مبادئ الإصلاح:
تاريخ النشر: 05/12/20 | 7:39محمد إبراهيم سواعد- ابن الحميرة
علم إصلاح النفوس وتقويمها وتهذيب طباعها يعد أعقد وأصعب العلوم الإنسانية، وذلك لأنه يتعامل مع النفوس المختلفة والطباع المتفاوتة، ولكل امرئ أو مجموعة من الناس ثقافتهم وتقاليدهم وعاداتهم التي ورثوها كابرا عن كابر.
وأعظم السبل وأقومها وأصدقها إلى تقويم السلوك الإنساني وإصلاح الطباع هو العامل الديني الرباني، وذلك أن الدين هو منهج الله تعالى الذي ارتضاه لعباده الذين خلقهم وهو جل وعلا أعلم بمدارك نفوسهم ومداخل الهوى والشهوات إليها؛ (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) الملك، 14، وفي هذه الآية بيان لسعة وعمق معرفة الخالق جل وعلا بنفوس عباده، لذا فهو أعلم بما يناسب هذه الفطرة ويستقيم معها وما يفسدها ويصدها عن السبيل المستقيم.
ومن أجل إصلاح البشرية وتقويم طريقها أنزل الله تعالى الكتب وبعث الرسل تترا، (رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما) النساء؛ 165)، وكان كل رسول يكمل طريق من سبقه ويبني فكره الإصلاحي على منهج من سبقه من الأنبياء والمرسلين؛ ولم يطعن نبي أو يقدح فيمن تقدم عليه من إخوانه الأنبياء، بل أكمل الواحد منهم الآخر حتى اكتمل عقدهم وتمت رسالتهم بمبعث محمد عليه الصلاة والسلام، بل إن الواحد منهم كان يطلب العون في الدعوة من إخوانه ورفقاء دربه، وهذا ما كان من نبي الله موسى عليه يدعو ربه أن يجعل أخاه هارون نبيا يعينه على دعوة ربه (وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي* هَارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي* كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً* وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً* إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً) طه، فهو يدعو لأخيه بظهر الغيب أن يكون نبيا يعينه في طريق دعوته.
إن مبادئ الدين هي أنسب وأقرب وأسهل الطرق لعلاج أزمات النفوس وإصلاح ما فسد منها، وذلك يكون عندما تتكامل جهود الدعاة وتتضافر هممهم نحو الهدف، فلا يلعن بعضهم بعضا ولا يطعن بعضهم ببعض، بل يكمل الواحد منهم منهج الآخر بكل حب وسرور، وذلك إنما يكون عندما يدرك الدعاة والمصلحون معنى الرسالة ودورهم في نقلها إلى الإنسانية ناصعة بيضاء مشرقة مثل الشمس في رابعة النهار.
الإنسانية في سيرها التاريخي نحو تحقيق ذاتها ستخلد أولئك العظماء الذين قدموا لها ترياق الحياة عندما تجرعت الهموم والغموم والأحزان، وتكتب أسماءهم على لوائح الشرف وتحفر ذكرهم في عمق وجدانها، أما أولئك الصبية المشاغبون الذين يملأون الدنيا ضجيجا فهم إلى مقابر النسيان عندما تغادر البشرية تلك الغدران التي يصدر منها صوت الضفادع.
فطريق الإصلاح إنما يكون؛ عندما تدرك الإنسانية مصدر سعادتها وسبب شقائها، ثم تتضافر جهود الدعاة والمصلحين أصحاب العمق الفكري والاستيعاب الدعوي الذي يسع الناس جميعا، فالدعوة الدينية الإصلاحية جاءت من الرب الذي خلق الناس جميعا لخلقه جميعا، وفي مقدمة طرق الإصلاح صدق التوجه وحسن السير وعظمة الأخلاق.