رحلتي إلى جيجل- الحلقة8..المركز الثقافي ومكتبات وقراءة جماعية – معمر حبار
تاريخ النشر: 12/04/20 | 9:10في اليوم الثامن من زيارتي لجيجل وبتاريخ: الأربعاء:6 ذو الحجة 1440هـ الموافق لـ7 أوت 2019، كانت الزيارة للمركزالثقافي للشيخ أحمد حماني ومكتبة بوسط المدينة ومكتبة متنقلة ومكتبة دار الشباب ومسجد سيّدنا بلال بن رباح المقابل للمتحف:
أوّلا: ملاحظات عبر المقهى والمخبزة:
1. قبل أن أذهب صباح اليوم إلى المخبزة فضّلت أن أدخل المقهى وأطلب فنجان قهوة وكأس ماء. وبينما أنا أداعب الفنجان بين أصابعي وشفتي رحت أتأمّل وجوه رواد القهوة والمارّة باعتبار المقهى تطلّ على الطريق الرئيسي فوجدت نسخا طبق الأصل: بياض البشرة رغم حرارة الصيف ومتعة البحر، وأنف يميل إلى الأمام طولا، وشعر أملس، ولم أجد الأسمر ولا الأسود. تساءلت وأنا العابر الزائر: لماذا هذا التطابق الذي وصل إلى حدّ نسخة طبق الأصل؟ فوقفت على إجابة- في انتظار تأكيدها أو نفيها- أنّ إخواننا أهل المنطقة بجبجل حفظهم الله ورعاهم لا يتزوجون من غيرهم فتكاثرت نسخ طبق الأصل التي رأيتها يوميا وباستمرار وأنا أزور بجاية وجيجل.
2. أزعم أن سهولة المواصلات وتوفّر وسائل النقل وشقّ الطرقات والمستوى المعيشي الجزائري المرتفع وشبكة الاتصالات سيقرّب البعيد ويساهم في الزواج المختلط بين الولايات الجزائرية المترامية الأطراف ويشجّع على ذلك، خاصة مع الشباب القادم الذي تربى في كنف العلم وثورة الاتصالات وشبكات التواصل. وأزعم أنّي لن أكون شاهدا على تلك المرحلة لأنّها تحتاج إلى عقود من الزمن وأرجو أن تكون في أسرع وقت ويكون الزواج عابر الولايات الجزائرية وعبر كامل للتراب الوطني.
ثانيا: المركز الثقافي أحمد حماني:
3. زرت ظهر اليوم وبطلب من زميلي حسين زبيدي المركز الثقافي أحمد حماني رحمة الله عليه بوسط جيجل حيث طلب منّي أن أتّصل بالمدير “جمال بوحلي” فكان غائبا فوجدت السيد” نعمان” وأخبرته أنّي رسول من الأستاذ حسين زبيدي ليمنحني كتاب: “أعلام جيجل”.
1. رحب بي كثيرا ورافقني إلى مكتبه في الأعلى وسعى بكلّ ما لديه ليمنحني كتاب “البدعة” للشيخ أحمد حماني رحمة الله عليه الذي لم أتمكّن لحدّ الآن من قراءته. وفي كلّ مرّة أسأل عن الكتاب إلاّ ويقال لي: النسخ نفدت في حينها وبسرعة فائقة.
2. بعدما شكرت الأستاذ نعمان على حسن الاستقبال والضيافة والسّرعة في تلبية الطلب بآداب عالية وأخلاق سامية وإتقان واضح جلي نزلت للطابق السّفلي حيث معرض الكتاب. ضمّت الكتب عناوين متعدّدة ومختلف التخصصات، منها كتب التراث والكتب التي قرأتها في صغري وشبابي ولم تكن أبدا كتبا من انتماء واحد كما رأيت ذلك رأي العين في بعض المكتبات بجيجل وقد أخبرت الشاب القائم على معرض الكتاب بذلك.
3. كانت خاتمة زيارتي للمعرض أن اشتريت كتابين وهما: “إكرام الضيف للإمام الحافظ أبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي المتوفي سنة 285هـ ، تحقيق الأستاذ: عبد الغفار سليمان النداري، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1406هـ – 1986، من 73 صفحة. وكتاب “رسالة العذراء في موازين البلاغة وأدوات الكتابة” لأبي البشير إبراهيم بن محمد الشيباني المتوفي سنة 298هـ، تحقيق الأستاذ: يوسف محمد عبد الوهاب، دار الطلائع، مصر، دونسنة الطبع، من 112 صفحة.
ثالثا: زائر مكتبة المسك ينشر المسك الأصيل:
4. أوصاني الأستاذ “نعمان” أن اتّصل بمكتبة “حامل المسك” بوسط جيجل لعلي أجد كتاب “البدعة والسنة لأحمد حماني” فامتثلت لتوجيهاته. اتصلت بالمكتبة فلم أعثر على الكتاب. وكانت كتب المكتبة لمشايخ السعودية والفكر السعودي والنهج السعودي.
5. من الأمور التي تطرقت إليها مع أصحاب المكتبة وانزعجوا كثيرا لقولي: الجميع يُنتقد سواء كان سعودي أو جزائري أو مصري أو سوري وذكرت الشيوخ بالاسم. قالوا لي: لا تقل انتقاد إنما قل انطباع؟ !. أجبت على الفور: بل انتقاد لأنّي القارئ علن علم ودراسة ومقارنة ولست التّابع لأحد. أضفت: نقدنا للشيوخ من أمثال الألباني والقرضاوي وابن الباز والبوطي وابن العثيمين ومحمد الغزالي وبن بريكة وأحمد حماني وبلكبير وشمس الدين وشيوخ الأزهر والقيران والقرويين وغيرهم من الأحياء والأموات لا ينقص من مكانتهم ولا يمسّ قدرهم، ونظل نقرأ للجميع وننتقد الجميع دون استثناء، ونصرّ على مصطلح الانتقاد وليس “الانطباع؟ !” الذي يبقى شأن المبتدئ والتّابع وليس القارئ الناقد.
6. ماأثار انتباهي وأنا أتجاذب أطراف الحديث معهم أنهم ينتقدون وبقوة الدولة الجزائرية لأنها في نظرهم لا تستورد الكمية الكافية للكتب السعودية ذات النهج السعودي والفكر السعودي. قلت: عجيب، ينتقدون ولي الأمر الجزائري لأنه لم يستورد الكتب السعودية بأعداد ضخمة فأيقنت من جديد أن المقصود بطاعة ولي الأمر هو ولي الأمر السعودي وليس الجزائري، وقد كتبت في هذا الشأن مقالات ومنشورات عبر صفحتي.
رابعا: فضاء مكتبة دار الشباب:
7. اتجهت بعدها لمكتبة “دار الشباب” لشراء كتاب كنت قد رأيته الأسبوع الأول من زيارتي ثم غيّرت رأيي في آخر لحظة وامتنعت عن شرائه رغم سعره الزهيد بـ100دج.
8. اتّجهت بعدها إلى مكتبة متنقلة عبر خيمة كبيرة فاشتريت كتاب بعنوان: « Les pionniers de la conquête spatiale », Synthèse de Francis Dioram , El Borhane, 2018, Contient 49 Pages .
9. قرأت الكتاب في حينه وعلّقت عليه عبر مقال[1]. واشتريته لهدف واحد وهو: امتلاك الفضاء ليس نتاج مجهوددات عام واحد بل نتاج عقود وسنوات وتراكم معلومات وتظافر اختصاصات. والأمة التي لا تحسن صناعة الدراجة الهوائية لا يمكنها بحال أن تحلم بالطيران لأن الجناح يبنى على قدم يحسن السير.
خامسا: مع الإمام عبد القادر هارون أبركان في فضائل القراءة الجماعية:
10. صليت الظهر بمسجد سيّدنا بلال بن رباح رحمة الله عليه ورضي الله عنه وأرضاه بوسط جيجل. وممّا لفت الانتباه: مؤذن المسجد أذّن بطريقة جزائرية محلية كانت في غاية الروعة والحلاوة والإتقان، وكان أفضل بكثير من الشباب الذي أرهق نفسه بتقليد الأصوات السّعودية وهو الذي يملك أصواتا مبدعة حسنة.
11. رفع إمام المسجد يديه بعد الانتهاء من الصلاة وسلّم تسليمة واحدة على اليمين. وبعد الصلاة اجتمع بعض المصلين في حلقة رفقة إمام المسجد عبد القادر هارون أبركان يتلون “الراتب” بقراءة جماعية وبصوت واحد كما هو معمول لدى مساجد الجزائر والمغرب العربي منذ 15 قرنا. وبعد الانتهاء من “الراتب” رفعوا أيديهم جماعة وبصوت واحد يدعون الله تعالى. وكانت بحقّ أفضل الأوقات التي قضيتها بجيجل، وتدل دلالة واضحة أن الجزائر بخير مادام الجزائري يحافظ على كتاب الله تعالى عبر قراءة القرآن جماعة وبصوت واحد.
12. من شدّة التأثر كتبت حينها عبر صفحتي وبتاريخ: الخميس 7 ذوالحجة 14 هـ الموافق لـ8 أوت2019 ، وبالحرف الواحد: “أنا الآن في ولاية جيجل منذ الأسبوع الماضي أقضي العطلة الصيفية رفقة الأهل والولد. كتبت لحدّ هذه اللّحظة 40 صفحة أدوّن فيها رحلتي لجيجل وبجاية و 11 صفحة أخرى لحدّ الآن تتعلّق بـ 4 مقالات. طيلة رحلتي لم أكتب عبر صفحتي وتعمّدت الآن أن أبحث عن محل لشبكة الاتصالات وأدوّن فيه ماعشته منذ دقائق بعد صلاة العصر بمسجد سيّدنا بلال بن رباح رحمة الله عليه ورضي الله عنه وأرضاه والمقابل للمتحف حيث معرض الكتاب. اجتمع إمام المسجد وهو في زهرة شبابه وكامل لياقته رفقة مجموعة من المصلين عبر حلقة يتلون كتاب الله بقراءة جماعية وبصوت واحد. وبعد الانتهاء من الراتب راح الجميع يرفعون أيديهم ويدعون الله تعالى بصوت واحد وكلّهم خشوع وانكسار. هذه هي اللّحظة التي أثّرت في النفس كثيرا وحمدت الله لأنّ الجزائر بخير مادام شبابها يتلون كتابه بصوت واحد وبقراءة جماعية. اللّهم إنّي أتقرّب إليك بالدموع التي قهرتني وأنا أشارك إخوتي القراءة وأرفع يدي مع الجماعة أن تحفظ جيجل وأهل جيجل وقرّاء جيجل وأئمة جيجل وتحفظ الجزائر بالذين يحفظون كتابك”.
13. ترقّبوا الحلقة التّاسعة بإذن الله تعالى.
[1] للزيادة راجع من فضلك مقالنا بعنوان: ” حضارة الفضاء العابرة للّغة والجنس واللّون والمذهب والطاّئفة”، وبتاريخ: الخميس14ذو الحجة 1440 هـ – الموافق لـ 15 أوت2019.