والد الأسير عمر صلاح يروي صور من مسلسل الالم المستمر باعتقاله وتمديده
تاريخ النشر: 18/07/19 | 9:38بعد عذابات التفتيش على حاجز “الجلمة “، افترش المواطن الستيني سمير صالح صلاح ، الارض أمام باصات الصليب الأحمر في ذروة موجة الحر الشديدة بانتظار لحظة انطلاقة الحافلات لزيارة نجله الأسير عمر في سجن “جلبوع “، لتبدأ محطة الألم الثالثة ، ويقول ” لا يوجد أمامنا سوى الصبر مهما كانت الظروف حتى نتمكن من زيارة ابننا الذي ما زال موقوفاً منذ 21 شهراً ، عشنا كل لحظة فيها صنوف العذاب والالم ، ابتداءاً من اعتقاله وحتى اليوم “، ويضيف ” الاحتلال يستخدم كل الطرق لعقابنا والضغط علينا وتحويلة رحلة الزيارة التي ننتظرها على أحر من الجمر لوجع ومعاناة حتى نتوقف عن زيارة ورؤية ابنائنا ، لكن لم ولن نتخلى عنهم ، فهم كل حياتنا ولن نعيش دونهم “.
الألم الأول ..
في قرية كفردان غرب جنين ، ولد الأسير عمر قبل عقدين من الزمن ، ليكون التاسع في عائلته المكونة من 13 نفر ، لكنه بالنسبة لوالده أبو خالد ” الأحب والأقرب .. فهو عندي يساوي الدنيا كلها ..ولو مشيت زاحفاً على الاقدام من بلدتي للسجن حتى أراه لن اتردد لحظة “، ويضيف ” ابني شاب طيب وخلوق ، بار بنا ومحب لاسرته وبلدته التي تربى وعاش فيها وتعلم بمدارسها حتى الصف العاشر ، وبسبب ظروفنا ، ضحى بمستقبله وتعلم مهنة البناء التي عمل فيها حتى اعتقاله “، ويكمل ” عمر منذ صغره يصلي وملتزم دينياً ، خلوق وطيب القلب ، ولم يكن يتدخل بالسياسة ، قضى حياته بين العمل والعائلة التي صدمت باعتقاله لنعيش الألم الأول والذي لم يتوقف طوال الفترة الماضية ” .
حرارة الشمس واللقاء ..
رغم اشعة الشمس الحارقة ، واصل المواطن أبو خالد على الجهة الاخرى من معبر الجلمة المؤدية مباشرة للسجن ، انتظار اكتمال حمولة الباص من أهالي الأسرى ، لكن حرارة الشوق ومشاعر الحنين ، جعلته خلال حديثه ينسى مرور أكثر من ساعة ، ويقول ” هذه المعاناة لا تساوي شيئاً أمام المنا الأكبر عندما اقتحم جنود الاحتلال منزلنا فجر تاريخ 7/11/2017 ،كان عمر في استراحة النوم العادية بعد عودته من يوم العمل الشاق ، لم نهتم بكثرة الجنود رغم قلقنا ، فلا يوجد بمنزلنا مطلوبين وكل ابنائنا يعيشون حياة طبيعية “، ويضيف ” تغير المشهد ، وشعرنا بوجع وغصىة عندما شاهدنا الجنود يتنزعون فلذة كبدي من بيننا دون ابلاغنا بالسبب ، لم يسمحوا لنا بوداعه ، ولاحقتهم عيوني تخاطب ابني الذي اعرفه جيداً ، لكنهم قيدوه واعتقلوا قلبي معه “.
الألم الثاني ..
جلست العائلة تنتظر عودة عمر ، فالجميع كان يشعر بظلم الاعتقال الجائر ، لكن مرت الايام والألم يخيم في حياة الأسرة واجواء المنزل ، ويقول الوالد أبو خالد ” توجهت لكافة المؤسسات لمعرفة سبب انتزاع ابني وظلم الاحتلال له ، لكن صمتهم والمصير المجهول زاد اوجاعنا وألمنا والأيام تمضي واخباره مقطوعة “، ويضيف ” لم يهدأ لنا بال ، وبكت والدته ، وتألمنا من شدة الخوف والقلق على مصير ابني حتى علمنا انه محتجز رهن التحقيق في سجن الجلمة مع منع زيارته لاسباب امنية “، ويكمل ” تفاقمت معاناتنا والأيام تمضى ونحن نجهل مصير ابني حتى قضى عدة شهور في تلك الزنازين الرهيبة حتى شعرنا اننا معه في نفس المصير نتجرع من كأس الوجع والالم والعذاب.
الألم الثالث ..
استمرت رحلة الأمل ،خلال تنقل عمر بين السجون .. الجلمة وعسقلان ومجدو حتى جلبوع ، ووالدته الخمسينية فاطمة لا تجف دموعها ، وتقول ” في كل لحظة من اعتقاله ، عشنا احلك واصعب لحظات العمر خاصة خلال جلسات المحاكم وما نتعرض له من ممارسات واوضاع وانتهاكات ظالمة ، فحتى الحديث اليه ممنوع “، وتضيف ” منذ اعتقاله حتى اليوم ، جرى عرضه على المحكمة 10 مرات ، وفي كل جلسة يمددون توقيفه ، يحاصره السجانين الذين لو تمكنوا لحرمونا من رؤيته ، وبلغة العيون نتواصل مع عمر في كل جلسة ، نسترق بعض اللحظات وتتكرر الدعوات لرب العالمين ليعود الينا ونرتاح من كل هذا الوجع والالم ، فلا نعرف الى متى ستسمر محاكمته حتى اليوم.
ألم لا يتوقف ..
” ألم لا يتوقف .. هكذا هي حياة كل عائلة أسير “.. قال الوالد أبو خالد بعدما تجاوزت الساعة العاشرة صباحاً ، وما زال مع أهالي الأسرى يقبعون تحت أشعة الشمس دون أن تتحرك باصات الصليب ، فالقانون الاحتلال يفرض تجميع كل الأهالي بكافة الحافلات لتنطلق معا نحو السجون ، ويقول ” أي قانون أو شريعة تجيز كل هذا الظلم ومن يتحمل وزر هذا العذاب ، يسرقون حياة ابنائنا ويحتجزونهم في سجونهم ويعاقبوننا حتى نزورهم .. نغادر منزلنا في كفردان الساعة السادسة صباحاً رغم اننا لا ننام ليلة الزيارة ، ونمر برحلة عذاب حتى نصل “، ويكمل ” على حاجز الجلمة ، نمر بثلاثة مراحل تفتيش جسدي وألي وكهربائي ، لا يراعون طفل أو عجوز ونعيش الالم في الصيف والشتاء فلا فرق ولا يمكن العبور دون كل المحطات “، ويتابع ” ألم في المرور والتفتيش ثم الانتظار حتى الوصول الى السجن ، وهناك نحتجز تحت اشعة الشمس في ساحة تغلق علينا وبحراسة الجنود لنعيش تجربة السجن بوجه وألم أخر حتى تأتي لحظة الزيارة بمحطات ألم اخرى ، تفتيش على 3 محطات نتحملها بصبر حتى لا نخسر الزيارة “.
الألم والأمل ..
يقول والد الأسير ” قبل العبور لغرفة الزيارة ، يحتجزنا الجنود بغرفة صغيرة ويغلقون الابواب علينا ويراقبون حركتنا من الكاميرات التي تحصي انفاسنا رغم خضوعنا للتفتيش ، هنا نشعر بالمعنى الحقيقي للسجن ، لكن نخفي المشاعر حتى لا نؤثر على احبتنا الذين ينتظروننا بشوق”، ويضيف ” غرفة الزيارة ، اخر محطة سجن لنا ، فكل شيء ممنوع ، والهاتف من يحترق بنيران شوقنا التي تحول المنا لأمل عندما نسمع اصواتهم ونرى هاماتهم العالية وابتساماتهم الجميلة .. تتساقط الجدران وتتلاحم ارواحنا ويتجدد املنا بلقاء الحرية الذي نراه قريباً مهما طال ليل الغربة وظلم السجان “.
تقرير: علي سمودي