لا تتركوا الحصان وحيداً
تاريخ النشر: 11/10/17 | 15:35أواكب في السنين الأخيرة أدبَنا المحلّيِّ وما يرافقُهُ من إصدارات، بصفة القارئ العادي، ليس أكثر، واستميحكم عذرًا أصدقائي أهل القلم لاختلافي معكم، فاختلاف الرأي لا يُفسد للودّ قضيّة، وإذا غرّدت خارج السرب!!
شاركت في السنوات الأخيرة بأمسيات أدبية عديدة وتوقّعت أن يشارك فرسان الفيس بوك من الشعراء والأدباء بحضورهم، فهم أوّل من “يُليّك” لكل تغريدة، سواء كان احترامًا أو مجاملة لزملائهم، ولكن خذلوهم، كل وتبريره، وامتنعوا عن مشاركتهم وتغيّبوا. فكان الغياب والصمت صارخًا، وبقي الكاتب في الساحة “يتيمًا”!
تلك الأمسيات أخذتني مجدّدًا للوحة “لا تتركوا الحصان وحيداً” للفنانة التشكيلية الفلسطينية تمام الأكحل بحصانها الأبيض، تحيطه التلال الصخرية من كل جانب لتشي بأنها اتحدت متآمرة لحصاره ومنعه من التحليق وايجاد طريق للنجاة من حصارها له فلا يجد الحصان أمامه إلا السماء منفذًا ، وما تعويله على أصحابه ودعمهم له لا يسمن ولا يغني من جوع، ليقف وقفةً توحي بالحيرة التي انتابته من مشهد الطريق المغلق أمامه حتى الافق ليقف بلا حراك يسأل عن “أصحابه” يرجو دعمهم في تلك الوِحدة القاتلة؟
يؤلمني أن لغة الكتابة باتت مختزلة جافة ومباشرة تفتقر الى الإحساس الصادق، وتعاني التكلّس والتقوقع، لغة معدنيّة مدبلجة تعكس حقيقة عصرنا الآلي الذي اندثرت فيه قِيم تواصل انسانيّة واصبح الفيس بوك “مربط خيلنا”.
يعج عالمنا العربي بالأصوات الشعريّة متعدّدة الجودة والرداءة، حتى أضحى –بفضل الفيس بوك- لكل مواطن عربي شاعره، وصارت الليلكة سيّدة الموقف و”نجوميّة” كُتّابنا تُقاس بالتعليقات والتبجيلات وبعدد اللايكات التي تحصدها القصيدة أو المنشور!
كثيرًا ما أقرأُ مقالةً نقديّةً يقولُ “الناقدُ” كلَّ شيءٍ ولا يقولُ شيئًا. يمشى على حافةِ الكلماتِ وبينَ الحروفِ، مستعينًا بمفاتنِ اللغةِ العربيةِ، ليُصدرَ مقالةً مدبلجةً بلا لونٍ.. أو بشكلٍ أدقَّ، ملونةٍ بكل الألوانِ، والناقدُ الفذُّ لا يبالي بجمعِ التناقضاتِ في جملةٍ أو مقالةٍ واحدةٍ إذا اقتضت المصلحةُ ذلك. وأتساءَلُ : لماذا ؟ لماذا طغى عليها طابعُ الليلكةِ، فبتنا نكتب لأجل حصد اللايكات أكثر منه لأجل الكتابة ورسالتها. ليصبح الشعار: ليّكلي بليّكلك؟
أكنُّ الاحترامَ الكبيرَ للأدباءِ والنقّاد مما يقدمونه ولكن وجهتي المتواضعةِ هي نُقّادُنا الحاضرونَ – غائبون على الساحةِ الأدبيّةِ المحليّةِ. إنني أعِي بأنَّ مشكلةَ معظمِنا هي أننا نُفضّلُ أن يقتُلَنا المدحُ على أن يُنقذَنا النقدُ. ورُغمَ ذلك لن أكونَ مادحًا، وحبذا لو افاقتْ نخبةُ ناقدينا ومبدعينا، بدلًا عن مادحينا، لتنهضَ وتعلُوَ بكُتّابِنا وكِتابِنا وأدبِنا المحليِّ عاليًا، مقتدية برابح سعيد ملوك “قصيدة النثر العربيّة” وماري تريز عبد المسيح “الدراسات النقدية العربية والحوار مع الآخر” وغيرهما.
ممّا استفزني خلال مشاركاتي، سماعُ ناقدةٍ “كبيرةٍ” تُتوجُ روائيةً مبتدئة بالروائيةِ الفلسطينيّةِ الأولى – لا أكثرَ ولا أقلَّ – وسماعُ كاتبٍ وناقدٍ “أكبر” يتوّجُ كاتبةً لأدب الأطفالِ باللغة المحكيّة بأنها الأديبةُ الطلائعيةُ الرائدةُ والأهمُّ (على حدِّ تعبيرِه) مُهمّشًا كلَّ من كَتبَ في هذا المجالِ، وسماعُ مربٍ وكاتبٍ يتوّجُ من أشهر ديوانه الأول أميرًا للشعراءِ، وسماعُ كاتبةٍ وأديبةٍ تُتَوجُ “كاتبةً” تكتبُ هنا وهناك ولم تُصدرْ بعدُ ب”عشتروت” فلسطين. وأتساءَلُ : لماذا كل هذا؟
كفانا نفخًا في قِربةٍ مثقوبَةٍ. كفانا تهريجًا وتصفيقًا مُداريًا، أطمح أن تكونَ منصّاتنا الأدبيّة الثقافيّة ، وكذلك الزوايا الأدبيّة في صحفنا المحليّة، منصّةٍ نقديّةٍ مهنيّةٍ يعتليها ناقدون وأدباءُ، كتّابُ وشعراءُ ذوو عمودٍ فقريّ وليسَ مجرّد “سحّيجة”، وأحلمُ أن يستفيقَ ناقدونا – وهم كُثُر – ليكتبوا ما يَرَوْهُ مناسبًا دونَ خوفٍ أو وَجَلٍ أو مُراءاةٍ، بما يعودُ بالفائدةِ لإثراءِ أدبائنا وأدبِنا المحليِّ.
آن الأوان لتشجيع الصحف المحليّة والمواقع الإلكترونيّة على فتح صفحاتها لزاوية أدبيّة نشطة وديناميّة دعمًا لكتابِنا وكُتّابنا ولتنشيط المشهد الثقافي.
يا معشر الكتاب، أحبّوا بعضكم بعضًا! شاركوا زملاءكم في أمسياتهم ليشاركوكم في أمسياتكم واقتنوا كتابهم ليقتنوا كتبكم، تشجيعًا وإثراءً ومشاركةُ بتحمّل العبء الاقتصادي مع غياب السلطة الداعمة.
هناك حاجة ماسة، ثقافية وقومية، لقيام اتحاد كتاب ناشط، دينامي وفعّال لتعبئة الطاقات الأدبية والفكرية والكشف عن المواهب الأدبية والأخذ بيدها ورعايتها، تطويرها وإغنائها لتزدهر وتنمو وتترعرع وتبدع وتثري بعضها البعض.
هناك حاجة ماسة لتطوير أليات العمل المشترك وتنميتها، ليتولى اتحاد الكتاب نشر نتاج الكتاب المحليين، طباعة وتوزيعاً، كذلك تشبيك العلاقات الأدبية والثقافية مع الكتّاب العرب والأجانب للإثراء المتبادل.
أنصح الاتحاد بالعمل على إقامة نوادي قرّاء في بلداتنا لإثراء المشهد الثقافي وتنظيم المحاضرات والندوات والأمسيات الأدبية والثقافية وخلق حراك ثقافي حضاري.
علينا العمل على تشجيع الكِتاب والكاتب المحلي بالتشبيك مع سلطاتنا المحلية والعمل على إقامة أمسيات إشهار كتاب لكل أديب في بلدته وحثّ السلطة المحليّة على اقتناء الكتب وتوزيعها على موظفيها في عيد ميلادهم أو بمناسبة أعيادنا ومناسباتنا، وكذلك حثّ جمعياتنا الأهلية على اعتناق نهج جديد باقتناء الكتب وإهدائها لموظّفيها في مناسباتهم، وحث مدارسنا على اقتنائها وتوزيعها على معلّميها في المناسبات وعلى طلابها بيوم تخريجهم دعمًا لكتابِنا وكُتّابنا وحفاظًا على ضادنا ، تيمنًا بقول الشاعر حليم دموس مخاطبًا اللغة العربية
” لو لم تكُن أم اللغات هي المُنى لكسرت أقلامي وعِفت مِدادي
لغةٌ إذا وقعت على أسماعنا كانت لنا بردًا على الأكبادِ
ستظلّ رابطةً تؤلف بيننا فهي الرّجاء لناطقٍ بالضّادِ
وتقارب الأرواحِ ليس يضيرُهُ بين الدّيار.. تباعُدُ الأجسادِ”
المحامي حسن عبادي
مقال ممتاز زاخر بالافكار التي اتمنى ان يتم تبنيها.