خواطر من قلب الكابوس العظماء (2)
تاريخ النشر: 16/05/20 | 2:49 بقلم: علي هيبي
بالعموم تارة أخرى:
ولقد كشف الوباء الزيف والكذب اللذيْن تتحلّى بهما “الديمقراطيّة” الأميركيّة، ومدى السواد والقبح الكامنيْن في بلد “الحريّة” العظيم، ولو تسنّى لتمثال الحريّة أن ينطق لصاح من جامّ غضبه وبملء قبضته وبأعلى صوته: “انقلوني! أنقذوني من بلد لا يشغل بال سادته وإدارته إلّا استعباد الآخرين والهيمنة على مصائر الشعوب ومقدّراتها وثرواتها”! لقد كشف الوباء الذي ألقى عصا حَجره فعزل ثلثيْ سكّان العالم في سجونهم البيتيّة، كشف كم كان البيت الأبيض والسياسة الأميركيّة محجوريْن ومعزوليْن عن الحسّ الإنسانيّ والحريّة والعدالة وكرامة الإنسان، وكم كان وحش الجشع الأميركيّ الحيوانيّ شرهًا وكم كانت أذرعة أخطبوطه الشيطانيّ متشعّبة إلى كلّ الجهات، تنهش في كلّ الدول وتسطو على مقدّرات كلّ الشعوب وثرواتها القوميّة. لقد كشف الوباء هذه الأميركا “الكبيرة” التي تعتبر أقوى قوّة عسكريّة واقتصاديّة وتقنيّة في العالم وتمتلك أكبر ترسانة من الأسلحة النوويّة والتقليديّة، أمّ الأساطيل وحاملات الطائرات والصواريخ وحرب النجوم واختراق الأجواء والفضاء، وغوّاصاتها وسفنها الحربيّة تمخر عرض البحار وطولها وتغوص في لجج المحيطات وأعماقها، هذه الأميركا “الصغيرة” انكشفت على حقيقتها عارية من كلّ لبوس كذّاب، سافرة الرأس الدنس سافلة المآرب الجشعة في ظلّ الوباء الفاضح والذي يقتل من مواطنيها ما يزيد على ال2000 يوميًّا، وقد بلغ عدد قتلاه حتّى الآن إلى ما يزيد عن ال60,000. هذه الدولة “الفقيرة” لا تملك كمّامات تكفي مواطنيها ولا أجهزة تنفّس للمحتاجين من مصابيها ولا أسرّة صحيّة كافية لمرضاها، ولكنّها تملك في ترسانتها من الأسلحة المتنوّعة ما يجعلها تتباهى بقدرتها على إبادة العالم أكثر من بضع مرّات بأقلّ من بضع ساعات. هذه الأميركا الحقيرة والمتبجّحة لم تقدّم للعالم في هذه الأزمة شيئًا، وتحتجّ لدى الدول والشعوب الفقيرة والمظلومة لأنّها تطلب وتتقبّل المساعدات الطبّيّة والإنسانيّة من دولة كوبا ونظامها وشعبها المحاصر والمظلوم. “فيا للعار لأميركا” وعريها الفاضح ورئيسها إبليس المتغطرس وإدارتها الشيطانيّة وسياستها الرجيمة.
ففي ظلّ هذا الوباء اللعين، الذي كان هو والرئيس الشيطان “ترامب” على موعد وتآمر على الوجود الإنسانيّ والقيم العظيمة والمبادئ السامية، وعلى التآخي بين الشعوب والتكافل العلميّ والطبيّ والتعاون الإنسانيّ لكفّ يد هذا الوباء الشيطانيّ وشلّها عن جسد الإنسانيّة البريئة، وكفّ يد “ترامب” الرأسماليّة عن روح الإنسانيّة الطاهرة وشلّها، في ظلّ الوباءيْن: الشيطانيّ “كورونا” والحيوانيّ “ترامب”. وما سياسته في كافّة المجالات وفي الداخل والخارج وقبل الكورونا وأثناءها وبعدها، والمستقاة من فكره المتوحّش والمظلم والمؤسّسة على جشعه الرأسماليّ الشيطانيّ والحيوانيّ إلّا نبع آسن تدفقّت منه كلّ الرذائل التي مسّ شرّها جميع الدول والشعوب، وما هي إلّا وكر للذئاب الذين يخطّطون لافتراس الإنسان الوديع بكلّ ما يحمل من قيم نبيلة، وتدنيس الإنسانيّة بكلّ ما تنطوي عليه من نقاء وطهارة.
تحت أشباح الشياطين الأراذل هؤلاء، كيف يمكن أن لا يطفح فكرك ووجدانك الإنسانيّ بالأفاضل من الأبطال والمناضلين والمفكّرين والثابتين على الحقّ والعدل والمناضلين من أجل الحريّة والاستقلال والمقاتلين لأجل الكرامة الإنسانيّة، كيف لا يملأ وجودك الفكريّ الفيلسوف سقراط ونظريّاته واحليلاء السمّ وعدم الرضوخ للحياة الذليلة، والعبد الحرّ سبارتاكوس وثورته والعبيد الثائرون من أجل الحياة الحرّة، والرئيس فيدل كاسترو وصموده وحكمة قيادته، والمناضل تشي جيفارا وقتاله حتّى النصر أو الموت في الغابات، والرئيس نيلسون مانديلا الحرّ وسجنه الطويل، والمناضل باتريس لوممبا وسموّ الكونغو الوطن، والمناضل مارتن لوثر كينغ ومبادؤه التي لا تلين، والقدّيسة جان دارك ونزوعها إلى الطهارة الإنسانيّة، والمناضلة أنجيلا ديفيس ولونها الأسمر المكابر، والمهاتما غاندي وزهده ولا عنفه، والرئيس ماو تسي تونغ وحكمة قيادته الأمميّة، والرئيس هوجو شافيز والتزامه بالبوليفاريّة كمسار حرّ وكراهيّته للشيطان، والجنرال جياب وحربه العادلة التي أعدّ لها ما استطاع من قوّة، والمناضل هو شي منّه والفيتكونغ والقتال بلا هدنة ولا هوادة مع المحتلّ، والرئيس دانيال أورتيغا وصراعه ضدّ المسار الباطل والأعوج ولأجل الاشتراكيّة والعدالة في كمبوديا.
لَكَم أُعجب بالعظماء من العرب أو من غير العرب، من المسلمين أو من غير المسلمين، وبغضّ النظر عن العصور أو الفترات التاريخيّة التي واكبوا الحياة فيها بكلّ مجالاتها وقضاياها وملابساتها وصراعاتها، أكانت تلك الفترات قديمة أم متوسطة أم حديثة، أو المناطق أو الأقاليم أو الأمم التي عاشوا فيها وبينها وانتموا إليْها، أكانت في الشرق أم في الغرب، في الشمال أم في الجنوب، أكانت في الصين أم في الهند الآسيويتيْن، في فرنسا أم في ألمانيا الأوربيّتيْن، في أنغولا أم في الكونغو الأفريقيّتيْن، وبغضّ النظر عن ألوانهم بيضاء كانت أم سوداء، وعن أجناسهم حمراء أم صفراء، وعن قوميّاتهم عربًا أم عجمًا، وعن انتماءاتهم الدينيّة، أكانوا على دين أم على غير دين، موحّدين أم ملحدين، مسلمين أم مسيحيّين، بوذيّين أم وثنيّين. فالعظماء هم العظماء في كلّ زمان ومكان وعلى مدى كلّ العصور، وعظمتهم هي الثابت غير المتحوّل حتّى إن تبدّلت الأمكنة وترامت أو ضاقت أو طالت الأزمنة أو تغيّرت أو دالت الدول أو اضطربت الظروف أو تمدّنت الأمم أو تطوّرت المجتمعات أو تلوّنت المشارب والانتماءات أو تشكّلت المعتقدات والقناعات.
هؤلاء العظماء ماتوا أجسادًا وفقدوا وجودهم المادّيّ، ولكنّهم ما زالوا خالدين أرواحًا ومعانيَ، وما زال البشر ينهلون من نبوع مقولاتهم ومواقفهم ومن بحور معارفهم ومن إبداعاتهم الفكريّة التي لا تنضب ولا تفنى، ويتّبعون مفاهيمهم القويمة ومبادءهم العظيمة، وستخلد ما ظلّت الحياة تجري كالأنهار والمجتمعات الإنسانيّة تعجّ بالحركة والحيويّة والتطوّر وما دام الليل والنهار يتوالجان والناس يمسون ويصبحون.
ولَكَم أنا معجب بأقوالهم الحكيمة في مضامينها والعميقة في دلالاتها البعيدة، والتي تنطق عن استنتاجات وخلاصات، هي عصارة تجربة حياتيّة طويلة في مِراسها، عريضة في تجاربها، ولعلّ أبرز ما في هذه الفلسفة الإنسانيّة التي توجّه الناس وتدلّهم على الصراط المستقيم وعلى الطريق القويم وتبيّن لهم ما صعب ليسلكوا بسهولة، مستخدمين وسائل سامية في منهج حكيم من أجل بلوغ غايات سامية مثلها هو الإنسان، وليس في الصميم عند كلّ هؤلاء العظماء الإنسانيّين الذين منهم الأنبياء والحكماء والفلاسفة والسياسيّون والقادة والمناضلون والبسطاء والعبيد إلّا الخير للإنسان والإنسانيّة والوجود والحياة والأرض والسماء. وهم جميعًا طلّاب حريّة على مدى العصور، وجميعهم لاقوْا عناء ونصبًا وعذابًا وحصارًا جرّاء صلابة مواقفهم وعمق إيمانهم الوطيد وتمسّكهم بمبادئهم التي لم يُحيّدْهم عنها كلُّ ما عانوه من ممارسات قمعيّة رهيبة، فمنهم من نُفي إلى جزر نائية مقطوعة، ومنهم من زُجّ به وأودع سجونًا أو غيابات جبّ سحيقة، ومنهم من شُرّد وهُجّر إلى بلاد أخرى بعيدة، ومنهم من قُتل بنقيع سمّ فتّاك أو رميًا بالرصاص أو صَلبًا على صارية، ومنهم من قُطعت لقمة عيشه وأسباب رزقه بعد فصلهم تعسفيًّا من وظائفهم أو أعمالهم، ولكنّ العظماء هم العظماء، ظلّوا وصمدوا على عظمتهم فصاروا بنضالهم الحياتيّ الساطع وبموتهم المشرّف الخالد واقفين كالأشجار الباسقة أشهر من جلّاديهم، لأنّهم تركوا تراثًا نضاليًّا وفلسفة حياتيّة مشرقة، ومواقف أسطع من الشمس في كبد سماء ظهيرة ربيعيّة صافية.