يومها رمت فرنسا بالجزائريين في “نهر الموت ” .. !
تاريخ النشر: 16/10/19 | 9:02بقلم : عماره بن عبد الله – كاتب جزائري.
يحيي شعبنا هذا اليوم الذكرى الثامنة والخمسين لمظاهرات السابع عشر اكتوبر 1961 التي أصبحت تؤرخ لليوم الوطني للهجرة، والتي راح ضحيتها مئات الجزائريين الذين لم يكن لهم ذنب سوى أنهم خرجوا مسالمين ومطالبين بحقهم في الاستقلال والعيش في كنف الحرية والكرامة، ليكون مصيرهم القمع من قبل الشرطة الفرنسية التي رمت بالعشرات منهم في نهر السين بالعاصمة الفرنسية باريس.
مما لاشك فيه أن الثورة الجزائرية كانت وبصدق ثورة شعبية، ضمت بين صفوفها كل شرائح الشعب الذي لم يتوان في الانضمام إليها، ودعمها بكل الوسائل المتاحة ولم يقتصر هذا الدعم في الداخل فقط، بل ومن خلال خلايا جبهة التحرير الوطني تمكن من نقل الثورة إلى الخارج، بل في عقر دار فرنسا المستعمرة، فعلا لم يسبق لشعب مستعمر أن نقل ثورته إلى قلب الدولة التي تستعمره ولو بتنظيم مظاهرة فيها، كما حدث مع الشعب الجزائري المتعطش للحرية، نعم هي مظاهرات هزت فرنسا من الداخل، فكانت إحدى الحلقات المهمة في تاريخ الثورة الجزائرية وعملا ميدانيا كانت جبهة التحرير وراءه ، لكن ما وقع من جرائم وحشية في حق ضحايا جزائريين مسالمين، خرجوا في الساحات والشوارع في مشهد لم تعتد عليه عاصمة الجن والملائكة، هاتفين بـ”الجزائر جزائرية “، متظاهرين ضد قرار حظر التجول الذي أقره محافظ شرطة باريس السفاح (موريس بابون)، الذي يهدف الى تكسير فدرالية فرنسا التي كانت تعمل تحت إطار جبهة التحرير الوطني، فضلا عن تشديد الخناق على العمل التعبوي داخل فرنسا، لأنه يغذي الكفاح المسلح بالجزائر، ويدعم ميزانية الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية .
بالفعل استجاب المهاجرين الجزائريين لنداء الفيدرالية بالأحرى نداء الوطن، فخرج عشرات الالاف منهم، قادمين من العاصمة باريس وضواحيها في مسيرة سلمية يوم 17 أكتوبر من سنة 1961 خارقين بذلك حضر التجوال، ومطالبين بإلغاء قرار (موريس بابون) الذي بدوره أعطى الأوامر لجنوده بالتصدي لهاته التظاهرة، وقتها صعدوا وتيرة العنف والبطش مستخدمين جميع الوسائل بما فيها الرصاص الحي، فقتلت وجرحت العديد من المتظاهرين، وألقوا ببعضهم أحياء في نهر ” السين”، ومن هنا كان لهاته الاحداث صدى كبير ممثلا في إحتلال القضية الجزائرية في الصحافة العالمية، مما جعل الرأي العام الدولي يطلع على عدالة القضية، وشرعية الكفاح الذي يخوضه الشعب الجزائري، ضف ما أعطته هذه المظاهرات من دعم وتعزيز لموقف المفاوض الجزائري أمام الامم المتحدة، في نفس الوقت مظهر بشع وفضيحة أخلاقية، ستبقى وإلى الابد وصمة عار في جبين الامة الفرنسية ذاتها، التي كما تدعي فقد نادت ثورتهم بالقيّم الانسانية التي لم نجد لها اثرا في الشعوب المقهورة والمغلوبة على أمرها، والتي تعرضت للتكالب الاستعماري الاوروبي، وإنما سنجد صفحات سوداء وقاتمة ملطخة بدماء القمع البوليسي ومجازر الابادة الجماعية، والتهجير القسري والاغتصاب والتشريد والنفي، بل إن كل هذه المظاهر المأسوية إرتسمت في الذهنية الأوروبية، قبل أن تلتصق في سلوكاتهم اليومية خلال حملاتهم الاستعمارية، وهذا ما جاء في مذكرات قادة الكثير من دولهم الاستعمارية.
أنت أيها المستعمر، أنت يا من تحرمنا أرشيفنا وجماجم شهدائنا .. !، إن احتفالنا اليوم وترحمنا على الذين سقطوا غدرا برصاص موريس، ليس من أجل قراءة فاتحة الكتاب ووضع الزهور على النصب التذكاري، بل هو حفاظا على المبادئ والقيم التي سالت من أجلها الدماء الطاهرة في نهر الموت “السين”، وتأكد أن الجزائري مهم تعاقبت السنون لن ينسى جرائم فرنسا، وفرنسا لن تنسى أن الشعب الجزائري هو الشعب العربي المسلم الوحيد، الذي ركعها وبكاها بدل الدموع دما، تغير الحال أيها المستعمر قديما والجبان حاضرا ومستقبلا، تغير الحال يا فرنسا، يا فرنسا إن ذا يوم الحساب، فاستعدي وخذي منا الجواب. تحيا الجزائر والوفاء للشهداء (..)