أين العتب ؟
تاريخ النشر: 29/03/20 | 11:52مما لا شك فيه أن ربط التخلف بالدين ، قد غدا عند طائفة من الكتاب العرب حركة آلية في سير تفكيرهم أمثال الكاتبة المصرية (نوال السعداوي) فقد قرأت مقالاً لها في أحدى الصحف تحلل فيه أسباب التخلف عند المسلمين ، وتلتمس فيه أهم المعوقات التي أخرتهم في سباق الإنتاج عن اللحاق بغيرهم .
لقد كان من أهم أسباب ذلك ، في نظر كاتبة المقال ، تلك الآثار الباقية من الدين وغيبياته عندهم وتلك العقيدة التي تنسب كل شيء إلى الخالق .
فمهما انحسر سلطان الدين (وهو الإسلام في هذا المقام) عن مجتمعاتنا العربية اليوم ، ومهما شرد الناس عن سبيله وقيوده ، ومهما ابتعد سلطان هذا الدين عنهم وعاد محصوراً في مخزن التاريخ ، منزوياً في مغربه الحضاري فإن هذه الكاتبة وأمثالها من الكتاب وغيرهم يظلون يلصقون به جريرة تخلفهم كلما سئلوا عن أسبابه أو كلما تظاهروا بالنهوض لمعالجته والتغلب عليه !…
والتخلف ، كلمة ، تشمل كل مظاهر الضعف أو الجهل أو الفقر في حياة الأمة . فهي إذاً تخط على تفرق المسلمين وتدابرهم وعلى استلاب اليهود وغيرهم لأراضيهم ، وعلى جمود الحركة العلمية في حياتهم ، وعلى قعودهم عن تسخير ما في الأرض لمعاشهم .
فيزعم هؤلاء الباحثون إذاً ، أن من أهم ما يمنع وحدة العرب اليوم ، ويصدهم عن ردع اليهود وطردهم ، ويعرقل عليهم الانطلاق نحو آفاق العلم والمعرفة ، ويقعدهم عن السبق الاقتصادي وتوفير الإنتاج ، هذه البقية من سلطان الإسلام وعقيدته في نفوس المسلمين !!
ويعلم هؤلاء الكاتبون ، كما يعلم غيرهم ، أن هذه الأمة كانت فيما مضى خاضعة خضوعاً تاماً لسلطان الإسلام ؛ فحكمها كان منبثقاً عن قانونه ، ومجتمعها كان قائماً على نظامه ، وأخلاقها كانت مستلهمة من روحه ؛ وكان ذلك فيما أجمع عليه الباحثون سر اتحادها بعد تفرق ، ومصدر قوتها بعد ضعف ، ومنبع غناها بعد فقر .
فكيف ينعكس الأمر ، ويصبح من كان سبباً للوحدة والقوة والتقدم بالأمس ، سبباً للفرقة والضعف والتخلف اليوم ؟!..
ومع ذلك ، فلو أن السواد الأعظم ممن نسميهم اليوم مسلمين ، لا يزالون يحتكمون إلى الإسلام في قانونه ونظامه وأخلاقه ، لأقررنا بالتناقض تحت سلطان الواقع ، ولقلنا والعجب يفيض في صدورنا : إن الإسلام على ما يبدو ذو أثرين متناقضين !!.. ولكن من نسميهم اليوم مسلمين بعيدون عن الإسلام منكرون له ،بمقدار ما كان أسلافهم قريبين منه متعلقين به .
فأين هو مكان العتب على دين تراجع سلطانه عن الحكم ونظامه ، وتقلص ظله عن المجتمع وأخلاقه ، ولم يعد أكثر من شعارات ترفع في المساجد ، وكلمات تردد في المحافل ؟!!
بقلم : محمود عبد السلام ياسين