مقومات النهوض
تاريخ النشر: 07/01/21 | 10:16محمد إبراهيم سواعد- ابن الحميرة
لا شك أن المجتمعات البشرية تمر بعوارض من المرض والشيخوخة والشباب والعافية تماما كما يمر بها الفرد في المجتمع، وعلى قدر عافية الجسد وصحته وقوته يمكنه تجاوز كل أزمة صحية يمر بها، كذلك العقل والفكر تمر به كل يوم مئات بل آلاف الأفكار منها الطيب ومنها الخبيث، والعقل يتعامل مع كل هذه الأفكار وفق ثقافته وعلمه وقوته، فكلما كان الفكر قويا والعقل سليما أخذ الصالح والطيب من الأفكار والكلام وطرح الخبيث منها، وهذا ما عبر عنه الراحل الشيخ البوطي؛ الجسم السليم في العقل السليم، فكم من عقل معتل مريض أردى صاحبه وأورده موارد الهلاك، ولعل أعظم مشكلة تمر بها الأمة العربية والإسلامية اليوم هي المشكلة الفكرية التي أغلقت علينا الفكر السليم النيّر نحو البناء والإصلاح.
تعيش الأمة العربية والإسلامية ومجتمعنا العربي في البلاد أزمة عقيمة أودت بحياة المجتمع كله، فضاعت موارد الأمة وقتل أبناؤها وشرد الناس من أوطانهم، واغتيلت الأوطان والمجتمعات على مذابح العصبيات القبلية والاجتماعية والدينية وبيعت أوطاننا رخيصة في سوق نخاسة أشد وأنكى من أسواق بيع العبيد.
نحن اليوم نعمل وبلا كلل لعلاج الأزمات التي نعاني منها، ولو وقفنا قليلا في لحظة تفكر وتأمل لوجدنا أن علينا أن نعالج أسباب هذه الأزمات التي وصلنا إليها، فما مثلنا اليوم إلا مثل ربان سفينة دخلت المياه إلى السفينة فحاول بكل جهوده أن يخرج المياه، ولو فكر لحظة لوجد أن عليه إصلاح الشقوق التي تسربت منها المياه، فنحن اليوم لسنا سوى موظفين في دائرة تسمى دائرة إطفاء الحرائق الاجتماعية أو عمال اسعاف نفسيين نعالج الحدث بعد وقوعه، وبعدما وقع الفأس في الرأس، فيا لطول حسرتنا وشدة ألمنا.
ولعل من نافلة القول أن نؤكد أن كل مظاهر الأزمات التي يرزخ تحتها المجتمع العربي بل والأمة العربية ما هي إلا تجليات وبروز عميق لأزمات فكرية عميقة توالت على الأمة والمجتمع ردحا من الزمن، وظهرت اليوم بشكل جلي، وما مثلها إلا مثل مرض خفي أو دُمّل برز في الجسم نتيجة التهاب مزمن في موضع ما من الجسم، فالطبيب الحاذق لا يداوي الظاهرة بقدر ما يبحث عن أسبابها حتى يتأكد من عدم عودتها إلى الجسم مرة أخرى.
وأهم أمر يتقدم على العلاج هو حسن التشخيص للعلة وأسبابها حتى يسهل على الطبيب والمعالج تقديم العلاج الناجع والفعال لكل ظاهرة يتعامل معها، فنحن نرى الطبيب يسأل المريض عن تداعيات المرض والمعالج النفسي يستجوب نزيله عن ظروفه وحياته وكيف وصل إلى هذا الحال، وبعد أسئلة طويلة وجلسات متكررة يبدأ الطبيب والمعالج بإعطاء العلاج المناسب، وربما لا يستغرق العلاج بعدها وقتا طويلا.
تكمن مشكلتنا العميقة اليوم أننا بدأنا بعلاج ظواهر الأزمة وتداعياتها دونما نظر عميق ودراسة علمية لأسبابها، أو أننا أهملنا الدراسات العلمية والأبحاث الأكاديمية التي تشخص لنا الداء والدواء ورحنا نحاول الإصلاح وفق جهودنا وقدراتنا وثقافتنا التي تعالج الظواهر دون الجواهر.
إن أول درجات علاج أي مرض هي صدق المريض مع نفسه في تطبيق تعليمات الطبيب والمعالج، والاستعداد النفسي لقبول الدواء ولو كان مرا، ففي عاقبته الفرج والسعادة، ومشكلة الأمة الإسلامية والمجتمع العربي هو فقدان الحس القيادي الكبير لدى من يتولون إدارة شئون الأمة والمجتمع، الذين هم غالبا ما يتعاملون مع ظواهر الأزمات ويهملون اسبابها وجذورها.
الأمة العربية والمجتمع العربي قادر على أن ينهض ويرمم نفسه بأسرع مما قد يتخيل للبعض عندما يجد القيادة التي توجهه إلى المعالي وتتجاوب مع متطلبات الحياة للعيش الكريم، هذه القيادة التي تعيش الواقع وتقرأ المستقبل وتخطط له بما يناسبه من البرامج.