الكورونا والتَّعلُّم الإلكتروني، هل نحن فعلًا جاهزون للتَّعلُّم عن بعد

تاريخ النشر: 13/04/20 | 9:40

الكورونا والتَّعلُّم الإلكتروني
هل نحن فعلًا جاهزون للتَّعلُّم عن بعد(e-learning) ؟
بقلم: لينة بلال أبو حسَّان/ترشيحا
سيكولوجيَّة تربويَّة لقب ثانٍ

في زمن الكورونا… السُّؤال الَّذي أسمعه يطرح كلَّ صباح، منذ أسبوعين طيلة أيَّام الأسبوع، ودون توقُّف، يتبعة نقاشات حادَّة بين المعلِّمين والطَّلبة، والأطفال والأهل، والأهل والمعلِّمين: هل نحن فعلًا جاهزون للتَّعلُّم عن بعد؟
أسمع كلمة صارخة تخرج من أفواهكم” لا “، وإن قلت لكم إِنَّ الوضع مثاليٌّ جِدًّا في محيطي القريب، فسأكون مثاليَّة جِدًّا، فالوضع خرج عن السَّيطرة.
التَّغيُّر السَّريع والمفاجئ من حالة التَّعلُّم الصَّفِّيِّ “المنظَّم” المحاط بالعديد من الأصدقاء، والمزوَّد ببرنامج ومرشد، ومساعدة مباشرة من المعلِّم إلى جوٍّ تجمتع فيه العائلة وأفرادها، كلٌّ في شأنه، متواجدين طيلة ساعات اليوم تحت سقف واحد، بثَّ في نفوسنا صراعًا حادًّا وتغيَّرت أولويَّاتنا بين عشيَّة وضحاها، وعندما عدنا نحاول ترتيبها من جديد، كان الشُّعور بالأمن أهمَّ ما نطلب.
تدخّلَ التَّعليم الإكتروني وزلزل الشُّعور بالتَّوازن والهدوء، وبعدما هيَّأنا أنفسنا للملمة الأمور معتقدين أَنَّنا سيطرنا على الوضع، فاض القلق علينا من جديد، فواجهنا وما زلنا نواجه اختلاطًا في المشاعر عند سماع واجب… مهمَّة.. وظيفة إلكترونيَّة … فالتَّعامل مع الواجبات التَّعلُّميَّة البيتيَّة المطلوبة من الطَّلبة، يتطلَّب منَّا موازنة وتحضيرًا من عدَّة جوانب : كالجوِّ العامِّ في المنزل، الطَّالب/ الطِّفل، الأهل، الإخوة والبنية التَّحتيَّة المناسبة، كحاسوب وشبكة نت جيِّدة “wi-fi”)
قبل التَّطرُّق لكيفيَّة توجيه أطفالنا، والتَّطرُّق لكيفيَّة التَّعامل مع المتطلَّبات الجديدة في المدرسة الإكترونيَّة، لا بدَّ أنَّكم تساءلتم، وتدور في أذهانكم العديد من الأسئلة: هل حقًّا جميع البيوت تحوي كمبيوتر؟ أو جهاز اتِّصال خاصٍّ؟ وإن كان في البيت أكثر من طالب؟ وهل جميع الأطفال جاهزون للتَّعلُّم عن بعد؟ هل يعرفون لغة الإنترنت المطلوبة؟ هل وُجِّه الطَّلبة لكيفيَّة الاستخدام الآمن للإنترنت؟ هل الدُّخول للمواقع التَّعليميَّة المطلوبة سهل فعلًا؟ هل المعلِّم جاهز لتحضير درس على الإنترنت؟ هل تعلَّم الطَّلبة اتِّكيت استخدام الدَّرس المصوَّر؟ هل أنا كأهل مؤهَّل وأستطيع توجيه طفلي؟ هل، وهل، وألف هل؟. فتوجيه اللَّوم وتشييد الاتِّهامات قد يكون مثيرًا للنِّقاش وغير نهائيٍّ، إن أردنا معرفة من المسؤول ولماذا، فاللَّوم والعتب دون حلول لا يفيد ولا يغني.
هذا كلُّه، لا يعني أَنَّ التَّعليم عن بعد سلبيٌّ بشكل كامل، بل له تبعات إيجابيَّة كثيرة، كمرونة التَّعلُّم من أيِّ مكان وفي أيِّ زمان، وعرض المحتوى بطريقة تفاعليَّة جذَّابة، وليست الطَّريقة العاديَّة التَّقليديَّة، تنوَّع أساليب التَّقويم لتتناسب مع أنماط وظروف الدِّراسة، مِمَّا يخلق جوًّا من الإبداع وحرِّيَّة في التَّفكير والتَّوسُّع والتَّعمُّق ببعض المواضيع، يساعد الأطفال على انفصالهم عن الأحداث اليوميَّة المقلقة، ويعيد توجيه تفكيرهم للجوِّ المدرسيِّ، التَّواصل المستمرِّ وعدم الانقطاع التَّامِّ، يساعد في التَّسهيل للعودة للجوِّ المدرسيِّ المنضبط.
ربَّما علينا مواجهة التقصير في وقت لاحق لا محال. أَمَّا الآن فلا بدَّ من مواكبة الموجة الموجودة. المهمُّ في وقتنا الحالي أن نعرف كيف؟
كيف سنواجهه الحالة؟ كيف سنهيِّئ أطفالنا؟ وكيف سنساعدهم على تخطِّي هذه العقبة دون مشاكل، كوننا سنعود لأعمالنا قريبًا، بإذن الله، وسيكونون وحيدين يواجهون المدرسة الإلكرتونيَّة .. فلا بدَّ أن يألفوا التَّعامل مع الإنترنت والكمبويتر.
إليكم بعض النَّصائح والتَّوجيهات الَّتي استنبطت من المدرِّسين، الأهل، وأطفال داخل البلاد وحول العالم:
لا بدَّ أنَّ البعض قد واجه لحظات من الشِّجار بين الأطراف المتعدِّدة (كالأهل والطِّفل والهئية التَّدرييسيَّة) عندما بدأ البرنامج الإلكتروني، فالتَّعامل مع الطِّفل الآن هو السَّبيل الأسهل للنُّهوض، كما أَنَّهُ الجهة الوحيدة الَّتي يمكن التَّحكُّم بها في الوقت الحالي، قد يحدث أَنَّ بعض الأطفال يرفضون/ يستصعبون/ يخافون التَّعامل مع الوضع الجديد.. فيقاومون التَّعلُّم من خلال البكاء، الصُّراخ، الغضب أو العنف، من المستحسن أَلَّا نقوم بأيِّ جدال حول الموضوع أثناء المقاومة، لِأَنَّ الطِّفل سيعي ما يغضبكم، وكأنَّه عرف زرَّ تشغيل إعادة الفوضى، وسيكرِّر هذه الحالة، وأحيانًا قد يستخدم الأطفال طريقة “التَّجرؤ على الاعتراف بعدم المعرفة” للتَّملُّص من المهامِّ، ولا بأس أن يلمس الطِّفل النَّتائج السَّلبيَّة الَّتي تحصل بسبب عدم مشاركته ويمكن إعلام المعلِّمة بذلك. لكن! قبل كلِّ هذا التَّشديد والالتزام، لا بدَّ من خطوات مهمَّة ويجب أن تؤخد بعين الاعتبار:
لا بدَّ أن نتذكَّر أَنَّ المنزل يعتبر مكانًا يرتاح ويلهو فيه الطِّفل، وفيه مرونة في الالتزام بالقوانين، فيعتبر الجوُّ المنزليُّ جوًّا محفِّزًا لعدم التَّركيز الكامل، مقارنة بدرجة التَّركيز المطلوبة داخل الصَّفِّ أو المدرسة، وكون جميع الأفراد يشعرون بحالة من الرَّاحة “وكأنَّها عطلة” فهذا محفِّز للتَّقاعس والتَّسويف.
فمهمٌّ جِدًّا أن نهيِّئ جوًّا يساعد الطِّفل على التَّفرُّغ للدَّرس والتَّركيز فيه، كما وأن نكون مستعدِّين قبل البدء بالحصَّة الإلكترونيَّة، سواء كانت مصوَّرة او غير مصوَّرة، كما يلي:
– مشاركة الطِّفل للتَّعرُّف على الموقع التَّعليمي سويًّا، نسأله عَمَّا تعلَّم في المدرسة، ماذا يعرف، وإن لم يتعرَّض لأيٍّ منها، نحاول الشَّرح بطريقة مبسَّطة مفصَّلة، وأن نكتب جميع الخطوات بالتَّفصيل على ورقة خارجيَّة بخطٍّ واضح وكبير،
مهمٌّ أن نكتب ال e-mail وكلمة المرور password على ورقة منفصلة وبطريقة واضحة، وليطبِّق الطِّفل الخطوات أمامك في المرَّة الأولى.
سيواجه الطِّفل العديد من العقبات في البداية، أو في حال كانت المهمَّة تتطلَّب، لكن لا بأس، فليكن ذلك مقبولًا، من خلال المساعدة والتَّكرار سيتقن الموضوع،
وساعة من الشَّرح تغنيك عن الجدال والنِّقاش قبل البدء بكلِّ وظيفة.
– أن يكون الطِّفل بحالة استعداد من حيث الوقت (معروف له مسبقًا) والأدوات المطلوبة، مثل كتابه والأقلام والأوراق، حتَّى لا ينشغل بتحضيرها أثناء الدَّرس المصوَّر أو الإلكتروني العادي، وهنا على المعلِّم، أَيْضًا، توضيح البرنامج وإن لم يكن هنالك برنامج، فلنقم مع أبنائنا بتخطيط برنامج خاصٍّ بهم، ملائم لأوقاتهم توضَّح فيه الأيَّام، أوقات الدَّرس الإلكتروني وأوقات الدِّراسة الذاتيَّة، ويعلَّق أمامهم للتَّسهيل عليهم، من ناحية عمليَّة الانضباط وتحقيق المطلوب منهم بيسر.
– مهمٌّ أن نهتمَّ أن يشعر الطِّفل بالنَّشاط و الرَّاحة من جميع النَّواحي (يشعر بالشَّبع واللِّباس مريح والنَّشاط والمكان).
– اتِّكيت الجلوس أمام كامرة (camera)، المشاركة بلباس لائق وهندام مرتَّب، إعلامه أَنَّهُ متاح للجميع كما الجميع متاحون له، قد يكون هذا مفهومًا ضمنًا عند بعض الأطفال أو الأكبر سنًّا، لكن بكلِّ الأحوال علينا مواكبة الطِّفل ومتابعته في هذه الحالة الجديدة، لِأَنَّهُ قد يخلق عنده حالة من التَّمركز حول ذاته، ولا يعي كيف يتصرَّف.
– أن يكون في البيت مكان هادئ معلوم للجميع (أَنَّهُ مكان دراسة فلان) ووقت يعلم به جميع أفراد الأسرة، ليحافظوا على الهدوء وعدم المقاطعة.
– يفضَّل أن يكون شخص حاضرًا يتابع الطِّفل في حال حصول مشكلة فنِّيَّة تقنيَّة.
كون الطَّلبة لا يرون بعضهم بعضًا، فيقلُّ مستوى التَّنافس بينهم، مِمَّا يؤدِّي إلى فتور العزيمة وروح المثابرة لإتمام المهامِّ. فللإخوة الأكبر سنًّا تأثير من حيث وجودهم في المنزل، يدرسون ويتابعون موادَّهم بنفس الطَّريقة أَيْضًا، فالطِّفل يتعلَّم بالنَّمذجة معظم السُّلوكيَّات ودون توجيه، ويقع على عاتق المعلِّم دور مهمٌّ ولا بأس في اقتراح:
– التَّأكُّد أَنَّ جميع طلبة الصَّفِّ يملكون كمبيوترًا، وإن لا، فيجب العمل على تزويدهم بالموادِّ بالتَّدريج بالطُّرق المتاحة لهم.
– التَّحفيز والتَّشجيع المستمرُّ للطَّلبة الملتزمين.
– شهادة تقدير إلكترونيَّة للطِّفل الأكثر التزامًا.
– تكليف الطَّالب الأكثر إتقانًا في التَّعامل مع الكمبيوتر، بشرح لأحد أصدقائه وتعزيزه على ذلك.
– أقترح تكوين مجموعتين منفصلتين للأهل وللطَّلبة، يسهل من خلالهما التَّعامل والتَّواصل مع المعلَّم، وبهما نخلق منافسة إيجابيَّة، فالكلُّ يرى من هو الأكثر التزامًا عند ذكر المعلِّم لاسمه، ورفع اسمه أمام الجميع، فيحثُّ الطُّلَّاب الآخرين على العمل بجهد أكبر.
البعض منَّا كأهل لا يعرف التَّقنيَّات الحديثة، ولا حرج في هذا، فالتَّطوُّر بالتَّطبيقات سريع جِدًّا، والجهل أَلَّا نتعلَّم أو أَلَّا نتجرَّأ على التَّعلُّم ، الطَّلب من المعلِّمة أو أحد الزُّملاء القيام بعمل فيديو توضيحي ودقيق للشَّرح، ولو مرَّة أخرى أو توجيه الطِّفل بشكل شخصيٍّ.
ختامًا:
أرجو من الله أن تمرَّ محنة الكورونا بسلام، دون أن يصيب أيًّا منَّا أيُّ أذى، ونخرج من هذه الفترة حاملين العديد من المهارات الجديدة رغم كلِّ الصُّعوبات.
ولا تتردَّدوا في التَّوجُّه لمعلِّم من المدرسة، مرشد تربوي، معالج نفسي، معالج تربوي أو مستشار وذوي الاختصاص، وغيرهم من الكوادر المساعدة هاتفيًّا، ونتمنَّى لنا ولكم السَّلامة، ولا تتردَّدوا في التَّوجُّه بأيِّ استفسار وسؤال، ونحن في الخدمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة