نحن المسئولون عن سلامتنا أولا
تاريخ النشر: 06/09/20 | 18:18لم يعد يخفى على أحد أن الوضع في البلدات العربية أصبح مقلقا فيما يتعلق بتفشي فيروس الكورونا؛ بعد ان ازدادت حالات الإصابة بالفيروس بشكل ملحوظ، وبعد أن صُنِّفت أكثر من عشرين بلدة عربية كحمراء بحسب خطة “الرمزور” التي تنتهجها وزارة الصحة لمكافحة جائحة الكورونا.
في الموجة الأولى لانتشار الكورونا في البلاد والتي بدأت في آذار الماضي، ظنّ البعض أن العربَ في البلاد يتمتعون بحصانة ضد هذا الفيروس حيث أن نسبة الإصابة به كانت قليلة جدا واعتبرت البلدات العربية بلدات نظيفة منه؛ لكن سرعان ما تبيّن أن لا حصانة ولا مناعة لدى العرب تقيهم من الإصابة بهذا الفيروس، بعد أن انتشرت الجائحة في بلداتهم في الموجة الثانية وازدادت أعداد المصابين به، وبعد أن فقد البعض أحباء لهم وأعزاء على قلوبهم بعد أصيبوا بالمرض ولم يستطيعوا التغلب على شراسته.
وهنا يسأل السؤال: لماذا تمكّنت جائحة الكورونا بأن تفرض نفسها على بلداتنا العربية وتتفشى فيها؟ وللإجابة عن هذا السؤال هناك حاجة للتطرق الى عدة عوامل ومركبات منها: سياسة الحكومة وغياب ممثلين أطباء عرب أو مختصين في الصحة العامة في المجلس الوزاري لمكافحة جائحة الكورونا؛ الازدحام نتيجة الأماكن السكنية المتلاصقة او المتقاربة في البلدات العربية نتيجة ضيق مساحات البناء؛ التقارب الاجتماعي وثقافة المجاملات في الأفراح والأتراح والمشاركة في المناسبات العائلية المختلفة؛ غياب الخوف من شبح الكورونا بعد الخروج من الموجة الأولى بأقل الخسائر الصحية وفداحة الخسائر الاقتصادية. هذه العوامل تتداخل مع عوامل أخرى، وتحتاج الى التوسع لشرحها أكثر؛ لكني أكتفي بذكرها فقط لأتطرق الى أسباب أخرى ساهمت وتساهم في تفشي جائحة الكورونا في البلدات العربية برأيي لا تقل أهمية عن سابقاتها وهي:
1. الاستهتار؛ هناك كثيرون من الأفراد الذين ينكرون وجود فيروس الكورونا أو أنهم ما زالوا يؤمنون بأنه مؤامرة. فعلى سبيل المثال: دخلت قبل أيام الى مكان لغسل المركبات، لغسل سيارتي، فاستقبلني ثلاثة شبانٍ لا يضعون الكمامة. ترددت بالخروج من مركبتي بل وامتنعت عن فتح زجاج النافذة أيضا؛ وإذ بأحدهم يقترب من مركبتي، نقر بسبابته الزجاج لكي أفتحه وعندما انتبه أنني مترددة، قال: ” ما تخافي من الكورونا؛ هاي خرطة كبيرة جابها اللي بتعاطو بالسياسة. لكن أمام إصراري وعدم فتح الزجاج، ذهب وأحضر كمامة وارتداها. مثل هذه الحالة من الاستهتار تكررت كثيرا في مواقف وأماكن أخرى؛ عمّال في محلات تجارية، موظف في أحد البنوك، عمّال في محطات الوقود….
2. الأنانية؛ هناك مَن هُمْ في جيل الشباب وأصحاء، لكنهم مرضى بأنانيتهم. حيث أنهم لا يلتزمون باتباع تعليمات وزارة الصحة من ارتداء الكمامة والمحافظة على التباعد المكاني والاجتماعي وغير ذلك، ويشاركون في مناسبات تضم الكثير من المشاركين، بل في أحيان أخرى يبادرون هم الى إقامة الحفلات احتفاءً بعيد ميلاد، أو تخرج … الخ ظنا منهم أنهم لن يصابوا بالعدوى، وإن أصيبوا، فسيقاومونه بسهوله كما يقاومون الإنفلونزا غير آبهين بسلامة الآخرين المصنَّفين ضمن شريحة خطر الإصابة بالمرض؛ مثل كبار السن و/أو المرضى بأحد الأمراض المزمنة وغيرهم. أما قمة الأنانية والتي لا تُغتفر؛ فهي تلك الموجودة عند هؤلاء الذين أصيبوا بالعدوى وطُلب منهم أن يمكثوا في الحجر المنزلي، لكنهم لم يلتزموا بذلك وراحوا يتجولون في الأماكن العامة ويشاركون بالمناسبات ضاربين عرض الحائط صحة الآخرين.
3. تساهل الشرطة وعدم تشديد الانضباط ضد هؤلاء الذين لا يلتزمون باتباع تعليمات وزارة الصحة؛ فلا يعقل (على سبيل المثال) أن يحضر أفراد الشرطة لأخذ الإجراءات ضد صاحب عرس في احدى البلدات العربية، فيجدوا أنفسهم بعد دقائق يشربون القهوة ويغادرون المكان دون تغريم صاحب العرس.
4. غياب القدوة؛ عندما يشاهد أو يسمع المواطنون ان رئيس مجلس ما أو بلدية ما يشارك ويبارك الاحتفالات بالأعراس؛ أو يشاهدون أو يسمعون عن ممرضات أو أطباء في عيادات صندوق المرضى في البلدات العربية لا يضعون كمامة، أو أن طبيبا في بلد عربي دعا أكثر من 300 شخص لمشاركته بحفل زفافه؛ فإن هؤلاء المواطنون لن يتقيدوا بالتعليمات التي تصدر عن هؤلاء الأشخاص الذين يُفترض بهم أن يكونوا قدوة لهم.
عل أي حال؛ لم أأتي بما أتيت به لأظهر عورات المجتمع العربي، ولا أنا من هؤلاء الذين يحبون جلد الذات؛ وإنما لكي أقول ارحموا أنفسكم وارحموا عائلاتكم وارحموا الآخرين من الإصابة بهذا الفيروس اللعين، ومن النتائج الصحية، والاقتصادية، والنفسية، والاجتماعية الوخيمة الناتجة عن تفشي هذا الفيروس؛ أيضا لكي أناشدكم بأن تأخذوا التزايد بأعداد المصابين بفيروس الكورونا على محمل الجّد، وأن تنفّذوا جميع تعليمات وزارة الصحّة بحذافيرها. نحن المسؤولون عن سلامتنا أولا وقبل كل شيء، في ظل سياسة التمييز، فلنحافظ على سلامتنا.
*****************************
بقلم جميلة شحادة، كاتبة وقاصة من الناصرة