النكبة الجديدة 2048 وحق العودة الى الذات
تاريخ النشر: 10/02/21 | 11:56د.سلام قدسي
نحن في طريقنا الى نكبة ثانية بدأنا نرى علامتها من خلال ظواهر الشذوذ والعنف والجريمة والتفكك الاسري. في انتظارنا مستقبل “جيل الايتام” لاهل حاضرين غائبين.
شهد مجتمعنا العربي في السنوات الأخيرة تحولات كبيرة من أبرزها انخفاض ملحوظ في معدل التزايد السكاني، فبعد أن كنا قنبلة ديموغرافية تهدد أمن الدولة كما وصفنا بروفيسور ارنون سوفير في العقود الماضية بمعدلات إنجاب وصلت الى 8 أولاد للمرأة العربية المسلمة بينما لم تتجاوز 3 أطفال لدى المرأة اليهودية، أصبحنا اليوم متعادلين بنفس المعدل اذ انخفضت معدلات الإنجاب عند المرأة العربية الى 3 أولاد بينما حافظت المرأة اليهودية على نفس المعدل 3 أولاد. هذه الاحصائيات لا نشمل اليهود المتدينين الذين تصل معدلات الإنجاب لديهم اليوم الى 8 أطفال للمرأة الواحدة. في قراءة المستقبل بالاعتماد على مقارنة المعطيات، ومراقبة توجهات الدالة الإحصائية فإن المجتمع اليهودي في طريقه إلى التدين أكثر وأكثر، ومن المتوقع بحلول العام 2050 أن يشكل اليهود المتدينون نحو 30% من مجمل تعداد السكان في الدولة بينما سينخفض معدل العرب من 20% الى 15%.
كنت أتوقع مع انخفاض عدد الأولاد في الاسرة العربية، على هذا النحو الدراماتيكي، ان ارى قفزات نوعية في التربية، على فرضية ان تربية ثلاثة أطفال انجع وايسر من تربية ثمانية أطفال. لكن يا للأسف العكس هو ما يحدث، مجتمعنا يشهد انحطاطًا اخلاقيًا غير مسبوق، فما السر ؟
إن الثورة التكنولوجية الموجهة من قبل الغرب اخترقت منازلنا في مطلع القرن الواحد والعشرين وزرعت بكفة يد كل منا جهازا ذكيًا يدعى هاتفا خلويا سيطر مجريات حياتنا. ادمناه وصرنا نقضي الساعات تلو الساعات نتصفح مضامينه عبر عشرات المواقع التي وجدنا فيها ملاذنا ولذتنا.
هذه الأجهزة شغلت الأمهات والآباء على حد سواء، ونهتهم عن أداء واجباتهم تجاه أطفالهم وابناءهم، الذين أصبحوا ايتامًا مع الرغم من وجود اهلهم معهم جسديا. هنا يحضرني قول الشاعر احمد شوقي:
“ليس اليتيمُ مَن انتهى أبواهُ مِن هَمِّ الحياةِ وخَلّفاهُ ذليلا – إنّ اليتيمَ هو الذي تلقَى لهُ أُمّاً تَخَلّتْ أو أباً مَشغولا”.
هذا هو سيناريو مستقبل الأيتام:
مجتمعنا اليوم بانحلال خلقي وقيمي غير مسبوق: انظر معي الى تفكك المبنى العائلي وارتفاع نسبة العنف والجريمة داخل وخارج الأسرة. هذا يقتل زوجته أو أخته أو ابنته غسلًا للعار، وذاك يختصم مع أبناء عمومته على ارض او عقار، وهذا يقتل جاره على موقف سيارة وذاك يقتل ابن بلده لأنه رفض دفع الخاوة. راجع وتيرة الطلاق المتصاعدة. انظر الى أحوال الشباب المتهور على الشوارع، سرعة وعربدة وحركات مجنونة، كم فقدنا من شباب في ريعان العمر بحوادث سير دامية. اسمع دعوات عدم الانجاب لدى الأزواج الشابة. والتصويت العربي على قوانين دعم الشذوذ واللواط والمثليين واستئجار الارحام.
المقلق في الموضوع ان مجتمعنا وصل الى ما وصل اليه من انحطاط بغياب برنامج اجتماعي واضح او نهج خلقي يضبط هذا الانحدار الى الهاوية، وافلاس جهاز التربية والتعليم وتراجع مكانة المعلم بشكل غير مسبوق.
استمرار هذه الوتيرة ستؤدي بحلول العام 2048، وهي ذكرى مئوية نكبة شعبنا، الى نكبة اجتماعية خطيرة وسيغرق مجتمعنا في مستنقع انحلالي لا يمكن الخروج منه.
هذه دعوة اخيرة قبل فوات الاوان، لابد من صحوة أخلاقية قوية تنقذ أشلاء مجتمعنا من مصيره المحتوم.
أرى بالعودة الى جوهر الدين وما يحمله من دعوة عميقة للقيم والاخلاق مخرج من هذا المصير ومن مستقبل الايتام الذي ينتظر مجتمعنا.