متنفَّس عبرَ القضبان(15)
تاريخ النشر: 15/09/20 | 9:22بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019؛ زرت أحمد وأحمد، باسم، حسام، سامر وسامر، سائد، شادي، طيون، عاصم، كريم، كميل، مروان، ناصر، هيثم، وائل ووائل، وليد، معتز، منذر، وموسى وغيرهم ودوّنت على صفحتي في الفيسبوك انطباعاتي الأوليّة؛ تعاصفنا وتثاقفنا، نعم، وجدت لقائي بهم، بأفكارهم وبكتاباتهم متنفّسًا عبر القضبان.
“دلّول أبو غسّان”
التقيت الروائي الأسير نادر صالح ممدوح صدقة (1)صباح الاثنين 7 أيلول 2020 في سجن “الجلبوع” مباشرة بعد لقائي بباسم، تصافحنا عبر الزجاج، وباغتني بعفويّة مطلقة: “شو جابك لعندي؟”، أجبته بنفس العفويّة: “وصيّة أم عسكر”، فانفرجت أساريره وانكسر ذاك الحاجز الجليديّ وبدأنا بحديث طال لساعتين…وله بقيّة.
حين أنهيت زيارتي لأم عسكر في نابلس يوم السبت الموافق 29 آب 2020 قالت لي: “بالله عليك تزور نادر، تسلّملي عليه وتبوس لي إيّاه”، (كان محور حديثها؛ سمعت عنه الكثير، وهو أحد أبطال مخطوطة رواية الصديق كميل أبو حنيش “الجهة السابعة”)، فقام من كرسيّه وعانقني طويلًا مع الكثير من القبلات لأم عسكر والعائلة.
كتب كميل: “استدعته ذات يومٍ إلى بيتها وكانت قد استدعت ابنتها الوحيدة فداء من بيت زوجها، أجلستها أرضًا قبالة نادر، نزعت الغطاء عن رأس ابنتها وسط دهشة وخجل ابنتها وحيرة نادر وتأثّره وهتفت قائلة لفداء:
“هذا اخوك نادر، من الآن فصاعدًי عليك أن تعامليه كما لو كان أخًا لكِ”.
من يومها صار نادر أخًا لفداء”. وفي لقائنا أضاف نادر أنّ (أبو عسكر) لم يُنصف، ففي ذلك اللقاء الذي وصفه كميل غاب عنه موقف أبو عسكر، نظرت إليه فداء مستغربة من تصرّف والدتها فهزّ رأسه مومئًا بالموافقة والرضى ومباركًا على هذه الخطوة، والأمر ليس بالمفهوم ضمنًا في مجتمع ذكوريّ محافظ، وأضاف الكثير الكثير عن مواقف (أبو عسكر) التي لم يحن الوقت للحديث عنها.
خلال اللقاء حلّق بفضائه الشهداء يامن وأبو وطن، الغائبان الحاضران، حدّثني الكثير عن تلك الأيّام، كيف صار الجميع ينادونه عسكر، وذات يوم شغّل أبو وطن شريط بأغنية “عسكر أسمر، شبه المرمر، لا هو حنطي ولا هو أشقر” وحين عرفت أنّها أغنية للشهيد عسكر من قلقيلية أعادته لاسمه نادر! حدّثني عن صفعة إم عسكر له التي أسالت دمه وهذه حكاية أخرى.
تحدّثنا عن مشروعي “لكلّ أسير كتاب” والحراك الثقافي داخل السجن، وعن أهميّة الرواية الشفويّة وتوثيق حكايا أسرانا وأنسنة قضيّتهم بعيدًا عن الأسطرة.
كان اللقاء مثيرًا، له مذاق آخر، ولكن مرّت ساعتان بسرعة مذهلة وأنهيناه لألتقي بأسامة.
لك عزيزي نادر أحلى التحيّات، على أمل أن يكون اللقاء القادم في حيفانا مع أكلِة ملّيطي كما تشتهي…وتوابعها.
“للسجن مذاق آخر”
التقيت الأسير أسامة محمد علي الأشقر (2) في سجن “الجلبوع” مباشرة بعد لقائي بباسم ونادر، بناءً على توصية صديقي الشاعر سميح محسن.
تحدّثنا عن مشروعي التواصليّ مع أسرى يكتبون و”لكلّ أسير كتاب”، ظروف الأسر والعلاقة مع الخارج، تجاهل قضايا الأسرى والوعود الرنّانة دون رصيد، الرسائل التي يبعثها أسامة لتحريك قضيّة الأسرى والاهتمام بها، مشروعه التواصليّ مع أدباء من شتّى أرجاء العالم العربيّ وأهميّته، ومقاطعة الصديق الروائي أحمد أبو سليم للجوائز التطبيعيّة، حدّثته بدوري عمّا يقوم به الصديق خالد عز الدين من عمل جبّار في نشر أخبار وأقلام أسرانا في الإعلام الجزائري ومنه إلى العالم بأسره.
تناولنا مشروعه الثقافيّ، مولوده المنتظر “للسجن مذاق آخر”، استعراض لحروب من نوع آخر، مسيرته الاعتقاليّة حتى الإفراج وحروب الظلّ والمخفي ممّا يتعرّض له الأسير داخل السجن.. وخارجه.
توفي والده دون فراق أو عناق ورثاه: “والدي غبتَ وما غابت شمسُكَ يا قدوتي، غبتَ وبقي طيفك يطوّقني، صدى صوتكَ ما زال في أذني أسمعهُ يقول لي اعمل ما تشاء، فلم تمنعني في يومٍ من الأيامِ عن إداء واجب الوطن، كلماتك في أذني ما زالت حاضرة، اعمل الخيرَ في كل الأوقات، كلماتك تُطرز بماء الذهب لا شيء يذهب هباء فكل عملٍ عند الله باقٍ”.
تحدّثنا مطوّلًا عن أهمية كتابة حكايا الأسرى وإيصالها لكلّ حدب وصوب، لمن يسمع ولمن لا يريد أن يسمع، هناك خيرة شبابنا تئِنّ في الزنازين، لكلّ منهم همومه وعائلة تنتظره…وأمل.
كان اللقاء مثيرًا، ولكن آه من عدّونا اللدود، ذاك الوقت الذي يقف لنا بالمرصاد.
لك عزيزي أسامة أحلى التحيّات، على أمل أن يكون اللقاء القادم يوم السبت 14.11.2020 في حفل إشهار إصدارك الأوّل.
حسن عبادي
أيلول 2020
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
[1] الأسير نادر صالح ممدوح صدقة من مواليد 1977، أُعتقل يوم 17 آب 2004، حكمت المحكمة العسكريّة الإسرائيليّة بحقّه حكماً بالسجن المؤبد 6 مرّات و 38 عامًا.
[2] الأسير أسامة محمد علي الأشقر من مواليد 1982، أُعتقل يوم 14 تشرين الثاني 2002، حكمت المحكمة العسكريّة الإسرائيليّة بحقّه حكماً بالسجن المؤبد 8 مرّات و 50 عامًا.