الحل للعنف: تربية والتزام أخلاقيّ
تاريخ النشر: 08/05/20 | 19:32*بقلم: وداد حلو، مشروع نكسر السقف الزجاجيّ، معًا*
المكان؛ مفترق طرق في الناصرة، الزمان؛ الساعة الثانية عشر ظهرًا يوم الخميس، رجل طاعن بالسن، او كما يًقال باللغة العاميّة- ختيار، يقف امام الشارة التي اذنت لنا بالمسير، لكن الطاعن بالسن تحرك ببطأ، الأمر الذي دفع بالشاب الذي خلفه تمامًا اطلاق زامور الغضب الذي لحقه نزول من المركبة والتوجه إلى الطاعن بالسن وكيل الاتهامات له!
امام هذا المشهد أقف حائرة، مصدومة، انظر إلى احراج الطاعن بالسن وأتساءل، إلى أين نتجه؟! إلى أين سيصل مجتمعنا العربيّ، وأين المشكلة، والجواب-انعدام الأخلاق التي تحمل احترامًا للطاعنين في السن، ومحاولة مساعدتهن وليس كيل الاتهامات والمسبات والشتائم لهم.
يعاني مجتمعنا اليوم من آفه “اللي ماله كبير ماله تدبير”، آفه إن دلت على شيء فهي تدل على التفكك الاسري والاجتماعي، وتتلخص بعدم احترام الكبير بالسن وكل ما يمثله من نظم، قواعد، تقاليد وروابط. زاد التباعد الاجتماعي وتفوق الانا والانفرادية، غلب حب الذات على محبه الاخ، الاهل، الجيران وابناء البلد.
فقدنا الكثير من التراث، من الصفات، العادات والقوانين التي كانت تقربنا من بعضنا البعض كشعب واحد، بدلنا الغيرة على ابن الحارة والبلد للغيرة منه، تخلينا عن قلب وثقافه “ابن القرية” الى قساوة قلب “ابن المدينة”، كلٌ يسعى الى مصلحته داعسًا على أخيه، تفشى الفساد في مجتمعنا، تفشى العنف والخاوة وصار ينهش في لحم مجتمعنا. فأين هي المؤسسات المسؤولة لتعمل لصد هذه الآفة ولأحياء عاداتنا وتقاليدنا، حبنا لشعبنا وبلدنا؟ اين هي المسؤولية الشخصية في الاصرار على التربية المسؤولة داخل العائلة؟ اين هم اعضاء الكنيست العرب في وضع خطط لإنقاذ مجتمعنا من الفساد الداخلي؟!
تلك أسئلة أحملها معي ليس من باب الملامة، إنما من باب قراءة الوضع الذي بات لا يطاق، عام 2019 انتهى بخسارتنا لـ أكثر من 90 فردًا من مجتمعنا من العنف، وهذا العام أفتحناه بموجة عنف إضافية، وكأن جائحة الكورونا لا تكتفِ لنرى قتيل في حيفا وقتيلة في ام الفحم وأخرى مسنة قتيلة في الطيرة!
لا يوجد حلول حالية، فلا يكفي أن نؤسس أطر تعمل على مناهضة العنف إذا لم نعمل على تصويب السلوكيات للأفراد، خاصة للشباب الصغير، الذي يعيش حالة من الضياع، قد تراه ملمًا بتقنيات العالم الإفتراضي، يتحرك ويبحر في الفيسبوك إلى السناب شات إلى الإنستغرام، يعزز عالمه الفردي، الآنا الخاص به، يقوي من ذاته، إلى أنه يتجاهل المسؤولية المجتمعيّة أو المسؤولية الجمعيّة.
ما نحتاجه اليوم ابعاد نظرية “هندسة القطيع الأناني”، والذي قام العالم البيولوجي هاملتون بالتطرق إليها في بحث على الحيوانات عام 1973، حيث عرّض قطيع من الأغنام للخطر ليتضح أن بعض القطيع في الأطراف حاول الهروب إلى المركز بهدف تعريض باقي القطيع في الأطراف إلى الخطر وحماية نفسه، ولنتذكر هذا تصرف حيوانيّ، بعيد عن العقلانية الإنسانية التي منحها الله لنا، ولنتذكر سلم ماسلو في السلوكيات الفردية. حسب هرم ابراهام ماسلو هناك العديد من الاحتياجات التي يسعى الانسان للوصول اليها و عدم اشباعها يصيبه بإحباط و كذا مشاكل نفسية. يتدرج الهرم من الحاجات الاساسية من أكل وشرب مرورًا بالحاجة الى الامان ثم الحاجة الى التقدير و ينتهي بالحاجة الى تحقيق الذات. بعد الحاجات الفيزيولوجية والحاجة الى مأوى تظهر لدى الفرد رغبات اخرى جديدة وهي الرغبات الاجتماعية و التي تتمثل في حاجة الانسان الى الانتماء و تكوين علاقات اجتماعية عاطفية كانت أو اسرية او مهنية و أيضا الانتماء الى أحزاب او جماعات دينية.
رغم ما ذكر، لا زال عندي امل انه بالإمكان انقاذ مجتمعنا الاصيل وها أنا أردد “الدنيا بعدها بخير”.