التمييز ضد العرب ليس وليد أزمة الكورونا لكن حدّته تزداد عند الازمات
تاريخ النشر: 19/04/20 | 10:10بقلم: النائب د. يوسف جبارين
تؤول المعطيات التي تنشرها وزارة الصحة إلى أحد الاستنتاجين التاليين: أو أنّ المجتمع العربي طوّر مناعة ضد فيروس الكورونا، أو أنّه يواجه نقصًا جديًا في التشخيص وإهمالًا من قبل وزارة الصحة وصناع القرار. عدد المرضى العرب آخذ في الارتفاع بوتيرة عالية نسبيًا (حوالي 500 حتى هذه اللحظة)، ولكن نسبة المفحوصين العرب أقل بكثير من نسبتهم من مجمل السكان- الأمر الذي يشير إلى احتمالية وجود حالات مرضية غير مشخّصة. يمكننا توقع حجم الكارثة التي قد تلمّ بالمجتمع العربي نتيجة ذلك، تحديدًا الآن، قبل بداية شهر رمضان الفضيل بــأسبوع.
وفي حين أنّ مرض الكورونا لا يستثني أحدًا، فان جهاز الصحة في اسرائيل يعطي الأولوية للمواطنين اليهود على حساب المواطنين العرب. فمنذ بداية الأزمة، لم تتم تلبية احتياجات المجتمع العربي كما يجب على المستوى الصحي، الاجتماعي والاقتصادي. وهكذا تركنا صنّاع القرار، وعلى رأسهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، لمواجهة مصائرنا بمفردنا.
كيف لنا أن نتفاجأ من أنّ الشخص الذي شطب القائمة المشتركة من جميع حساباته لنتائج الانتخابات يتغاضى الآن، في حالة الطوارئ، عن %20 من المواطنين في الدولة؟ إنّ خمس الأطباء والطبيبات ورُبع الممرضين والممرضات ونصف الصيادلة في البلاد هم عرب. مع ذلك، لا يوجد أي تمثيل عربي على طاولة صنع القرارات المتعلقة بالأزمة. لم تبذل الحكومة أي جهد لإقامة هيئة مهنية عربية مرافقة لإدارة الشؤون الصحية وللخروج من الأزمة في المجتمع العربي.
تعاني البلدات العربية من تمييز عميق في كل ما يتعلّق بالخدمات الصحية. لا يوجد في البلدات العربية أي مستشفى حكومي، والمستشفيات الثلاثة في الناصرة، غير الممولة من قبل الحكومة، تعاني ضائقة اقتصادية ونقصًا في المعدات الطبية اللازمة، مع أنّها تؤدي دور السلطات الرسمية في الحفاظ على صحة الجمهور. أخفقت صناديق المرضى في تزويد خدمات صحية متساوية، ولم توفر منظمة “نجمة داوود الحمراء” خدماتها للبلدات العربية. أذكر أنني خضعت قبل عامين للتصوير الطبي بالأمواج فوق الصوتية (التراساوند)، وطلب منّي في حينه الذهاب إلى الخضيرة، وكأنّ الحديث يدور حول أجهزة عسكرية لا يمكن حيازتها في أم الفحم.
في مجال الصحة العامة، يعاني المجتمع العربي من أوضاع اجتماعية-اقتصادية صعبة، إن لم تكن الأصعب في البلاد، بالإضافة إلى معدلات الإصابة المرتفعة بأمراض مزمنة، نسب التدخين المرتفعة والنقص في البنى التحتية الحيوية. تعرّض هذه المعطيات حياة المواطنين العرب للخطر، مما يتطلّب استثمار قدر أكبر من الجهود في البلدات العربية من قبل السلطات الرسمية ذات الصلة، إلّا أنّ الفجوات القائمة في الجهود التي تستثمرها هذه السلطات في المجتمعين العربي واليهود آخذة في الاتساع.
لن يكون بالإمكان “تسطيح المنحنى” لمرض الكورونا إذا تم “استثناء المواطنين العرب”، كما قال نتنياهو وموظفو وزارة المالية مرارًا وتكرارًا في السابق ليؤكدوا على انجازاتهم الاقتصادية والاجتماعية. إنّ قلة الفحوصات في المجتمع العربي تثير قلقنا الشديد في كل ما يتعلق بتشخيص المرضى ومواجهة تفشي الوباء، ومن المحتمل ألا يكون المجتمع العربي قد وصل أوج الأزمة بعد. ان أسوأ السيناريوهات التي تحذر منها قيادة المجتمع العربي قد تتحقق. لذلك، أقمنا لجنة طوارئ قطرية بقيادة لجنة المتابعة، كما وتنشط في المجتمع العربي مبادرات قيّمة تهدف إلى دعم ومساعدة المحتاجين والمهمّشين اقتصاديًا. ولكن لا يمكن لهذه المساعي أن تستبدل دور السلطات الرسمية.
هناك أيضًا نقص جدي في المواد الإعلامية المتاحة باللغة العربية حول أزمة الكورونا. إتاحة المعلومات باللغة العربية (على سبيل المثال، التعليمات العامة للوقاية من الفيروس، أو مسارات المرضى المؤّكدة) جاءت فقط بعد مرور أسبوعين على بلوغ الأزمة أوجها في البلاد، ولا تزال هذه المعلومات منقوصة حتى هذه اللحظة. امتنعت وزارة الصحة أيضًا عن نشر أي معطى بخصوص عدد المرضى العرب حتى نهاية شهر آذار.
أنّ أزمة الكورونا هي أيضًا أزمة اجتماعية واقتصادية، والعواقب الوخيمة للبطالة الجماعية ستظهر تدريجيًا مع مرور الوقت. رأينا كيف وجد عشرات آلاف التلاميذ والطلاب أنفسهم خارج جهاز التربية والتعليم، إذ يفتقر أكثر من ثلث التلاميذ العرب لحواسيب أو لاتصال بشبكة الإنترنت، ولا يمكنهم التعلّم عن بعد. بدلًا من توفير الأجهزة الإلكترونيّة اللازمة للتعلّم عن بعد، تجاهلت وزارة التربية والتعليم التلاميذ العرب، الأمر الذي مسّ بقدرة أكثر من 120 ألف تلميذ عربي على التعلّم، وفقًا لمعطيات لجنة متابعة قضايا التعليم العربي. كما واكتشف العديد من الطلاب الجامعيين والشباب العرب الذين فقدوا عملهم أنّه لا يحق لهم الحصول على مخصصات بطالة، إذ ينص القانون على أنّ السن الأدنى لاستحقاق مخصصات البطالة هو 20 عامًا.
*إنّ التمييز بين العرب واليهود ليس وليد أزمة الكورونا، ولكن حدته تزداد عند وقوع الأزمات. تكشف لنا أزمة الكورونا عن عمق ونطاق هذا التمييز، حتى إن كانا خفيين عن الأضواء في أوقات سابقة. نعود اليوم لنؤكد على مطالبنا بالمساواة الكاملة في جميع مناحي الحياة في ظل هذه الأزمة ولن نقبل بواقع يدفع فيه المواطن العربي ثمن التمييز والاهمال التاريخيين في الخدمات العامة. سنتابع نضالنا من أجل الحصول على خدمات صحية نوعية ولاجتثاث آفة التمييز المستفحل، لأنّ المسألة أمست مسألة حياة أو موت.*