالمعرفة ِالمُسبقة والصَّداقةِ والمصلحةِ الشَّخصيَّةِ ” بيزنس ” ، فمثلا ً : إذا أرادُوا أن يكتبوا عن شخص ٍ ما ( شاعر أو كاتب ) يعنيهم وهم بحاجة ٍ إليه لأجل ِ منصبٍ أو وظيفةٍ ومركز ٍ معيَّن أو لأجل ِ نشر ِ قصائدِهم وإنتاجهم الأدبي إذا كان يعملُ ذلك الشَّخصُ مُحرِّرًا أو مسؤولا ً في جريدة ٍ معيَّنة فيُكيلون لهُ المديحَ الرَّخيصَ المُبتذل ويكونُ نقدُهُم ليسَ لهُ صِلة ً وعلاقة ً مع النصِّ والمادَّة التي يُعالجونها . وبهذا وبشكل ٍ غير مباشر يقومونَ بدور ٍ خطير ٍ جدًّا حيث يعملون على تزييف ِ وتزوير ِ الأدب والتشويش والتخريب على المسيرةِ الأدبيَّةِ المحليَّة من خلال ِ مُحاولاتهم الرَّخيصةِ لإبراز ِ بعض ِ الأشخاص ِ الذين ليسوا شعراءً وكتابا ً إطلاقا ً ، ولكن لأجل ِ موققعهم ومركزهم ووظائفهم ، كما ذكرتُ ، في المكاتب ِ الهامَّة ِ والمرافق والأطر الثقافيَّةِ أو في بعض ِالصُّحف ِ فيُطرونهم بذلك المديح الرَّخيص والمفضوح .
ب ) قد يحد ُثُ العكسُ أيضًا حيث تكونُ هنالك خلافاتٌ وحزازاتٌ بين بعض ِ الذين يكتبون النقدَ وبين بعض ِ الشُّعراء والأدباء ، فإذا كتبَ عنهم أولئك النقادُ تكونُ كتاباتُهُم كلها هجاءً وذمًّا وقريبة ً إلى الشَّتائم والألفاظ ِ السُّوقيَّةِ … فلا يُقيِّمُونَ الأعمالَ الأدبيَّة َ والشِّعريَّة َ بالشَّكل ِ الموضوعي والعلمي والنزيه ولا نجدُ عندهم حتى المحافظة َ على الحدِّ الأدنى من المستوى الأدبي والأخلاقي … وهذه مأساة ٌ بحدَّ ذاتها . وحسب رأي ِ الكثيرين من الناس ِ والمُثقفين محليًّا أنهُ من بين جميع الذين يكتبون النقد ، من عرب الداخل ، لا يوجدُ سوى اثنين أو ثلاثة يكتبون نقدًا أدبيًّا موضوعيًّا أكاديميًّا علميًّا ونزيهًا ، كما هو المُستوى في الدول ِ العربيَّةِ … وأما باقي النقاد أو هواة ودُعاة النقد المحليِّين فجميع كتاباتهم مجرَّد محاولاتٍ عقيمة ٍ وسخيفة تفتقرُ إلى الحدِّ الأدنى من المصداقيَّة ِوالمستوى النقدي العلمي وللموضوعيَّةِ ، فكتاباتُهُم – كما ذكرتُ أعلاه – إمَّا مديحٌ مُبتذلٌ وسخيفٌ إذا كانت هنالك مصلحة ٌ وهدفٌ شخصي ، أو على العكس فذمٌّ وهجومٌ أرعنٌ نابعٌ من حقدٍ دفين لا أكثر ويفتقر إلى المنطق ِ والنزاهة ِ والموضوعيَّة ِ والصَّواب .
– وأخيرًا : هذا هو المستوى الذي وصلت إليهِ حركتنا النقديَّة ( محليًّا ) ، وهذه الظاهرة ُ خطيرة ٌ جدًّا على المسيرة ِ الأدبيَّة وعلى مستقبل شعرنا وأدبنا وثقافتنا العربيَّة المحليَّة ( داخل الخط الأخضر ) ، وللأسف هنالك بعض الصحف ووسائل الإعلام العربية المحلية ما زالت منبرًا للكثير من المقالات والمواد الرَّخيصة والساقطة مستوى وموضوعيَّة ً والتي تسيىءُ إلى الأدب ِ والثقافة ِ بشكل ٍ عام . هذا بالإضافة إلى دور ِ بعض الأطر ِ والمؤسَّساتِ والمراكز ِ الثقافيَّة السلبي حيث تعملُ بشتى الوسائل ( علنا ًوأحيانا ً من وراء الكواليس ) لأجل ِ التشويش والتعتيم والتخريب على الشُّعراء والكتاب الحقيقيِّين المبدعين الأفذاذ الشرفاء المبدئيين والملتزمين وطنيًّا وإنسانيًّا ولأجل ِ تدمير الثقافة والإبداع العربي المحلي … وهذا ينمُّ عن مستوى الصَّحافة ِ والمُحرِّرين والجهات المسؤولة الذين يعملون في تلك الصحف ووسائل الإعلام والأطر والمؤسَّسات والمراكز الثقافيَّة .
وأحبُّ الإضافة َ أيضًا أنه يوجدُ عندنا عددٌ كبيرٌ ( كم وكيف ) من الشُّعراءِ والكتاب المبدعين والمتميِّزين فنيًّا ، والكثيرون منهم لم يأخذوا حقهم بعد من الشُّهرةِ والإنتشار ( الذي هم أهلٌ لهُ ) . وأنا بدوري ولا أسمِّي نفسي ( ناقدًا عظيمًا ) بل إنسانا ً متواضعًا يُحاولُ قدرَ الإمكان ِ أن يُبدِي رأيَهُ الصَّادق والمنطقي والموضوعي في الكثير من الأعمال ِ الأدبيَّة ِ المحليَّة ِ . فأحاولُ دائما الكتابة َ عن الشُّعراءِ والأدباءِ والفنانين المظلومين الذين لم يُكتبْ عنهم ، كما يجب ، ولم يشتهروا لأسباب ٍ عديدة ٍ ومعروفة ٍ ، منها : لأنهم ملتزمون وطنيًّا وقوميًّا وإنسانيًّا وأخلاقيًّا ومبدئيًّا ومبدعون ( سبب سياسي ) ، ولأسباب حزبيَّة … أي غير منتسبين لأيِّ حزبٍ وتنظيم ٍ سياسيٍّ والصُّحفُ الحزبيَّة ُ تعتمُ عليهم ثمَّ النقادُ الذين يدورُون في إطارها وسياستِها وتشهرُ فقط جماعتها من المتطفلين ومسوخ ِ ومُدَّعي الأد بِ المحسوبين عليها ، الذين في صفها وبوتقتِها وقوقعتها … ولأسبابٍ شخصية ٍ وفئويَّة أيضًا …. وأحيانا ً لأسباب ٍ طائفيَّة .
ولكن ، إن شاءَ اللهُ ، فلن يستمرَّ الوضعُ المُزري على حالهِ ، ولا بدَّ قريبا ً أن يحد ُثَ تغييرٌ جذريٌّ في المسيرة ِ الأدبيَّةِ نحو الأفضل ِ والأرقى وفي مستوى النقد أيضًا ، وكما أن الإنفتاحَ على بعض ِ الدول العربيَّة ِ ، مؤخَّرًا ، سيكونُ لهُ فوائدُ كبيرة إيجابيَّة ، في صددِ النشر ِ والشُّهرة ِ والإنطلاق ، والكثيرون من شعرائِنا وكتابنا المبدعين والقوميِّين الذين كانوا مجهولين بسسبِ الأجهزةِ والمؤسَّساتِ السلطويَّة والحزبيَّة والفئويَّة وغيرها التي تشهرُ جماعتها فقط ، سيجدُونَ لهم منفذا وبابًا واسعًا نحو الشُّهرة والإنتشار عربيًّا ( على مستوى الدول العربيَّة ) ثمَّ عالميًّا .
بقلم : حاتم جوعيه – المغار – الجليل