قليل من الحكمة الوطنية.. حتى لا يعيد التاريخ نفسه!
تاريخ النشر: 22/07/20 | 7:58فتحي كليب
قبل النكبة في العام 1948، شهدت الحركة الوطنية الفلسطينية، التي اتسمت بطابع تنافسي بين كبرى العائلات، سلسلة من الانقسامات والصراعات بين اطرافها، فيما كانت العصابات الصهيونية تتهيأ للإنقضاض على الحقوق الوطنية الفلسطينية.. ومن هذه العائلات؛ الخالدي، الحسيني، النشاشيبي، العلمي وغيرها..
الانتداب البريطاني، لعب على وتر هذه الانقسامات، وعمل على تغذيتها بطرق شتى، فدعم عائلة ضد اخرى، وبث اخبار حول تعاون هذه العائلة معه، ونشر اخبارا بموافقة هذه العائلة على هذا المشروع السياسي او ذاك واجتمع سرا مع هذا الزعيم بمفرده، وقتل واغتال ليوزع التهم بين العائلات. وهذا ما كان يزيد من سعير الاختلافات والانقسامات، التي لم تكن تحتاج سوى الى شعرة لتقصم ظهر البعير..
واحدة من اسباب هذه الانقسامات كان الصراع على النفوذ، وعدم القدرة على تحديد مكمن الخطر؛ اهو في الانتداب البريطاني ام في الحركة الصهيونية، اهو في الزعامات العربية التي كانت شريكا للإنتداب في بعض اوجهه ام في بعض مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية.. لذلك لا غرابة ان من الاخطاء الكبرى التي ارتكبتها الحركة الوطنية هي عدم ايلاء الاهمية التي تستحق لمسألة السلطة والمرجعية التمثيلية الجامعة..
وإن اختلفت الظروف الراهنة بقواها ومكوناتها واطرافها، الا ان التوصيف يبقى هو ذاته.. الخطر على القضية الفلسطينية اليوم يزداد، فيما الانقسام الداخلي يكبر ويتسع. لكل دولته وامارته، ولكل تجمع مرجعيته، بل لكل قطاع اجتماعي من يمثله وينطق باسمه.. وكل هذه العناوين لا تختلف كثيرا عن تلك العناوين التي كانت سائدة في فلسطين قبل اكثر من مائة عام..
قد لا تكفي اللقاءات الثنائية والثلاثية، وحتى اللقاء ذات الصبغة الجامعة، كي نقول اننا دخلنا المسار الصحيح من الوحدة الوطنية، رغم اهمية هذا النوع من الحوارات واللقاءات التي تريح الحالة الفلسطينية، اقله من الناحية النفسية والمعنوية، لكن في السياسة فنحن نحتاج الى ما هو اكثر واكبر من لقاء هنا وموقف هناك. نحن نحتاج الى العمل في الميدان بشكل وحدوي على ارضية برنامج مشترك تجمع عليه او تتوافق بشأنه كل فئات الشعب الفلسطيني، وهو ما نسميه البرنامج الوطني الذي يجب ان يؤطر ويستثمر كل نضالات شعبنا في جميع الساحات..
رغم ان الجميع يتفق على مكمن الخطر، بشكل يختلف عن مرحلة ما قبل النكبة، ووجود الكثير من عوامل الوحدة والتضامن كوجود الشعب الفلسطيني وكيانيته التمثيلية الجامعة، منظمة التحرير الفلسطينية، واعتراف العالم بحقوقه الوطنية وغير ذلك من نقاط قوة يجب الاستفادة منها الى ابعد حدود ممكنة.. الا انه وللاسف فالممارسة الميدانية لا تؤشر ان هناك من استوعب دروس الانقسام وتداعياته السلبية على كل عناوين القضية الفلسطينية والتي تعتبر، في بعض اوجهها، اكثر خطرا ربما من صفقة القرن..
هل يكفي القول؛ اننا متفقون على ان اسرائيل هي العدو وتحديد مكمن الخطر كي نضع رأسنا في الرمال وننتظر من سيأتينا بعصا سحرية تعيد لنا بعضا مما خسرناه لصالح هذا العدو؟ نحن نحتاج الى البناء على توافقنا عليه حول توصيف المرحلة اولا وتحديد اهداف النضال الفلسطيني وآلياته، لكن هذا بمفرده ايضا لا يفشل مشروعا ما لم يقرن بمشروع مضاد يتصارع مع ما هو مطروح من مشروع سياسي اسمه اليوم “صفقة القرن”.
نحتاج الى كثير من ارادة، ونحتاج الى قليل من الحكمة الوطنية من العائلتين الفصائليتين، كي لا يعيد التاريخ نفسه.
فتحي كليب
بيروت في 21 تموز 2020