غزوة بدر.. الوجه الآخر لسلطة الغنائم
تاريخ النشر: 03/06/18 | 7:19– معمر حبار
صليت اليوم صلاة التراويح بغير المسجد الذي أصلي فيه لأسباب تتعلّق بابنتي ملاك، فليست من عادتي أن أغيّر المسجد إلاّ لأسباب قاهرة تفرض علي. وقرأ الإمام سورة “الأنفال”، فكانت هذه الملاحظات:
1. لأوّل مرّة في حياتي أعرف سرّ تسمية السورة بـ “الأنفال” ولماذا لم يطلق عليها إسم “معركة بدر” أو باسم آخر غير إسم “الأنفال”.
2. خرج المسلمون من المدينة للاستيلاء على قافة أبي سفيان، تعويضا للنهب والسّطو والحرمان والطرد من الدّيار الذي تعرّضون له.
استطاع قائد القافلة أبو سفيان بن حرب بدهاء ودراية بمسالك الطريق الوعرة أن ينجو بالقافلة، والقافلة بالنسبة لقريش هي خزينة الدولة وقوام حياتها وقوتها.
3. حين تأكّدت قريش من نجاة القافلة، أعلنت الحرب على سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. والسؤال المطروح: لو استطاع المسلمون أن يستولوا على القافلة أي على خزينة الدولة، هل كان لقريش أن تخوض الحرب؟. والإجابة في تقديري بالنفي القاطع، على الأقلّ في المنظور القريب، لأنّ قريش حينها لم تكن تملك القوّة المادية والمالية والاقتصادية يؤهلها خوض الحرب ولو مع قلّة قليلة من المسلمين، ما يدل على أهمية الاقتصاد في تسيير الحروب.
4. استطاع قائد قافلة قريش أن يسيّر القافلة بثقافة رجل الأعمال الذي يقدّم السّلامة والأمن والحفاظ على ممتلكات الدولة على أن يخوض غمار الحرب فيعرّض الاقتصاد والتجارة إلى الهلاك والدمار والبوار، وقد أبدع في إنقاذ القافلة، وأكرّر وأقول: لولا نجاة القافلة بسبب أبي سفيان ما كان لقريش أن تخوض حربا باقتصاد منهار ومفلس.
5. في نفس الوقت بمجرّد ما تيقّنت قريش بنجاة وسلامة القافلة، أعلن أبو جهل الحرب، التي خالفه فيها عتبة وهو الحكيم الرزين الذي يعرف العواقب ويدرك النتائج.
6. قريش كانت بين نظرة رجل الأعمال والاقتصادي والتجاري أبي سفيان، وحكمة ودهاء عتبة ومن معه، واندفاع وحمية أبي جهل ولا أقول حماقة أبي جهل كما يصوّره كتّاب السّير والتراجم.
7. موقف أبي جهل في خوضه لـ”غزوة بدر” لا يدل على أنّه أحمق ساذج متهور كما هو شائع في كتب السيرة، لأنّه كان يدافع عن دولته ومكانته ومصالحه بطريقته، ولم يكن أبدا متهورا، ولا ساذجا، ولا أحمقا، بل كان قائدا بغض النظر عن كيفية إدارته للصراع والنزال. التي نختلف معه جذريا فيما يتعلّق بعقيدته ومحاربته لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم
8. في الأخير، قريش خضعت لأبي جهل المندفع الذي لم يقدّر العواقب ولم يحسن حسابها، فكانت النتيجة وخيمة على قريش وسمعتها من حيث الخسائر الكبيرة التي ألحقت بها من حيث قتل قادتها، والعار الذي لحق بسمعتها من جرّاء هزيمتها على أيدي من كانت تستضعفهم من قبل وهم القلّة القليلة الفقيرة التي لا تملك غير فرسين و70 جمل.
9. السؤال الذي يطرحه المتتبّع: لو أنّ سادتنا الصحابة رضوان الله عليهم استطاعوا أن يستولوا على القافلة، هل كانت ستكون غزوة بدر؟. الجواب في تقدير: لن تكون هناك “غزوة بدر”، لأنّ سادتنا الصحابة كانوا يبحثون عن رزق سلبته قريش، وعيش منعته قريش، وتجارة استولت عليها قريش، ولم يكونوا يبحثون عن حرب ولا مواجهة.
10. إذن لو تمّ الاستيلاء على قافلة قريش أي خزينة الدولة ما كان لقريش أن تخوض “غزوة بدر”، ولو استولى المسلمون على قافلة قريش ما كان للمسلمين أن يخوضوا “غزوة بدر”، إذن المسألة لا علاقة لها بفرض الإسلام والعقيدة بالسّيف.
11. خاضت قريش “غزوة بدر” انطلاقا من عصبية جاهلية لتظهر أمام القبائل أنّها الأقوى والأفضل، والمسلمون خاضوا “غزوة بدر” دفاعا عن ديارهم والقليل الذي يملكونه أو القليل الذي بقي لهم واستطاعوا أن يبقون عليه.
12. لا علاقة “لغزوة بدر” بفرض عقيدة، لأنّ الذي يفرض العقيدة ينتقل إلى الطرف الآخر ولا ينتظر مجيء المخالف له، فإنّه في تلك الحالة يسمى دفاعا عن الأرض والعرض والعقيدة، لأنّه حينها لا يمكن بحال التفريق بينهم، ولا يحق الدفاع عن واحدة وترك الأخرى، و وجب الدفاع عنهم جميعا لأنّهم جميعا في مصفّ واحد، الدفاع عن واحدة يستلزم الدفاع عن الأخرى.
13. خرج المسلمون في غزوة بدر للاستيلاء على الغنائم، ونزل بعض الصحابة في “غزوة أحد” من الجبل للاستيلاء على الغنائم غير آبهين بتعليمات القائد الأعلى للقوات المسلّحة صلى الله عليهم وسلّم الذي منعهم من النزول من الجبل مهما كانت النتائج.
14. ما أريد قوله والتأكيد عليه، ليس من العيب أن يقال أن أسيادنا الصحابة رضوان الله عليهم قاموا وانتقلوا ونزلوا من أجل غنائم وقافلة، بل بعضهم عصى أمر القائد صلى الله عليه وسلّم ولم يمتثل لأمره ونزل يوم “غزوة أحد” من أجل الغنائم وبتعبير القرآن القرآن من أجل “الأنفال”.
15. سادتنا الصحابة جميعا ودون استثناء فيما فيهم أسيادنا آل البيت رضوان الله عليهم جميعا لا يملكون العصمة لأنفسهم ولا لغيرهم، ومن مظاهر عدم العصمة مخالفة بعضهم لأوامر وتعليمات سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وسعيهم للاستيلاء على قافلة قريش، ومبادرتهم في تقسيم غنائم “غزوة بدر”، رغم أنّها من شؤون الله ورسوله هو الذي يقوم بتقسيمها دون أن يطلب منهم أحد ذلك لأنّ “الأنفال لله والرّسول فاتّقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مومنين” الأنفال1
معمر حبار