الفقر العقلي
تاريخ النشر: 27/04/20 | 11:18من حكمة الله تعالى أن قسم الأرزاق بين العباد حتى يعمر الكون وتكتمل مسيرة العمران في هذه الحياة، فالحياة تكتمل بحاجة الناس إلى بعضهم البعض، بل إن هذه الحاجة لتؤكد ضعف المخلوق مهما علا شأنه وارتفع مركزه، لأن الله تعالى هو وحده الغني عن العباد، بينما الناس لا يستغني واحدهم عن الآخر، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) فاطر 15، وما الإنسان إلا وسيلة إلى رزق غيره وسعادته أو شقائه في هذه الحياة:
الناسُ للناسِ مِن بدوٍ وحاضِرَةٍ ****************** بَعضٌ لبعضٍ وإنْ لَم يشعروا خَدَمُ
ولكن الله تعالى رفع أقدار الناس بالعقل والفهم والمعرفة، وما فُّضل إنسان على غيره إلا بزيادة في الفهم والعقل والمنطق والأخلاق، لذا كان الأنبياء أفضل الخلق لأنهم أكثرهم فهما وفقها وإدراكا، ثم يَفضل العلماء غيرهم ويقدمون على من سواهم لعلمهم وحكمتهم، فهم ورثة رسالات النبوة وهم المرجع في حياة الأمم، قال صلى الله عليه وسلم: (وإنَّ فضلَ العالمِ على العابدِ كفضلِ القمرِ ليلةَ البدرِ على سائرِ الكواكبِ ، وإنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ ، وإنَّ الأنبياءَ لم يُورِّثُوا دينارًا ولا درهمًا، وانما ورَّثُوا العِلمَ فمن أخذَه أخذ بحظٍّ وافرٍ).
وقد دعا الإسلام إلى تنمية العقل بالقراءة والتفكر والتأمل والتدبر في كتاب الله تعالى وفي الكون والنظر في سير السابقين حتى يتعلم الناس من أخطاء غيرهم أو من نجاحهم، فكثير من الآيات تختم بقوله تعالى: (أفلا يتذكرون) (أفلا يتفكرون).
فالمرء لا يعاب لا يعاب إذا ولد فقيرا او افتقر في مسيرة حياته، ولكن المرء يلام إذا كان فقيرا في المعرفة والادراك، ومن أحكم ما قيل: “ان فقر العقول أشد من فقر الجيوب”، ولعل أصعب ما يكون في الحياة أن فقر العقل هو الذي يؤدي إلى الفقر المادي في حياة الأمم، فالعقلية الفقيرة تولد مجتمعا فقيرا بينما العقلية النيرة الواعية تفتح أبواب النجاح والسعادة أمام الإنسان في دينه ودنياه.
لم تكن أزمة الأمة الإسلامية في يوم من الأيام أزمة مالية أو اقتصادية وما ضاعت بلاد المسلمين لقلة الموارد، وإنما عانى المسلمون من جمود فكري أدى إلى ضياع البلاد والعباد، بل إن بعض العلماء يخافون من التجديد والاجتهاد في مسيرة الأمة ويطعنون في كل مجدد، وما سجن ابن تيمية حتى الموت في قلعة دمشق إلا مثال واضح على ذلك عندما دعا إلى فتح باب الاجتهاد في حياة الأمة في زمنه، وإن دور الفقهاء والعلماء والمفكرين اليوم ليس فقط نقل الفتوى أو انتقائها، وإنما اليوم فتحت على الأمة الإسلامية أبواب التأثير الحضاري والمعنوي والمادي على العالم كله مما يستوجب على أهل العلم أن يجتهدوا لإيجاد فكر إسلامي إنساني عالمي يجمع الإنسانية كلها على كلمة سواء، وأن نحضر أنفسنا لمستقبل متغير، فنحن نلمس اليوم اهتماما عالميا بدعوة الإسلام وما تحمله من فكر وأخلاق ورحمة ورأفة، فدورنا اليوم الخروج من فوهة القنينة التي حشرنا أنفسنا داخلها لننطلق ونسبح الله في الكون من خلال دعوة الناس وتوجيههم الى عظمة هذه الدعوة الربانية الخالدة.
محمد سواعد- ابن الحميرة