نحو شهود حضاري
تاريخ النشر: 26/04/20 | 12:18يعيش الناس في هذه الحياة ويمرون عليها، وكثير منهم ينسون بمجرد موتهم بل أن البعض منهم من ينسى وهو على قيد الحياة ومن الناس من يبقى ذكره حيا حتى بعد وفاته إلى آباد الدهور،
لعمرك ليس من مات فاستراح بميت**** انما الميت ميت الاحياء
فحياة الانسان لا تتوقف على وجوده في الدنيا، وإنما تمتد حياته بعد رحيله، وذلك بناء على أثره وقيمه وأعماله وبصماته النيرة المباركة التي تركها في نفوس البشر ( إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ) يس 12، وأعظم الناس أثرا في حياة الناس هم الأنبياء، وذلك لتضحياتهم العظيمة وأعمالهم المباركة التي قدموها للبشرية منذ آلاف السنين ولا تزال آثار دعوتهم وبصماتها تسري في المجتمع الى قيام الساعة ولا يستغني إنسان مهما كان شأنه أو مركزه عن تعاليم الأنبياء فهي النور والضياء للناس في ظلمات الدنيا.
وما الفخر إلا لمن يبقى ذكره خالدا مخلدا في النفوس وليس الفخر لنسب أو حسب أو مال او جاه فكلها إلى زوال، ومن جميل ما يروى ان يزيد بن معاوية جلس مع الحسن بن علي بن ابي طالب رضي الله عنه فراح يزيد يفتخر بنسبه وبينما هم كذلك إذ ارتفع صوت المؤذن يصدح من المسجد فقال الحسن: جد من هذا يا يزيد، فبهت يزيد ولم يدر جوابا.
وبعد الأنبياء يأتي دور العلماء الذين هم منارات الهدى في حياة الناس فمَن ذا الذي يستغني اليوم عن فقه الشافعي واصول أبي حنيفة وعلم مالك وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم، ومن شعر الإمام علي بن ابي طالب رضي الله عنه:
ما الفخــــر إلا لأهل العلم إنهم *** على الهدى لمن استهدى أدلاء
وقدر كل امرئ ما كان يحسنه *** والجاهـلون لأهل العـلم أعداء
فـفـز بعلم تعش حيـا ً به أبــدا *** الناس موتى وأهل العلم أحياء
فالعلماء هم ورثة الأنبياء والمجددون في حياة الأمم وهم من يحمل لواء الحق والإصلاح عندما تهجم الشهوات وتتغول الفتن في دنيا الناس ودينهم.
ورمضان المبارك هو أعظم فرصة للأمة الإسلامية لتكتب لنفسها شهودا حضاريا، بل إن رمضان إنما فرض لإعداد الأمة وتهيئتها لتقوم بدورها الحضاري المنشود منها، ففي رمضان نزل القرآن وهو قوام حياة الأمة وعماد نهضتها: (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) يونس 57، فالقرآن هو دستور البشرية ومنهاج صلاحها واستقامتها في دينها ودنياها، وفي رمضان نجد فرصة للارتقاء بالنفوس وتزكيتها وتطهيرها من غوائل الهوى والشهوات، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة 183، والتقوى هي أعلى مراتب التزكية وطهر النفس وهي تعني مراقبة الله تعالى في السر والعلن.
رمضان في تاريخ الأمة كان فرصة للشهود الحضاري فنجد أن أعظم المعارك الفاصلة التي وقعت في تاريخ الإسلام كانت في رمضان، فمن انتصر على شهوته كان على غيرها أقوى ومن سقط تحت شهوته فهو ساقط في كل الميادين، ففي رمضان كانت معركة الفرقان (بدر) في السنة الثانية للهجرة وهي التي انتصر بها القلة المؤمنة على الكثرة الكافرة، وفي السنة الثامنة من رمضان كانت معركة فتح مكة وهي التي أدت إلى انهيار قريش وجبروتها، كما كانت معركة فتح الاندلس في رمضان وفتح عمورية ومعركة الزلاقة ومعركة عين جالوت وغيرها من المعارك الحاسمة في تاريخ الأمة بل في تاريخ البشرية كلها.
وعجبا اليوم يحاول البعض أن يسوق رمضان أنه شهر تسابق إلى الطعام والشراب والملهيات على أشكالها المختلفة والتي استطاعت ماكينة الإعلام العالمي أن تغرسها في النفوس وتفرض أجندتها على العالمين.
اليوم في ظل الظروف العالمية التي تمر بها البشرية ووباء الكورونا الذي فرض نفسه على العالم كله فإن المطلوب من الأمة الإسلامية وهي تعيش أجواء رمضان أن تُعمل العقول وتسخر القدرات وتنبري الاقلام وتستغل وسائل الاعلام ومنصات التواصل الاجتماعي في كيفية استثمار وتسخير الظروف العالمية لصالح الأمة الإسلامية للاضطلاع بدورها المطلوب منها على كل الأصعدة المحلية والعالمية.
محمد سواعد- ابن الحميرة