متنفَّس عبرَ القضبان(23)
تاريخ النشر: 16/03/21 | 10:16حسن عبادي/ حيفا
بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019؛ ودوّنت على صفحتي في الفيسبوك انطباعاتي الأوليّة؛ تعاصفنا وتثاقفنا، نعم، وجدت لقائي بهم، بأفكارهم وبكتاباتهم متنفّسًا عبر القضبان.
عقّب الصديق رزق البرغوثي: “ما أروعك وأنت تنحاز لأشرف البشر حماة البوصلة من نفخر بهم ونعتز والله أتخيل ناصر أبو خضير الرجل المتميز في لقائه معك، (أبو عنان) الأصيل القوي لم يضعف رغم طول المدة وعدد المرات لأنه مؤمن تماما أن الوطن يستحق”.
أمّا الصديقة أسماء ناصر أبو عيّاش فعقّبت: “الله الله يا حسن.. اسمح لي أن أسقط لقب أستاذ فيكفي أن لك من اسمك أكبر نصيب.. حسن.. ما أعظم جهدك وما أسماه.. تحكي تفاصيل أبطالنا وتطلق مبادرتك غير المسبوقة في تحرير أفكارهم وإبداعاتهم وتطلقها وتجعلنا على تواصل حقيقي معهم.. ما أعظمك أخي وأستاذي.. أنتظر بشغف ما تروي من تفاصيل لكأني وأنا أقرأ ألتقي بأبطالنا لقاء حسيّاً لا متخيلاً.. عظيم محبتي وتقديري لحضرتك ولقلمك الحر والحرية لأبطالنا والاحتلال إلى زوال…”.
“خرطشات مرتّبة”
التقيت ظهر الثلاثاء، 23 شباط 2021، بالأسير ثائر حنيني [1] في سجن ريمون الصحراوي للمرّة الأولى؛ بعد صباح قضيته في سجن نفحة المجاور، تعانقنا عبر الحاجز الزجاجيّ الفاصل، عرفني بإحساسه، فالسجّان لم يخبره بهويّة المحامي، أزال الكمّامة الكورونيّة وأمطرني بوابل من الأسئلة عن حيفا، اشتغل فيها قُبيل الانتفاضة الثانية وما زالت عالقة بذهنه، بأزقّتها وبحرها وكرملها.
حدّثني ثائر بحِرقة عن حرمانه من الزيارات، فمنذ اعتقاله في تموز 2004 حظي بزيارات من الأهل لا يصل عددها أصابع اليد الواحدة، أحيانًا هو الممنوع أمنيًا وأحيانًا أهله، ليفقد والدته عام 2011 دون وداع، ولم تتمكن من زيارته في العامين الأخيرين من حياتها، وما زال مواظبًا على مراسلتها ومراسلة فادي بين الحين والآخر الذي استشهد قبل 17 عامًا.
تناولنا “خرطشاته” وتلك الخواطر التي يكتبها، والنكهة الخاصّة المميّزة لها، ورسائله التي تحمل الطابع الوجداني، ومنها رسالته لإيفا شتال عقب قراءته لكتابي “أمميّة لم تغادر التلّ”، وأخبرته عن تواصل سامان فخري من السويد معي وعن الفيلم الذي يعمل عليه ويشمل تلك الرسالة التي أثلجت صدر إيفا.
لك عزيزي ثائر أحلى التحيّات، ويوم نشر هذه التغريدة يصادف يوم ميلادك 01.03، فليكن العيد القادم في حيفا، برفقة كميل والشيبون وكلّ رفاق دربك الأحرار.
“مقلوبة مرزّزة”
بعد لقائي بثائر وبعد صباح قضيته في سجن نفحة المجاور التقيت ظهر اليوم بصديقي الأسير كميل أبو حنيش [2] في سجن ريمون الصحراوي للمرّة السادسة؛ ، أطلّ عليّ متفاجئًا من الزيارة المباغتة سائلًا إذا كانت مؤامرة مدبّرة بيني وبين ثائر؟ تعانقنا مطوّلًا عبر عدوّي اللدود، ذاك الحاجز الزجاجيّ الفاصل، سألني بدايةً عن العائلة فردًا فردًا، أحفادًا وبناتًا… وزوجتي سميرة، تبادلنا الانطباعات عن أكلة البارحة؛ صيّادية وقرع جلاطي (يقطين على حدّ قوله) صنعته ابنتي شادن، وبالمقابل مقلوبة مرزّزة خلف القضبان.
تناولنا مشروعه الأدبي ومستجدّاته؛ و”الجهة السابعة” تحلّق في فضاء اللقاء، طلب إيصال شكره للدكتور فيصل درّاج على كتابة المقدّمة، الفنّان عبد الهادي شلا على لوحة الغلاف والفنّان ظافر شوربجي على التصميم والمَنتجة، والروائي أحمد أبو سليم على الاهتمام بإصدارها.
ناقشنا فكرة المشروع المواكب لسيلفي الجثامين، حملة المليون أسير واللوحة التي صمّمها الفنّان العكّي وليد قشاش.
تداولنا فكرة عمله القادم، هل سيكون رواية تخيليّة صادمة، بطلها جثمان في طريقه من برّادات السجن عبر رحلة في أرجاء الوطن السليب إلى مثواه الأخير في بلدته؟
لك عزيزي كميل أحلى التحيّات، ننتظر اللقاء القريب في حيفا، شئت أم شئت!
شباط 2021
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
[1] الأسير ثائر حنيني من قرية بيت دجن ، أعتقل يوم 1 حزيران 2004، حكمت عليه المحكمة العسكريّة الإسرائيليّة بالسجن 20 عامًا.
[2] الأسير كميل أبو حنيش من قرية بيت دجن، اعتقل يوم 15 نبسان 2003، حكمت عليه المحكمة العسكريّة الإسرائيليّة بالسجن تسعة مؤبدات.