دبلوماسية الجنائز من خلال جنازة الرئيس التونسي المنتخب السبسي – معمر حبار
تاريخ النشر: 29/07/19 | 10:00السبت 24 ذو القعدة 1440 هـ الموافق لـ 27 جويلية 2019
تعرف الدول وسلوكات الدول والمجتمعات فيما بينها عبر جملة من الأحداث منها الجنازة والجنازة الرئاسية ومنها جنازة الرئيس التونسي السبسي رحمة الله عليه:
1. رحم الله الرئيس التونسي المنتخب السبسي.
2. دخل السبسي حكم تونس بالانتخابات النزيهة النظيفة الشفافة.
3. تملك تونس نقابة قوية وساسة واعون ومجتمع متعلّم مايجعل الانتخابات نزيهة والفائز فيها يفوزبها بحقّ وجدارة.
4. تمّ الضغط على السبسي ليضع حركة النهضة ضمن قائمة الإرهاب فرفض بشدّة وفضّل أن يتعامل معها كما يتعامل مع أيّ ابن تونسي ولا ضير أن يكون في أثناء الطريق اختلاف وسوء فهم وتفاهم فإنّ ذلك من قواعد العمل السياسي.
5. رفع مواطن تونسي دعوة قضائية ضدّ رئيسه السبسي ونجح في الحكم لصالحه وما كان على السبسي رئيس الدولة رحمة الله عليه إلاّ أن خضع لحكم المحكمة.
6. ظلّ وفيا أمينا للجزائر يحترم رموزها ويحفظ حدودها وينعم بخيراتها ويثني على قادتها والشعب الجزائري.
7. العام الماضي أو منذ عامين فرضت تونس ضريبة على السواح منها السواح الجزائريين فاحتجّ المجتمع الجزائري فطلبت الجزائر من تونس أن تلغي الضريبة فاستجابت تونس على الفور وألغت الضريبة على الجزائريين مبرّرة ذلك بأنّ الضريبة تمسّ الأجانب وليس الجزائريين واستمرّ حسن الجوار وتثبيت العلاقة بين الأخ والجار.
8. طيلة حكم السبسي – فيما أعلم – لم ترق في عهده قطرة دم ولم يشارك في غزو ولا احتلال.
9. حين زار الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بمناسبة انعقاد القمّة العربية 30 بتونس طلب الرئيس السبسي من مدير جامعة الزيتونة أن تمنحه شهادة دكتوراه شرفية فرفض مؤكّدا أنّ الجامعة تمنح الشهادة العلمية ولا تمنح الشهادة الشرفية لأيّ كان ولو كان رئيس الجمهورية ولم يستطع الرئيس السبسي أن يفعل شيء أمام ضيفه العربي الثري الغني وقبل بالأمر الواقع وكتبت حينها أشيد بموقف الجامعة التونسية ومديرها وأساتذتها على الموقف الخالد الذي لايحابي أحدا ولو سلطانا ويضع العلم قبل السلطان وفوق السلطان واليوم أثني على الرئيس السبسي رحمة الله عليه الذي احترم علماء بلده الذين خالفوه الرأي ولم يستجيبوا لطلبه ولم يتدخل في شؤونهم وتقبّل الأمر ولم يستعمل نفوذه ولم يضغط على أحد ولم يسجن أحد.
10. أراد السبسي أن يترشح للمرّة الثانية للانتخابات الرئاسية لكنّه تراجع في أواخر أيامه وامتنع عن الترشح والسبب – في تقديري – أنّ أحداث الجزائر 22 فيفري 2019 كانت من وراء امتناعه عن الترشح للمرّة الثانية.
11. أحسنت الجزائر إذ أرسلت رئيس الدولة عبد القادر بن صالح يحضر الجنازة شخصيا فأكرمته تونس بأن جعلته يكون الأوّل في إلقاء كلمة التعزية نيابة عن الجزائريين بلغة عربية فصيحة بليغة سليمة مرتجلة مايدل على عمق العلاقة بين الجزائر وتونس في انتظار أن تتعزّز مستقبلا نحو الأفضل والأحسن.
12. تمّ الانتقال السياسي في تونس عقب وفاة الرئيس السبسي بسلالة ويسر ودون دبابة ولا إراقة دماء مايدل على درجة الوعي العالية جدّا التي وصل إليها المجتمع التونسي.
13. كانت تونس عظيمة حين أعلنت وفي حدود ساعة من الزمن بعد إعلان وفاة الرئيس من تنصيب رئيس البرلمان كرئيس مؤقت للدولة وتقديم الانتخابات الرئاسية من شهر أكتوبر إلى سبتمبر لأنّهم يدركون جيّدا أهمية الانتخابات في تثبيت الأمن والاستقرار.
14. سألني صباح اليوم أحد القرّاء ونحن في وسط المدينة: قرأت لك عبر صفحتك أنّك تتحدّث عن إيجابيات التي ذكرتها من خلال الجنازة ولم تتحدّث كعادتك عن السلبيات؟ أجبت ومازلت أجيب: لو ذهبت إلى جنازة ولم يعجبك الطعام والشراب أتقول للنّاس طعام أهل الميّت سيّء ! يجيب ودون تردد: لايمكن قول ذلك لأنّنا في جنازة. أردّ من جديد: وكذلك ليس من اللاّئق التطرق لسلبيات ظهرت لك أو لي في جنازة رئاسية لجار وأخ واكتفينا بالتركيز على بعض المظاهر الدّالة على الحضارة كالهدوء وعدم اللّطم وعدم شقّ الجيوب والثبات الذي أبداه المجتمع التونسي تجاه وفاة رئيسهم السبسي رحمة الله عليه.
15. منطق الدول يفرض على المتتبّع أن يتعامل مع الجنائز التي تعيشها الدول بما يعزّز العلاقة ويزيد في القرب بين الأخ والجار ويحفظ القربى ويثبّت الأمن والاستقرار ويزيد في الرفاهية وهذا هو الذي نعتمده ونسعى إليه.
16. خلاصة، شاركت الجزائر عبر رئيس الدولة وكانت تلك من مظاهر الدبلوماسية الفاعلة تجاه الأخ والجار وكانت تونس عظيمة حين قدّمت الرئيس الجزائري عبد القادر بن صالح على الجميع وجعلته أوّل المتكلّمين فحفظت بذلك مكانة الأخ والجار في انتظار أن تتعزّز الروابط مع إخواننا وجيراننا التونسيين في ميادين أخرى تدر الربح والأمن والاستقرار.