كي لا يتحول التمييز ضد فلسطينيي لبنان الى ثقافة !
تاريخ النشر: 06/07/20 | 18:18فتحي كليب،
رغم ان كثيرين يحيلون التمييز، بمختلف اشكاله، لأسباب متعلقة بالجهل او مشاكل نفسية وعقد نقص، الا ان اتساع هذه الآفة ينذر بمخاطر كبيرة، خاصة اذا ما تحولت من حالات فردية قد تحدث في كل المجتمعات، الى ثقافة متجذرة لدى جماعات معينة ترى بالآخر خطرا داهما لا بد من استئصاله، وبالتالي تصبح خطرا تهدد المجتمع بأكمله وواجب الجميع مقاومتها ووضع حد لها..
في بيروت ام الشرائع وحاضة النضال العربي وواحة الحرية في الشرق، لا يأخذ التمييز شكله العنصري بالمعنى المتعارف عليه على ميتوى القانون الدولي. فاللبناني والفلسطيني والسوري ينتمون الى عنصر وبشرة واصل واحد، وسبق وان عاشوا تاريخيا في اطار كيان واحد، سواء خلال فترات الانتداب الاجنبي او قبل ذلك.. وقد يصح هذا النوع من التمييز العنصري مع العاملات الاجنبيات اللواتي ينتسبن الى اصل ودين وعرق مختلف، شرق آسيوي او افريقي، لكن في العلاقة مع الفلسطيني تحديدا، والسوري احيانا، يأخذ التمييز ابعادا سياسية تتعلق بالصراع السياسي والطائفي والمذهبي في لبنان..
التمييز في بلد كلبنان يأخذ شكل الكراهية لكل ما هو غير لبناني. ورغم خطورة مثل هذا التمييز الذي لم يرتق بعد الى مستوى التمييز العنصري، الا ان تجاهله من قبل اصحاب السياسة والفكر والاعلام في لبنان، او غض النظر عن تنامي هذه الآفة، يمكن ان يشكل خطرا، ليس فقط على الاجانب فقط بل وعلى كل المجتمع، خاصة وان بعض اللبنانيين بات يمارس التمييز ضد ابناء وطنه، سواء كان ذلك من منطلق طائفي او من منطلق الاعتقاد بتعالي طائفة على اخرى. والتمييز هنا لا يطال الفلسطيني فقط، بل جنسيات اخرى عربية وغير عربية، اي ان الخوف والخشية من ان تتحول هذه المسألة الى ظاهرة من المؤكد انها ستنعكس على المجتمع بجميع مكوناته، وهو ما يتطلب من جميع الاطراف المغنية التدخل قبل استفحال هذه الظاهرة..
بعض هذا التمييز يعود الى اسباب تاريخية كالعلاقة مع الفلسطيني والتذرع بأنه سبب اندلاع الحرب الاهلية، وبعضها يعود لاسباب فكرية تتعلق، كما يعتقد البعض، بهوية لبنان، رغم ان اتفاق الطائف قد حسم هذه المسألة لجهة اعتبار لبنان عربي الانتماء والهوية. واخرى تعود لاسباب اقتصادية، كأن يعتقد البعض ان العمالة الاجنببة تضر بالعمالة اللبنانية وتشكل منافسة لها، وهذا امر، وان صح بالنسبة لجزء من العمالة الوافدة، الا انه لا ينطبق على العمالة الفلسطينية لأكثر من سبب. لكن رغم ذلك، يسعى البعض من السياسيين الى تعميق هذه الثقافة واستغلالها، فيتم تسليط النقد ضد الاجنبي، اعتقادا بأنها “سياسة ربّيحة” في المعادلات الطائفية والمذهبية. وبعضها على علاقة بصراعات طائفية، بحيث تصبح الممارسات والمواقف السلبية ضد الاجنبي، الفلسطيني والسوري، دليلا على لبنانية ووطنية هذا اللبناني او ذاك، فيما كثير من ممارسات التمييز تعود الى عقد نقص وتفوق في آن، وهذه مسألة سبق لكثير من اللبنانيين وان تفاخر بها عندما تحدث بعضهم مثلا عام 2005 قائلا: “لدينا النوعية ولديهم الكمية”.
انطلاقا من التحديد السابق، فان اسباب التمييز ضد الفلسطينيين في لبنان ربما يعود لأسباب تاريخية، ولأسباب تتعلق بضعف الحالة الفلسطينية، بحيث يصبح الفلسطيني هو الخاصرة الرخوة التي تشكل بالنسبة للكثير من الزعماء اللبنانيين ارضا خصبة اما لتدخلات او استخدام المخيمات كرسائل بريد في اطار الصراعات المحلية والاقليمية.. وهناك اعتقاد لدى الغالبية من اللاجئين الفلسطينيين بأن ضعف الحالة الفلسطينية في لبنان وعجز القوى اللبنانية الفاعلة عن حماية الوجود الفلسطيني، جعل الكثيرون يتمادون في سياساتهم ومواقفهم التمييزية ضد فلسطينيي لبنان.
لقد تعهد لبنان عبر مندوبيه امام مجلس حقوق الانسان عام 2016 وامام لجنة القضاء على التمييز العنصري لعام 2014 بالقضاء على كل اشكال التمييز، ومن ضمن التعهد وضع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وذلك في اطار الاجابة على اسئلة قدمها مندوبو بعض الدول حول “شبهات بممارسات عنصرية”.. غير ان المتابع للعلاقات الفلسطينية اللبنانية يلمس ان هذه العلاقات تفتقر الى الثقة واحيانا الى الصراحة وتفتقر الى التوازن في معالجة الكثير من الثغرات التي يجب معالجتها، اذا ما اريد لهذه العلاقات ان تتعزز وتتطور .
نماذج كثيرة من التمييز السلبي يحفل بها تاريخ العلاقات الفلسطينية اللبنانية، وهي ليست مسألة شخصية او تنطلق من افراد بل حالة عامة تصل احيانا الى مستوى تشريعها بقوانين ومراسيم حكومية وقرارات وزارية وادارية.. وهذا ما يجعل من مسألة مواجهة عقلية التمييز مسألة في غاية الصعوبة، بل ان صمت المؤسسات المعنية عن معاقبة وملاحقة من يقومون بممارسات تمييزية انما يشكل تشجيعا للبعض على مواصلة ممارساتهم طالما ان ليس هناك من رادع لها.
ولنا ان نستعرض بعض اوجه ونماذج التمييز ضد فلسطينيي لبنان:
1) عندما انتهت الحرب الاهلية بتوقيع اتفاق الطائف بين الاطراف اللبنانية المتصارعة، اقرت الدولة استراتيجية وطنية قضت بمعالجة مشاكل الشباب من اولئك الذين كانوا في عداد الاحزاب، المليشيات، فتم استيعاب معظمهم اما في المؤسسات العسكرية والامنية او في الوزارات والمؤسسات المختلفة. ومن الطبيعي ان لا يتوفر مثل هذا الحل بالنسبة للاجئين الفلسطينيين الذين وجدوا انفسهم امام مخيمات مدمرة وآلاف المهجرين الذين لم يتم استيعابهم في الاستراتيجية الوطنية للدولة اللبنانية..
2) عام 1987 الغى مجلس النواب اللبناني وبمادة وحيدة اتفاق القاهرة الذي كان ينظم الوجود الفلسطيني في لبنان، مما اعاد الحالة الفلسطينية الى ما قبل العام 1969 لجهة عدم وجود مرجعيات قانونية ترعى شؤون الوجود المدني لآلاف الفلسطينيين. والغرابة ان مجلس النواب الغى في الوقت ذاته اتفاق 17 ايار الذي كان قد وقع بين لبنان واسرائيل عام 1983.
3) رغم ان السمة العامة لأي قانون هي الشمولية وعدم الانتقائية او تقصد فئة معينة، الا ان مجلس النواب اللبناني اقر في العام 2001 تعديلا قانونيا قضى بالسماح لكل جنسيات الارض ان تتملك في لبنان باستثناء اللاجئ الفلسطيني الذي ما زال محروما من حق تملك ولو متر واحد. وقد جاء في نص التعديل القانوني: “لا يجوز تملك أي حق عيني من أي نوع كان لأي شخص لا يحمل جنسية صادرة عن دولة معترف بها أو لأي شخص إذا كان التملك يتعارض مع أحكام الدستور لجهة رفض التوطين”. وطالما ان اللاجئ الفلسطيني هو الوحيد بين المقيمين في لبنان لا يحمل جنسية، فقد بدا واضحا ان هذا التعديل جاء مفصلا على مقاس اللاجئ الفلسطيني في لبنان لمنعه من التملك..
4) في شهر ايلول 2019 اعلن وزير الخارجية والمغتربين، آنذاك، ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل موافقته على “منح المرأة اللبنانية الحق بإعطاء أبنائها الجنسية اللبنانية باستثناء المرأة المتزوجة بالفلسطيني” واضعا ذلك تحت خانة رفض التوطين والخوف على لبنان، كيانا وتركيبة وبنية ديموغرافية..
5) في شهر نيسان 2020 نشرت صحيفة الجمهورية اللبنانية رسما كاريكارتوريا شبهت فيه الفلسطينيين بالفيروس، ما ولد ردود فعل فلسطينية غاضبة، كانت تتطلب من القضاء اللبناني بالحد الادنى استدعاء صاحب الرسم ولفت نظره الى ان ما حصل يشكل سقطة أخلاقية وخطيئة بحق شعب بأكمله..
6) في شهر ايار 2020 اقرت الحكومة اللبنانية اعادة اللبنانيين العالقين في الخارج، بسبب جائحة كورونا. وعندنا حاول احد اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان والذي يعمل في دبي من صعود الطائرة، بعد ان اجرى فحوصات الـ (pcr) وكانت نتيجته سلبية، رفض رجل الامن صعوده الى الطائرة، رغم انه كان يحمل وثيقة سفر صادرة عن السلطات اللبنانية وممهورة بدعوة للسفارات اللبنانية في الخارج بتوفير كل المساعدة لحاملها..
7) بتاريخ 22 حزيران 2020، صدر تعميم عن نقابة الصيارفة في لبنان في اطار معالجة تداعيات انهيار العملة اللبنانية، اشار الى الشروط المطلوبة للحصول على الدولارات من محال الصرافة، واشترط حصر هذا الامر فقط بالمواطن اللبناني دون سواه، رغم ان اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يعيشون المشكلة ذاتها وان المشكلة الاقتصادية تنعكس عليهم بذات القدر التي تنعكس على اللبنانيين، ان لم تكن باضعاف مضاعفة.
انطلاقا من كل ذلك، فلا يمكن النظر الى ممارسات التمييز ضد الفلسطيني في لبنان الا باعتبارها ثقافة تترسخ بشكل مؤثر في ذهنية بعض اللبنانيين الذين لا يجدون بالفلسطيني سوى خطر داهم ويجب التخلص منه بأي شكل كان. وهذه مسألة نضعها برسم قوى السلطة من اولئك الذين يعلنون دعمهم او تعاطفهم مع اللاجئين الفلسطينيين المطالبين بالعمل على تغيير نظرة بعض اللبنانيين تجاه الفلسطيني، الذي ضحى بنفسه في طرابلس في مواجهة احد المتطرفين الذي كان يهم بارتكاب مجزرة في المدينة، والممرضة الفلسطينية التي انقذت سيدة لبنانية وعملت على ولادتها في زحمة السير في منطقة خلدة خلال اقفال الطرق نهاية عام 2019، وغير ذلك من عشرات النماذج التي جسدها فلسطينيو لبنان في تعاطيهم من اخوانهم اللبنانيين..
ان ما يريده الفلسطيني هو ليس ملاحقة هذا او ذلك، او منع اللبنانيين من التعبير عن آراءهم، حتى ولو كانت تطال الفلسطيني، فهذا امر يتعلق بحق كل شخص وحريته في قول ما يشاء، بل ان ما نريده هو تطبيق القانون بشقية، وعلى قاعدة العدالة للجميع.. خاصة وان الكثير من القوانين اللبنانية تجرم الافعال والممارسات التي يشتم منها رائحة التمييز العنصري ومنها قانون البثّ التّلفزيوني والإذاعي وقانون المطبوعات وقانون العقوبات.. والا فكيف نطالب الفلسطيني باحترام القوانين اللبنانية طالما ان كثيرا من هذه القوانين لا تنصفه او توضع جانبا حين لا تنسجم ومصلحة السياسيين من ابناء هذ الطائفة او تلك.