عشر خطوات تجهّزها إسرائيل لحماية نفسها أمام المحكمة الدولية
تاريخ النشر: 11/02/21 | 13:00جمال زحالقة
اهتم الإعلام هذا الأسبوع بجلسة محاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بتهم الفساد وتلقّي الرشوة. وظهر وكأنّ هناك «عدالة» في الدولة العبرية تطال حتى رأس الهرم السياسي، الذي لا يستطيع رغم هيمنته على الحكم أن يفلت (حتى الآن على الأقل) من المثول أمام القضاة، مثله مثل أي مواطن. الخدعة الكبرى في هذا المشهد هي أن نتنياهو يقدّم للمحاكمة في قضايا تافهة، ولا أحد يحاسبه على الجرائم الكبرى، التي ارتكبها هو وحكومته، والتي وصل عدد الضحايا فيها إلى الآلاف من النساء والرجال والأطفال والشيوخ. «العدالة» الإسرائيلية، تقاضي من يمد يده إلى المال العام، ولا تأبه بمن يقتل أو يصدر الأوامر بقتل الفلسطينيين، وغالبًا تمنحه الأوسمة.
جاء قرار قضاة المحكمة الجنائية الدولية هذا الأسبوع ليفتح الباب أمام إمكانية محاكمة إسرائيل، ومجرمي الحرب الإسرائيليين، وربما يحصل الفلسطينيون على بعض «العدالة» أخيرا، وربما يقدّم مجرم الحرب نتنياهو إلى القضاء الدولي، ليلقى العقاب الذي يستحق. معنى قرار المحكمة أن مسؤولين إسرائيليين وضبّاط جيش بدرجات مختلفة، ومن لهم علاقة بمشاريع الاستيطان سيكونون عرضة لإجراءات جنائية، وأوامر اعتقال وأوامر مثول أمام المحكمة، ومنهم وزراء ورؤساء أركان وجنرالات ورؤساء مجالس مستوطنات، وحتى رئيس الوزراء نفسه.
ونص قرار المحكمة على أنه «فيما يخص الأوضاع في فلسطين، الدولة المنضوية في معاهدة روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإن اختصاص المحكمة يمتد إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967، وهي غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية». هكذا فتح الباب أمام تحقيق في الشكاوى المقدمة للمحكمة، وعلى المدعية فاتو بنسودا اتخاذ القرار بشأن التحقيق، وقد تستغرق هذه العملية شهوراً طويلة، علماً أن المدعية الحالية تنهي عملها في يونيو/حزيران المقبل.
أكثر ما تخشاه إسرائيل هو «تبريد» استعداد الجنود والضبّاط لإطلاق النار بحرية خوفاً من التعرض للمحاكمة
جاء الرد الإسرائيلي على قرار المحكمة الدولية، غاضباً ومستنكراً، وحتى هستيرياً. وقامت وزارة خارجية إسرائيل بتوجيه تعليمات لسفاراتها في الخارج بفتح مكاتبها يوم الأحد، الذي هو يوم عطلة، للقيام بتحركات فورية. وأصدر بنيامين نتنياهو تصريحاً خاصاً عشية السبت، على غير المألوف، ما يدل على مدى الارتباك، الذي أصاب المؤسسة الإسرائيلية جرّاء قرار القضاة في هاج. تراوحت ردود الفعل الإسرائيلية بين ادعاء نتنياهو بأنّ القرار هو «لاسامية صافية» ويستهدف إسرائيل «الديمقراطية» ويتجاهل دولاً ترتكب الفظائع، على حدّ قوله، مثل سوريا وإيران. وادعاءات بأنّ القرار غير قانوني، وبأن المحكمة تجاوزت صلاحياتها. وأصدر وزير الأمن الإسرائيلي بيانا مطوّلا حاول فيه طمأنة الجنود والضباط بأن الدولة ستقوم بحمايتهم، ولن تسمح بالمس بهم. لم تكتف إسرائيل بالرد الاستنكاري، وبدأت على الفور بالتحضير لحملة ضغط محمومة هدفها اتخاذ إجراءات احتياطية، ووقف إجراءات المحاكمة تماماً إن أمكن. ويمكن تلخيص التحرك الإسرائيلي بعشر نقاط رئيسية:
*هز شرعية المحكمة وقرارها من خلال تصوير القرار بأنه سياسي وليس قضائيا، ويستهدف إسرائيل لاعتبارات «لاسامية». ودعا أستاذ العلوم السياسية إيتان غلبوع إلى «القيام بحملة دعائية لزعزعة شرعية المحكمة لردعها» عن محاكمة إسرائيل.
*طرح ادعاءات قانونية بأن فلسطين ليست دولة، ولا يحق للمحكمة التعامل معها كدولة لها حق المشاركة وتقديم الشكاوى. وتلجأ إسرائيل إلى مثل هذا الادعاء حين يكون الأمر مريحاً ومربحاً لها، لكن حين يتعلّق الأمر بالواجبات الإنسانية لدولة الاحتلال، تدّعي بأن فلسطين كيان له سيادة وأنّ الاحتلال انتهى مع أوسلو، وتعفي نفسها من تقديم الإغاثة الصحية وتطعيمات كورونا على سبيل المثال، كما تدعي إسرائيل بأنها من الدول التي لم تنضم للمحكمة، وإن إخضاعها للتحقيق والمحاكمة هو أمر «غير قانوني» وخارج سلطة المحكمة.
*استهداف المدعية فاتو بنسودا وتشويه سمعتها بالادعاء أنها أيّدت نظاماً ديكتاتوريّاً، حين عملت وزيرة القضاء في غامبيا، وأنّها فاقدة للحياد بسبب نصائحها للمرحوم الدكتور صائب عريقات، حول كيفية ضمان النجاح في الانضمام لمحكمة الجنايات الدولية، وكيفية تقديم الشكاوى لها بالشكل المقنع والصحيح.
*التأثير في تعيين المدعي الجديد، وقد بدأت إسرائيل باتصالات مكثفة لضمان أن يكون هذا التعيين في صالحها، ومختلفاً عن بنسودا، التي أبدت أكثر من مرّة رأياً واضحاً بأن ما يحدث في فلسطين يفي بالمعايير اللازمة للتحقيق والمحاكمة في الجنائية الدولية. وتأمل إسرائيل في أن يقوم المدعي الجديد بإلغاء كل الإجراءات ضدها.
*القيام بتحقيق داخلي صوري في إسرائيل، على غرار ما قامت به بريطانيا، التي واجهت اتهامات مثبتة بارتكاب جرائم حرب في العراق، ولكنّها افلتت منها بالادعاء أنها تقوم بالتحقيق داخلياً، وأن القضاء البريطاني كفيل بتحقيق العدالة وحده. ودعا «معهد أبحاث الأمن القومي» الإسرائيلي إلى استغلال ما يسمّى بالسمعة الطيبة للقضاء الإسرائيلي والشروع بتحقيق داخلي في الشكاوى المقدمة للجنائية الدولية، وطلب وقف كل الإجراءات إلى حين ينتهي «التحقيق» لكنّه في المقابل حذّر من أن مثل هذا التحقيق لن ينفع بكل ما يخص الاستيطان، الذي تعتبره إسرائيل قانونياً ولا يمكنها إجراء تحقيق بشأنه.
*الضغط على الكونغرس وعلى الإدارة الأمريكية لاتخاذ قرارات فعّالة ضد المحكمة الدولية، لردعها عن التحقيق في التهم الموجهة ضد جرائم إسرائيل في الضفة والقطاع، وضد الولايات المتحدة في أفغانستان. وكانت إدارة ترامب قد اتخذت سلسلة من الإجراءات ضد المدعية فاتو بنسودا وضد المحكمة وهددت بخطوات صارمة، إذا لم يتوقف مسار التحقيق في الشأن الافغاني.. ما تريده إسرائيل هو ربط جرائمها بجرائم الأمريكان، والاستفادة من ذلك في مواجهة المحكمة الدولية.
*تجنيد الدول الداعمة للموقف الإسرائيلي، وتحديداً الدول التي وجّهت للمحكمة رسائل خطّية عبرت فيها عن معارضتها لأي إجراء ضد إسرائيل، وهذه الدول هي البرازيل وألمانيا وهنغاريا وتشيكيا وكندا. وإذ تريد إسرائيل من هذه الدول أن تتحرك لمواصلة هذه المعارضة، فإنّ التعويل الأساس هو على ألمانيا، نظراً لماضيها ووزنها وموقفها الحاد بهذا الشأن.
*التعاون مع دول متهمة بارتكاب جرائم حرب، وفي مقدمتها روسيا، التي وجهت لها تهم خطيرة بسبب ما قامت به في الشيشان وشبه جزيرة القرم. وتبحث إسرائيل عن دول ارتكبت جرائم للتحالف معها ضد العدالة الدولية!
*الضغط على السلطة لردعها عن الاستمرار في الدعوى. وقد قامت إسرائيل في الماضي بتهديد السلطة الفلسطينية، وفرض عقوبات عليها لمنعها من التوجه إلى الهيئات الدولية ضد إسرائيل، والتراخي في متابعة تقرير غولدستون هو دليل على أن هذا الضغط قد ينجح، إذا لم تتوفر إرادة فلسطينية صلبة.
*استغلال اتفاقيات إبراهيم والتنسيق الأمني، حيث يسود إجماع في إسرائيل على أن تسويق ما يسمى بالسلام مع العرب، والتعاون الاقتصادي والأمني مع الفلسطينيين، والحديث عن عملية سلمية مرتقبة، يشكّل ضغطا جديا على دول العالم، وعلى المحكمة، لوقف إجراءات من شأنها أن تعكّر أجواء شهر العسل العربي الإسرائيلي.
وإذ تقوم إسرائيل بمحاولات محمومة لمنع تقديمها للمحاكمة، فهي ليست واثقة من نجاحها في ذلك، وبدأت باتخاذ إجراءات وقائية، منها تحضير قائمة سرية من 300 ضابط ومسؤول قد يتعرّضون للاعتقال في حال قررت المحكمة ذلك لاحقاً. وأجرت الخارجية الإسرائيلية اتصالات بعدد كبير من الدول، وطلبت إبلاغها بأوامر اعتقال سرية ضد مسؤولين إسرائيليين، لتحذيرهم من السفر إلى الدول المنضوية في إطار معاهدة روما ومحكمة الجنايات الدولية. المعركة في الجنايات الدولية في غاية الأهمية، وهي فرصة نادرة لمعاقبة مجرمي الحرب الإسرائيليين، الذين لم يدفعوا حتى الآن ثمن جرائمهم الفظيعة. وهي فرصة نادرة لفرض نوع من الردع على الجيش الإسرائيلي، الذي ارتكب ويرتكب الجرائم تحت سمع وبصر العالم، الذي لا يحرّك ساكناً. ومن أكثر ما تخشاه إسرائيل هو «تبريد» استعداد الجنود والضبّاط لإطلاق النار بحرية خوفاً من التعرض للمحاكمة، وإذا نجحت المحكمة في فرض عقوبات فعلية على قيادات سياسية وعسكرية إسرائيلية، فقد يصاب العسكر الإسرائيليون بالبرد الشديد. هذه معركة شرسة وصعبة وتحتاج إلى طاقات هائلة لمنع إسرائيل من الإفلات من العقاب. ومن المتوقّع أن توجه إلى القيادة الفلسطينية ضغوط إسرائيلية وأمريكية وحتى عربية من الوزن الثقيل، وعليها أن تستعد لذلك عبر ترتيب البيت الداخلي والبحث عن حلفاء في العالم لهم مصلحة، أن تبلغ العدالة غايتها السامية.