طريق الخلاص
تاريخ النشر: 20/11/20 | 9:32محمد سواعد- ابن الحميرة
وهب الله تعالى الإنسان العقل والإرادة لهدف سامٍ، ألا وهو أن يدرك المرء دوره ومركزه في الحياة ويُعمل عقله للنهوض بنفسه ومجتمعه، وعلى قدر كمال العقل يكون كمال المرء وعلو قدره في الدنيا والآخرة، فالعقل هو محور التكليف والحساب الشرعي والقانوني.
وعلى مدار تاريخ البشرية تميز أصحاب العقول النيرة الكبيرة وبرزوا في قيادة الإنسانية إلى بر الأمان في الليالي المظلمة، ومن هؤلاء برز الأنبياء والرسل وهم أكمل الناس عقولا وفهما، حيث أرشدوا البشرية الحائرة إلى شواطئ الأمان الديني والفكري والنفسي والاجتماعي والسياسي بل وفي كل ميادين الحياة، وبرز دورهم ليس فقط في زمانهم بل إن أثره يشمل الإنسانية إلى يوم القيامة، وتبعهم في ذلك المصلحون والمربون والموجهون الذين تبعوا طريقهم واستناروا بهديهم وتابعوا مسيرتهم النيّرة.
ومضى تاريخ البشرية بين صعود وهبوط وارتقاء وانحطاط، وصرخ المصلحون على مدار التاريخ في المجتمعات صرخة صدق ونداء حق يدعو الناس للارتقاء بأنفسهم ومجتمعاتهم عن دنايا الأمور والانشغال بعظائمها.
معظم الناس في الحياة إنما تحركهم الأهداف الصغيرة وقلما تجد من عوام الناس من يحمل فكرا كبيرا أو هدفا يسع الناس جميعا، وإنما تكون اهتمامات الناس ورغباتهم وفق مستوى تفكيرهم وإدراكهم، فهدف العالم غير هدف الجاهل، وهدف المتعلم أكبر من هدف الإنسان البسيط في غالب الأحيان، لذا فإن الأنبياء والرسل والمصلحون والدعاة هم ملح الأرض وهم منارات الشعوب إلى شاطئ الأمان لما يحملون من فكر وعلم ومعرفة وإدراك.
والمتتبع لسيرة الأنبياء والمصلحين في تغيير الفكر يجد أن الأمر لم يمر بسهولة وسلاسة كما قد يتصور البعض، فالإنسان عبد لما اعتاد عليه، وقد عانى الأنبياء من تعصب مجتمعاتهم لموروثات الآباء والأجداد حتى وإن كانت لا تصلح لقيادة مجتمع أو إصلاح دنيا ودين، (وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ ۖ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ (24)) الزخرف.
ففي هذه الآيات نلمس صراعا بين التعصب والتطوير، بين فكر النبي الذي أراد أن يصلح ويغير الواقع وبين فكر قوم تعصبوا للموروث البالي، فالقوم يردون دعوة نبيهم بحجة أنهم وجدوا آباءهم على سيرة وطريقة والنبي يحاورهم ويبين لهم أرأيتم لو جئتكم بطريق وسيرة افضل مما وجدتم عليه آباءكم وأجدادكم، فيرد القوم بصيحة الكبر والعناد أنهم كافرون رافضون بكل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا عانى الأنبياء مع أقوامهم ومجتمعاتهم، فالنبي موسى عليه السلام الذي جاء ليخرج بني إسرائيل من العبودية والذل وإذا بقومه يردون عليه: (قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) الأعراف؛ 129)، إلى غير ذلك من المواقف التي آذوا فيها نبيهم عليه السلام.
كما أن المصلحين والدعاة ورثة الأنبياء عانوا الأمرين في مجتمعاتهم لما حملوه من مبادئ الإصلاح والتغيير في مجتمعات ألفت الذل والهوان، فسجن المصلحون وشردوا في الآفاق ومنهم من مات في سجنه وغربته.
إن طريق النجاة والخلاص الذي ننشده اليوم في مجتمعنا العربي والإسلامي إنما يكمن في النظر العقلي والإدراك العميق لخطر ما يمر به المجتمع وانعكاس ذلك على الواقع والمستقبل، ثم صياغة فكر جماعي وإرادة اجتماعية واعية نحو الإصلاح والتغيير عبر قراءة مبصرة واعية لتاريخ نهضات الشعوب وانحطاطها عبر التاريخ، ولعل من نافلة القول أن المجتمعات عندما تؤمن بفكرة الإصلاح وتلتهب مشاعرها نحوها فلن يقف في وجهها أي طاغوت مستكبر؛ (قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا؛ طه 72).