قتل الخوف: محمد سواعد- ابن الحميرة
تاريخ النشر: 12/04/20 | 9:05من أعظم النعم التي أعدها الله تعالى لأهل الجنة يوم القيامة هي الأمن والطمأنينة وانعدام الخوف او الحزن، فالخوف هو تلك المشاعر السلبية التي تتولد عند الفرد او المجتمع نتيجة انشغال الفكر والقلب والجوارح في أمر المستقبل، والحزن يتولد نتيجة التفكير الطويل في الماضي وما كان فيه (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) يونس 62، (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) فصلت، (30)، الى غير ذلك من آيات البشارة والتطمين للنفس البشرية في جنان الأمن والأمان والطمأنينة في كنف الرحمن الرحيم.
بل إن القرآن الكريم ضمن الحياة السعيدة الآمنة المطمئنة لأهل الإيمان والطاعة (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل، (97)، فالحياة الطيبة هي حياة الأمن والطمأنينة والقناعة والسعادة وهذه انما تكون في الدنيا.
ولعلنا اليوم عند النظر وتحليل كثير من مشكلات الناس في المجتمع بل ومن والبحث عن أسباب الحروب التي تدور بين الدول نرى ان معظم هذه المشكلات تنطلق من قاعدتي الخوف والحزن، حزن على ما فات من الدنيا وحظوظها يدفع المرء الى الاكتئاب والقلق، بل ربما يدفع بعض ضعاف النفوس الى الانتحار والأمراض النفسية التي تعبث في حياة الناس في أيامنا، والخوف على المستقبل يدفع البعض على ارتكاب منكرات وجرائم حرصا على مستقبل أفضل كما يظن أولئك بل ان الخوف دفع دولا الى شن حروب لتأمين أسواق تجارية لمنتجاته كما أن الحزن على ماضٍ ضائع أجج حروبا وصراعات في محاولة لاستعادة الماضي الجميل الذي عاشته تلك الدول والممالك.
البحث عن تفاصيل وحيثيات مشكلات الناس وأسلوب عرضهم لتسلسل وأحداثيات القضية ينبئك عن وجود هذين العنصرين بشكل واضح وكاشف، فهذا يخاف على منصبه وذاك يتعصب حزنا على مكانة عائلته وتلك تخاف على مكانتها، فأبو جهل يعادي النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعلم الناس بصدق رسالته خوفا على المنصب والجاه، وفرعون يتكبر عن اتباع موسى عليه السلام حرصا على مركزه، وزوجة العزيز تتهم النبي العفيف يوسف عليه السلام بالفاحشة وهي التي همت به خوفا على سمعتها، وتدور الشجارات اليوم في المجتمع العربي انطلاقا من خوف الناس على مناصبهم ومراكزهم او حزنا على ماضٍ فات منهم، أو قل ضيعوه بجهل وطيش.
فكل الخلافات تنطلق من قاعدتي الخوف والحزن وتدور حولها، والأصعب والأنكى من ذلك هو الجبن الذي يمنع الناس من الاعتراف بالحقيقة، مما يؤدي الى تفاقم الاشكال ولو كان بسيطا، بل وانعدام القيادة الباصرة التي تقود المجتمع الى صلاح دينه ودنياه.
فإذا أردنا مغفرة للماضي وصلاحا للحاضر واستشرافا للمستقبل فعلينا أن نتعلم فن شجاعة الاعتراف بالذنب والتوبة، فالاعتراف بالذنب فضيلة، والموفق من تعلم من سيرة من سبق، فهذا ابونا آدم أخطأ وعصى ربه فلما سأله ربه أجاب آدم عليه السلام (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) الأعراف، (23)، فكانت النتيجة ( وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ) طه 122، أما ابليس فعز عليه الاعتراف بالذنب فقال (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا) الاسراء، (61) فحاز لعنة الى يوم الدين.