قراءة في السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط فترة إدارة بايدن
تاريخ النشر: 02/12/20 | 12:50بقلم البروفيسور إبراهيم أبو جابر
تتصدّر القضايا الداخلية في الولايات المتحدة الأمريكية عادة سلّم البرامج الٍانتخابية لمرشحي الرئاسة، أما القضايا الخارجية فتبقى ثانوية، ففي الحملة الاٍنتخابية الأخيرة للعام 2020 ركّز جو بايدن الفائز في الاٍنتخابات الرئاسية في حملته على جائحة كورونا، التي أثرت سلبا على الاٍقتصاد الأمريكي، ثم قضية العدالة الاٍجتماعية.
وكان بايدن قد عبّر عن نيّته العودة اٍلى مقاربات السياسة الخارجية الأمريكية التقليدية التي انتهجتها أمريكا منذ مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، بعد سياسات ترامب التي تعارضت مع مبادئ وقيم السياسة الأمريكية لسبعة عقود. ولعل أهم ركائز سياسة ترامب مبدأ “أمريكا أولا” الأمر الذي أضرّ كثيرًا بمنظومة التحالفات والشراكة الأمريكية مع كثير من دول العالم، ودفع نحو رفع روح الكراهية لدى الشعوب للولايات المتحدة، وزاد من أعدائها على الساحة الدولية، ناهيك عن سياساته الداخلية وموقفه من جائحة كورونا غير الاٍيجابي والتمييز ضد الأمريكيين من أصول أفريقية.
أما السياسة الخارجية الأمريكية نحو الشرق الأوسط فترة الرئيس بايدن فيبدو أنها ستتغيّر عن سابقه ترامب اٍلا أنها ستبقى محكومة بسياسة إدارة أوباما الخارجية السابقة مع اٍجراء عمليات تجميل طفيفة عليها. ومن أهم الملفات التي ستحظى باهتمام إدارة الرئيس بايدن، ما يلي:
أولا: الملف النووي الإيراني، فإدارة بايدن كما يُستشف من تصريحات بايدن نفسه ستلغي انسحاب أمريكا من قائمة الدول الموقعة على الاٍتفاق النووي الإيراني، ولكن واشنطن واٍرضاءً للطرف الإسرائيلي ستسعى اٍلى إضافة فقرات معينة وشروطًا محدّدة للحد من التسلح الإيراني، ثم سيقدم بايدن على اٍلغاء العقوبات المفروضة على طهران، مع الاٍحتفاظ بموقفها المعادي لنظام الحكم هناك.
ثانيًا: العلاقات الأمريكية الخليجية، حيث سيشهد الخليج تحوّلًا في السياسة الأمريكية خاصة بالأزمة في اليمن، فمن المتوقع وقف الحرب هناك ونقل السلطة لليمنيين، لا بل قد ينهي بايدن مقاطعة دول التعاون الخليجي لقطر، لكنه في المقابل سيدعم الوجود الإسرائيلي في الخليج ويحد من التمدد التركي هناك.
ثالثًا: الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، فما يتوقعه المراقبون قيام إدارة بايدن بإعادة تموضع القوات الأمريكية في الإقليم بما يضمن مصالح أمريكا ومواصلة الحرب على ما تسميها واشنطن حركات إرهابية، بخاصة الإسلامية منها. يبدو أن إدارة بايدن ستواصل التدخل في شؤون دول المنطقة بطرقها الخاصة المباشرة أحيانًا، وغير المباشرة أحيانا أخرى بناءً على نظرية الأمن القومي الأمريكي، ووقوفًا إلى جانب حلفائها في الإقليم وعلى رأسهم الطرف الإسرائيلي وما تُسَمى بدول الاٍعتدال العربية.
رابعًا: الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فقد تصرّف ترامب خلال اٍدارته بغير رقيب ولا حسيب ابتداءً من نقل السفارة الأمريكية اٍلى القدس، و”صفقة القرن” واتخاذ إجراءات صارمة في حق الفلسطينيين منها قطع المعونات المالية عن السلطة الفلسطينية. إن المتوقع من إدارة بايدن هو العودة للدبلوماسية التقليدية في تعاملها مع هذا الملف الشائك. فلن يعيد بايدن السفارة إلى تل أبيب، ولكنه سيعود اٍلى سياسة الترضية واللعب على جملة من القضايا تصب في جلها في مصلحة الإسرائيليين، مثل العودة لدفع المعونات المالية للفلسطينيين وإعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، ودفع المستحقات المالية للأونروا، والدفع نحو عودة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لطاولة المفاوضات، وإطلاق تصريحات مؤيدة لحل الدولتين ووقف الاستيطان لطمأنة الطرف الفلسطيني فقط. هذه الإجراءات وغيرها لن تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية، ولا عودة الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني، ولكنها ستدعم الوجود الإسرائيلي في المنطقة.
خامسًا: العلاقات الأمريكية التركية، فالسياسة الأمريكية نحو تركيا يبدو أنها ستتغيّر عما كانت عليه فترة إدارة ترامب، وذلك بالتراجع عن السكوت عما يقوم به أردوغان في منطقة شرقي المتوسط وليبيا والتقارب مع روسيا. اٍن المتوقع في هذه الحالة تهديد أمريكا لأنقرة بفرض عقوبات عليها وسحب بعض الاٍستثمارات الأمريكية، وتهديد من يتعامل معها مما سيؤثر سلبيًا على قيمة صرف العملة التركية وتراجع نسبة النمو الاٍقتصادي في تركيا.
وأخيرًا، هناك إجماع على حصول بعض التغييرات المتوقعة على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، إلا أنها ستبقى داعمة للوجود الإسرائيلي وتمدّده في الإقليم، ولممارساته ضد الفلسطينيين ورفضه إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهذا طبعًا لن يثني الشعب الفلسطيني عن الاٍستمرار في صموده ومطالبته بحقوقه الشرعية.