وكان لا بد ان تسقط شفاعمرو….هذا الاسبوع قبل 72 عاما
تاريخ النشر: 18/07/20 | 18:41المحامية تغريد ابو رحمة جهشان
شفاعمرو- يافا
أحداث مهمة قبل سقوط شفاعمرو
في هذه الايام ,والقلب يثقل يوم بعد يوم مع سقوط مدينة بعد مدينة , في شهري نيسان وآيار من سنة 1948 , حيفا ويافا وعكا وصفد وقرية بعد قرية دير ياسين والطنطورة والبصة وغيرهم , بعمليات احتلال جائحه مخلفة ورائها نكبة فلسطين. ما هو حال مدينة شفاعمرو واهلها في هذه الايام ؟ ماذا خبأ لها القدر ؟ متى سقطت المدينة ولماذا ؟
قبل سقوط مدينة شفاعمرو في مثل هذه الايام السوداء من شهر تموز 1948 كانت البلد تعيش بحالة من الذعر بعد الهزيمة الموجعه في معركة هوشة والكساير, بلدات صغيرة بجوار شفاعمرو , بين 18-15 من شهر نيسان 1948 وبعد ان خلت من اية قوة عسكرية منظمة مدافعة تُذكر بعد انكسار وانسحاب قوات جيش الانقاذ فوج جبل العرب بقيادة شكيب وهاب في يوم 1948/5/22 وتوافد اللاجئين من المناطق القريبة التي احتلها اليهود وخاصة من مدينة حيفا بما ان الكثير من سكانها كانوا من الشفاعمريين الذين انتقلوا للعيش بها عند ازدهار المدينة بحثا وراء لقمة العيش ,اضافة الى اهالي هوشة والكساير وسعسع .
ولعل سقوط مدينتي الرملة واللد في هذا الاسبوع ايضا من سنة 1948 (12-14 تموز ) كان له التأثير الكارثي على الأوضاع النفسية للفلسطينيين ومعنويتاهم وطبعا على اهالي شفاعمرو كجزء لا يتجزأ من هذا الشعب . وقد جاء على لسان السيد ناجي فرح, شفاعمري مقيم في كندا ومؤلف كتاب تاريخي عن مدينة شفاعمرو ” ذكريات مهاجرة “, من خلال مقابلة اجراها معه السيد وليد ياسين ونشرت على موقع الحوار المتمدن عدد 2998 : ” دار الدر كانوا يملكون مكبر صوت , وكانوا يضعونه على الشرفة ,وحين يحين موعد بث النشرات الاخبارية الثلاث في الصباح وعند الساعة الواحدة ظهرا ومن ثم الساعة السابعة او الثامنة مساء كانوا يبثون النشرة عبر المكبر فتجد “باب الحواصل” يعج بالناس , كلهم ينصتون الى الاخبار. وكان اكثر خبر اثر فينا هو خبر سقوط اللد والرملة ……لقد شعر الناس بالانكسار…شعرت بانكسار ابي وانكسار الناس …والخوف الذي اجتاح نفوسهم كان بالغ الوضوح .فبسقوط اللد والرملة تضاءل الامل بأي انجاز …”
زد على ذلك اخبار المجازر التي نفذت بحق الاهالي الآمنين في فلسطين : دير ياسين ,الطنطورة ,ابو شوشة في منطقة الرملة وغيرهم ولعل اصعبها التي وقعت بهذا الاسبوع في اللد يوم 1948/7/10-9 التي راح ضحيتها 250 قتيلا في الشوارع وداخل البيوت الآمنه و426 قتيلا من المواطنين الذين احتموا في مسجد دهمش وسط المدينة .
بداية سقوط شفاعمرو مرتبطة بشكل عضوي بمعركة هوشة والكساير البطولية كما ترددت على سماعي منذ الصغر والتي سبقتها المعركة على رمات يوحنان والنصر المدوي لجيش ” فوج جبل العرب ” 14-12 نيسان 1948 بقيادة شكيب الوهاب الذي وصل الى البلدة في نهاية شهر آذاروأقام بها مع فرقة عسكرية يصل عددها 500 محارب من الدروز من سوريا ولبنان الذين تطوعوا في اطار جيش الانقاذ , , معركة تستحق الكثير من الدراسة لغرابتها في محاولة لفهمها ان كان ذلك بالامكان .معركة انتصار هللت لها البلدة لتذرف بعدها بيومين الدموع الغزيرة على انكسار مؤلم وضحايا وجرحى وانهزام معنوي واستراتيجي بمعركتي الكساير وهوشه حاميات الوطيس. هذا الانكسار فتح الطريق لاحتلال مدينة شفاعمرو 1948/7/14 دون مقاومة تقريبا بحملة يهودية دعيت “ديكل” لتكمل بعدها احتلال بلدان فلسطينية استراتيجية اخرى مهمة ومنها صفوري والناصرة. للمعركة اهمية اخرى اذ تعتبر بنظر بعض المؤرخين بداية التحالف اليهودي الدرزي وهي ليست في نطاق هذا المقال ربما مقال آخر. ولكن نقطة واحدة لا بد من اثارتها بهذا الشأن ,دور القائد شكيب وهاب في هذه الهزيمة. وهل الخطأ الذي ارتكبه عند ترك جيشه هوشة والكساير ليحتلها اليهود هو خطأ استراتيجي ام خيانه مدبره خاصة في اعقاب اجتماع بعض من رجاله مع مسؤولين يهود الذين مهدوا لاجتماعه مع قادة المنظمات العسكرية اليهودية . ورد في كتاب البروفيسور المرحوم قيس ماضي فرو “دروز في زمن “الغفلة” من المحراث الفلسطيني الى البندقية الاسرائيلية ” صفحة 190 ان ستة من قادة فوج جبل العرب انضموا لاحقا للقوات اليهودية . المرحوم قيس فرو يعاود قراءة تاريخ الطائفة الدرزية بشكل مصحح Political Correctness للكثير من روايات الارشيف اليهودي مستحقا بجدارة اعتباره من المؤرخين الدروز الجدد. (على نمط المؤرخين اليهود الجدد : بيني موريس وبابه ايلان وغيرهم مع التحفظ على الاختلاف معهم )
السيد الياس جبور,مؤرخ معتبر للمدينة وله العديد من المؤلفات, ابن المرحوم جبور جبور رئيس البلدية ابان حرب 1948, يروي في الموقع الرسمي لحزب التوحيد العربي من يوم 2013/4/22 تحت عنوان “نصب تذكاري في شفاعمرو لشهداء معركة هوشه والكساير ضد الهاغانا الصهيونية ” ان اديب الشيشكلي وقد كان على رأس لواء اليرموك الثاني بجيش الإنقاذ في معارك فلسطين سنة 1948 الذي يتبع له فوج جبل العرب وشكيب وهاب, حضر خصيصا لشفاعمرو استجابة لنداء الاستنفار لتعزيز فوج جبل العرب الا انه وصل متأخرا وكانت المعركة قد حُسمت . وفي بيت رئيس البلدية المرحوم جبور جبور التقى الشيشكلي وشكيب وهاب كما جاء على لسان السيد الياس جبور وقد جرى نقاش حاد بسبب طلب الشيشكلي توضيحا للهزيمة “… اعتبره شكيب بك وضباطه سؤالا استفزازيا وثارت ثائرتهم …. وانقض كمال بك ابن شكيب وهاب على الشيشكلي مدافعا عن شرف ابيه وشاهرا مسدسه في يده لولا ان جبور تلقاه في صدره ووقف حائلا بينهم …” اديب الشيشكلي اصبح رئيسا لسوريا سنة 1953 لفترة قصيرة .
سقوط شفاعمرو
نعود مرة اخرى للاعتماد على رواية السيد الياس جبور كما وردت في مقاله “احتلال شفاعمرو يوم 14 تموز 1948 ” الذي نشره في جريدة الاتحاد يوم 2009/12/16 “بتاريخ 13-14 تموز عام 1948 بدأ الهجوم على شفاعمرو … وما ان بدأ سماع اصوات الرصاص وأزيز القنابل والمدافع حتى أخذ يهرب على عجل كل من بقي فيها….ولعل من الطريف ان نذكر هنا ان اول من هرب كانت الحامية الصغيرة التي لا تتعدى الثلاثة او الاربعة جنود من فلول جيش الانقاذ ….استفاق الناس على ازيز الرصاص وبعض القذائف تتساقط عليهم فيهرعون مذعورين وبلا وعي …وكانت القوات اليهودية تزحف نحو البلدة تتقدمها المدرعات وقد اصابت قذائفها بعض المباني , وكان اطلاق النار مباشرا وكثيفا …وقد سقط خلال احتلال شفاعمرو بعض الشهداء منهم المرحوم جوزيف الحماتي وقد قتلت ايضا المرحومة “حاجة” زوجة داهود الخورية ”
الجنود اليهود بقيادة بن دونكلمان دخلت المدينة من ضاحية الدروز, وتشير الوثائق المحفوظة في الارشيفات الاسرائيليه والكتب الذي تم تأليفها مِن مَن شارك بالمعركة من الطرف اليهودي, انه كان هناك اتفاق على ذلك مع بعض من وجهاء الدروز في البلدة على ان يقوم الدروز من حاملي الاسلحة باطلاق الرصاص من فوق رؤوس اليهود للتمويه وكأنهم في معركة معهم وبذلك تفتح امامهم الطريق للوصول الى منطقة سكنى المسلمين دون ان يمسهم أي اذى .
Ben Dunkelman ,Dual Allegiance:An Autobiography (New York:Crown Publishers,1976 )
صفحة 261-252 . מרדכי שיכפיץ , לפאתי מזרח בלבב פנימה – בית בית שיכפיץ ומדליה ,קרית ביאליק גדרות , 1992 .صفحة 283- 279 .وقد جاء في كتاب شيخبيتس صفحة 283 انه وفي الساعة الرابعة والنصف صباحا عندما كانت المعركة قد انتهت ” كنا (شيخبيتس وغيورا زايد وامنون يناي ) نجلس في شرفة بيت الشيخ صالح …. نتناول الفطور ” هذا ويشكك البروفيسور قيس فرو بكل هذه السرديات والتحليلات التي بني عليها التعاون الدرزي في كتابه اعلاه صفحة 184-180 .
في تلك الليلة الظلماء يقول ناجي فرح في المقابلة اعلاه ان والده سليم فرح جمع اولاده لبيب وناجي وليلى وبهية وسلمى ” عندما بدأت المدافع تقصف المدينه … أكثر من 75 قنبلة سقطت على البلد , وكان واضحا ان الهجوم على البلد بات قريبا . …فتح والدي محفظته واخرج كل ما احتوته من نقود … وكان واضحا مدى ارتعابه خوفا علينا . قال ” يابا اطلعوا من هون ” قلنا :” الى اين ؟” قال : ” لا اعرف , المهم اطلعوا من هون “. …” لا اريد ان اراكم تقتلون امام عيوني , ولا ان ارى اخواتكم تغتصبن امامي , انتم اخرجوا وانا وامكم واختكم الكبيرة سلمى باقون هنا” …وأطلعنا , لم يكن امامنا اي مفر .. وجدنا الدبابات امامنا . اجتزنا الطلعة المحاذية لدار رحيب حداد , ودخلنا الى السوق , ومن هناك واصلنا الى الكنيسة . نظرت الى ارجاء الكنيسة التي كانت تعج بالناس , من مختلف الفئات والطوائف , ورأيت عمي ابو الياس (واكيم فرح ) هذا الذي كان وجيها من الوجهاء الكبار في البلد , وبمرتبة المختار ابو حمادة , وحسين النمر , هذه الطبقة الطيبة …هذا الرجل الذي كنا ننظر اليه كما لو كان جبلا في الصمود والهيبة , رأيته يجلس على الارض منهارا قلت لنفسي :” يا لطيف , لقد اصبح هذا الرجل جبلا منهارا … شعرت بالفزع , فاذا كان عمي هذا الذي كنت اشعر بأن الهيبة تقطر من أذياله , كما يقولون , أراه منهارا امامي , فكيف بحالي انا الولد … لقد ازداد انهياري ….” .
لطالما تذكرت هذه القصة التي كان يرويها لنا السيد ناجي فرح (زوج اختي) لم انساها حتى في اسعد لحظات حياتي ناهيكم عن لحظات حياتي المتشائمة مثل هذا الاسبوع وكل ما تذكرت نكبة فلسطين والمذابح بحق السكان الابرياء وتشريد اللاجئين . فعلى سبيل المثال وصل عدد اللاجئين مع عائلاتهم من مدينة شفاعمرو سنة 1998 ما يقارب 26000 نسمة مشردين بالخيام والمخيمات في الحر والبرد وبيوتهم واراضيهم مصادرة منهم .
لا يمكن انهاء المقال دون ذكر المحاربين الذين استشهدوا في سبيل الوطن اذ يشهد التاريخ على استبسال فوج جبل العرب بالدفاع عن هوشه والكساير وكذلك الكثير من الفلسطينيين الذين هبوا للمشاركة بالمعركة ومنهم الكثير من شفاعمرو وبلدان اخرى : الرامة يركا وبيت جن وغيرها . وقد استشهد وجرح الكثير في هذه المعركة ومنهم من ابناء البلد. ويحق لهم علينا التكريم والاعتبار وقد كتبت اسماء شهداء شفاعمرو الذين سقطوا بالدفاع عن ارض الوطن على النصب التذكاري الذي اقيم امام بلدية شفاعمرو : حسن خضر, احمد برغيت, محمد فارس حمدان , فارس سعيد حمدان ,حسن جمال , يوسف حسن جمال , محمود ذياب صديق, فضل لويس , يوسف شعبان , جميل خطيب , لويتا نمر حسين , ابراهيم موسى حصري ,جوزيف نايف حماتي , موسى عيسى ناصر, احمد اليوسف طربيه , صالح يوسف خنيفس , سليمان ابو رعد , صالح شوفانيه . يضاف اليهم نعيم سليم غالي الذي استشهد اثناء عمله كسائق على حافلة لنقل العمال الى حيفا في اول سنة 1948. اقتباس من مقال السيد زاهد حرش المتابع لتاريخ مدينة شفاعمرو والمدون له ,والذي رفع صوته عاليا للحفاظ على النصب التذكاري ” شفاعمرو :تاريخ واسماء ووطن (4)” – الحوار المتمدن عدد 619 يوم 2003/10/12 .
حكايات سقوط شفاعمرو ونزوح السكان منها فارين ذعرا من وحشية المحتل “برحلات” شاقة الى البلدان او الدول المجاورة و”التسلل” للعودة الى الوطن بحاجة الى توثيق. يُذكر بهذا الصدد كتاب الشفاعمري المقيم في بريطانيا السيد الياس نصرالله ” شهادات على القرن الفلسطيني الاول ” دار الفارابي – بيروت , 2016 . وكتاب آخر كنت قد كتبت عنه بالسابق في جريدة السلام مقالا تحت عنوان ” هناك في نهر البارد ….شفاعمريون ” Self –Published , (Cold River) Nahr AI-Bard Jana Kotaishova,
يكتب الدكتورالمرحوم ابراهيم فريد الدر ابن شفاعمرو الذي ترك البلد سنة 1950 بسبب الاوضاع الصعبة والملاحقة والحكم العسكري في كتابه ” شفاعمرو, فسطاط صلاح الدين الايوبي ” مطبعة كل شئ (ص.ه.ر) حيفا . الطبعة الثانية 2008 “تركت اهلا وبيتا وخلّانا وما حملت الا ذكريات … نظرت بقلب باك الى اخوة واخوات نائمين , ما ايقظتهم من نومهم خشية مزيد من الجزع , الى اليوم يختلج القلب حين اراهم في فراشهم , صغارا نياما ” صفحة 220 .
ولعل جملة قصيرة للدكتور ابراهيم الدر صفحة 230 , تعبر بحق وصدق وألم عما حل بالمدينة بعد احتلالها , جديرة بتلخيص سقوط المدينة وانهاء المقال ” ….ولدت فيها حين كان اسمها شفاعمرو , وودعتها , الى غير رجعة , بعد ان سُميت شفارعام ” .
رانية مرجية