الحجر الصحي ام العقلي
تاريخ النشر: 30/08/20 | 11:21تصل البعض من الناس في هذه الأيام رسائل من الوزارات المختصة بضرورة الدخول الى حجر صحي بسبب مخالطة أناس يحملون فيروس كورونا او عندما يكون الفرد عائدا من سفر خارج البلاد، وهذا اجراء احترازي مطلوب لضمان سلامة الفرد، والمجتمع وتعمل السلطات على مراقبة الأشخاص المحجورين، وتلجأ إلى فرض الغرامات على من لا يلتزم بالحجر الصحي، فمن أجل سلامة الأجساد تفرض كل هذه القيود والمراقبة الشديدة والتعاليم الصارمة لضمان الصحة العامة واستمرار حياة الناس والعودة الى الحياة الطبيعية بأسرع وقت ممكن، فهل يمكن أن يتم التشديد في المجتمع على ضمان الحياة بدلا من مظاهر اللعب بالموت التي بتنا نشهدها في كل يوم.
يشهد المجتمع العربي في البلاد ظواهر من العنف والجريمة التي باتت تهدد أمن الناس وسلامتهم، وأصبح الحليم حيرانا إزاء عداد القتلى وضحايا العنف ناهيك عن قتل حياة الأمهات والزوجات والأولاد الذين قتلت حياتهم مع مقتل فرد من أفراد العائلة، ومع ذلك نرى هؤلاء القتلة يتجولون في المجتمع أحرارا، والأدهى أنهم يشكلون مرجعية اجتماعية لحل الأزمات والمشاكل بين الناس.
في مجتمعنا العربي اليوم اصبح كل شيء قابل للانفجار وكأننا نجلس على فوهة بركان، وأي نظرة أو جدال أو حتى شجار بين أطفال في الحارة يجب أن ينتهي بجريمة قتل وإثبات “كرامة” وقبضنة الأطراف، فمن ذا الذي يدوس كرامة العائلة أو من يجرؤ على الاعتداء عليها، ومن ذا الذي تسول له نفسه أن يقول كلمة أو ينظر صوب بيت عائلة فلان او علان.
هل تحجرت عقولنا وأفكارنا وتناسينا قيم الحوار والتفاهم والتسامح والعفو، أم أننا بتنا مسخا من المسوخ تغضب لكل شيء وتثور فينا العصبية وننسى معنى الحياة وجمالها، وهل تقتلنا العصبيات البائدة وتهلكنا المظاهر الزائفة وننسى جمال ألوان الزهور.
قديما قالت العرب ” العقل السليم في الجسم السليم” وهذا صحيح لمن أراد أن يحفظ صحة الأبدان، ولكن الأفضل اليوم ان يقال ” الجسم السليم في العقل السليم” فالعقول المريضة هي التي تنشر الوباء في الأجساد، والعقول المريضة هي التي تنشر الموت والفساد في كل مكان، والعقول المريضة هي التي تصنع من “الحبة قبة” وتضخم كل نقاش او جدال أو كلمة أو نظرة لتجعل منها جثثا هامدة في كل زاوية من زوايا الحياة.
لعله اصبح من ضروريات المرحلة الحالية القادمة أن نتعلم آليات صناعة الحياة والتفنن في التواصل مع الآخرين عبر الحوار من فم إلى فم ومن عقل على عقل وليس عبر أفواه البنادق، الحوار الذي يبين ضخامة العقول ومستواها وليس قوة السلاح.
المرحلة الحالية تتطلب من قيادات المجتمع العربي العمل بشكل مكثف وتكليف لجان للعمل على إنتاج برنامج حياة عبر إعداد برامج تأهيل للفرد والجماعة عبر بناء منظومات فكرية/ اجتماعية/ نفسية راقية تعنى بصياغة العقل وتحريره من عصبياته البائدة التي قتلت فينا كل معاني الحياة، العمل لصياغة برنامج يرافق الفرد من بداية حياته الى مراحل التعليم المختلفة ويعنى بصياغة أساليب التفكير والحوار للوصول إلى معادلة راقية.
وليكن شعارنا في هذه المرحلة أنا وأنت نصنع الحياة ونوزع الفرح ونمنح للدنيا الأمان بدل شعار الناس اليوم إما أنا أو أنت.
محمد سواعد- ابن الحميرة