هل يكسب نتنياهو الانتخابات أم يخسر ويُسجن؟
تاريخ النشر: 18/03/21 | 7:02د. جمال زحالقة
الانتخابات الإسرائيلية، التي ستجري بعد أيام معدودة، ستحسم مصير بنيامين نتنياهو، فإذا كسبها وحصل هو وحلفاؤه على أغلبية مطلقة، سيحاول، عندها، تمرير قانون خاص يوقف محاكمته ويؤجّل إجراءاتها إلى أجل غير مسمّى. أمّا إذا خسرها وتشكلت حكومة بديلة، فمن المتوقّع أن تستمر محاكمته بوتيرة أسرع، وإذا أدين، كما المتوقّع، بتهم الفساد وتلقّي الرشوة فسيكون مصيره السجن، مثلما كان مصير إيهود أولمرت، الذي سبقه في الحكم. أما من الناحية السياسية، فاز نتنياهو ام لم يفز، فنتيجة الانتخابات محسومة سلفًا لصالح اليمين، الذي يحظى بأغلبية كبيرة في كل الأحوال.
هذه هي الانتخابات الرابعة في إسرائيل خلال سنتين، وليس واضحاً إذا كانت ستحلحل الأزمة السياسية، إذ تدل كل استطلاعات الرأي على أن مسألة تشكيل حكومة، أي حكومة، وبقاء أو ذهاب نتنياهو ليست معروفة بعد. النتائج المتوقّعة أقرب إلى التعادل منها إلى الحسم، ما يجعل تشكيل الحكومة المقبلة أمراً في غاية الصعوبة والتعقيد، خاصة أن هناك معارضة قوية عند معظم الأحزاب المتنافسة للمشاركة في حكومة يرأسها بنيامين نتنياهو المتهم بالفساد.
بعد عشرات السنين من المنافسة الانتخابية الشديدة بين معسكر اليسار الصهيوني ومعسكر اليمين الإسرائيلي، تأتي هذه الانتخابات في غياب شبه تام للنقاش السياسي، وهي تتمحور حول سؤال واحد وهو: هل يبقى نتنياهو أم يذهب؟ التطوّر الجديد، الذي يعمّق الأزمة السياسية في إسرائيل، هو أن اليمين مقسوم على نفسه في هذه القضية، إذ التزم كل من أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» اليميني المتطرف، أكثر من مرة بعدم المشاركة في حكومة نتنياهو، وقد منع هذا الموقف نتنياهو من تشكيل حكومة عقب الانتخابات الثلاثة السابقة. أمّا جدعون ساعار رئيس حزب «أمل جديد» فقد انشق عن الليكود، وأقام حزباً هدفه التخلّص من نتنياهو. وحتى حزب «يمينا» الذي يرأسه نفتالي بينيت، رفض الالتزام بدعم نتنياهو، وترك الباب مفتوحاً لبدائل أخرى بعد الانتخابات.
يتكوّن التحالف الداعم لنتنياهو من حزب الليكود، وهو اليوم الحزب الأكبر في إسرائيل، وأحزاب دينية فقط، بعد أن هجرته الأحزاب اليمينية العلمانية. ويحصل هذا التحالف في الاستطلاعات الأخيرة على ما يقارب 49 مقعداً، منها لحزب الليكود 30، ولشاس 8، وليهدوت هتوراة 7، ولحزب «الصهيونية الدينية» 4. وقد يتعرّض هذا المعسكر لانتكاسة في حال عدم عبور الأخير نسبة الحسم التي هي أربعة مقاعد بالضبط. ووصل الأمر بنتنياهو أن دعا إلى التصويت له لحمايته من السقوط. إذا اضفنا إلى هذا التحالف حزب «يمينا» بزعامة نفتالي بينيت، الذي تتوقع له الاستطلاعات الحصول على حوالي 11 نائباً، يصل تحالف نتنياهو إلى 60 عضو كنيست من أصل 120، وينقصه صوت واحد للنجاح في تشكيل حكومة. ويأمل نتنياهو أن يسحب نواباً من أحزاب أخرى ويغريهم بالمناصب، كي يتركوا أحزابهم، وقد لمّح إلى هذه الإمكانية أكثر من مرة. هناك حزب آخر عبّر عن انفتاحه على إمكانية دعم نتنياهو ولم يلتزم بالتصويت ضده، وهو حزب القائمة الموحّدة (الذي يتأرجح حول نسبة الحسم بين السقوط والحصول على 4 مقاعد) التي تمثل الحركة الإسلامية الجنوبية (تختلف عن الشمالية، التي يرأسها الشيخ رائد صلاح) ولكن نتنياهو أعلن أنه لا يقبل هذا الدعم، ولن يقبل تشكيل حكومة حتى بامتناع القائمة الموحّدة.
التطبيع، يعبّد الطريق أمام المجرمين والجرائم الإسرائيلية، ولا علاقة له بقيم السلام السامية
لا تشكّل الأحزاب المعارضة لنتنياهو تحالفاً أو معسكراً متماسكا ومنسجما، بل هي مجموعة من القوى السياسية المتنافرة أيديولوجياً وسياسياً. الحزب الأكبر المنافس لنتنياهو هو «يوجد مستقبل» برئاسة يئير لبيد ويحصل في الاستطلاعات على 20 مقعداً، وهو حزب مركز – يمين بالمقاييس الإسرائيلية. الحزب الثاني هو «أمل جديد» برئاسة جدعون ساعار، ولا يختلف عن الليكود في شيء سوى في الدعوة إلى إسقاط نتنياهو، وهو يصل في الاستطلاعات إلى 11 مقعداً، ويليه حزب «إسرائيل بيتنا» بزعامة اليميني المتطرف أفيغدور ليبرمان، ويحصل في الاستطلاعات على حوالي 7 مقاعد ويركّز في توجيه حملته الانتخابية، ضد ما يسميه هيمنة الأحزاب الدينية. وعاد إلى الحياة السياسية حزب «العمل» برئاسة ميراف ميخائيلي، ليحصل على 6 مقاعد في الاستطلاعات، بعد أن أعلن الكثيرون عن وفاته. ويتأرجح كل من حزب «ميرتس» وحزب «أزرق أبيض» حول نسبة الحسم بين صفر وأربعة مقاعد، وفي حال سقوطهما، أو حتى سقوط أحدهما فسوف تزداد بشكل دراماتيكي حظوظ نتنياهو في البقاء في السلطة. تشير الاستطلاعات إلى أن لهذه المجموعة حوالي 52 مقعدًا، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن القائمة المشتركة، ولها في الاستطلاعات 8- 9 مقاعد، وهي تقف بحدّة أكبر ضد نتنياهو، فإن حوالي 60 يعارضون عودة نتنياهو إلى الحكم بعد الانتخابات. في كل الأحوال يبدو أن ما سيحسم الانتخابات الإسرائيلية هذه المرة، ليس الأحزاب الكبيرة، بل من سينجح ومن سيسقط من الأحزاب الصغيرة المتأرجحة حول نسبة الحسم.
يبدو نتنياهو قريبا من الفوز في الانتخابات، وحتى الفوز بأغلبية مقعد واحد هو نصر كبير له، بعد أن ظنّ الكثيرون أنه أنهى حياته السياسية بسبب تورّطه في ملفات الفساد، وفشله في إدارة أزمة كورونا. ما يبقي نتنياهو في السلطة هو أن المجتمع الإسرائيلي يتجه أكثر فأكثر نحو اليمين، ووفق الاستطلاعات تحصل الأحزاب، التي تعرف نفسها كيمين، على ما يقارب 80 عضو كنيست، ولذا، ومهما كانت النتائج، فإن الحكومة الإسرائيلية المقبلة ستكون بالتأكيد حكومة يمينية. لا توجد منافسة لنتنياهو من اليسار، أو من الوسط، والمعركة الوحيدة، التي يديرها هي حول قيادة اليمين الإسرائيلي، الذي له السلطة والهيمنة. لقد قام نتنياهو خلال السنوات الماضية بقمع أي شخصية من الممكن أن تنافسه، وسيطر بشكل كامل على حزب الليكود، بعد أن تخلّص من سيلفان شالوم وموشي كحلون وموشي يعلون، وحتى من جدعون ساعار، الذي لم ينجح في المنافسة داخل الليكود فانشق عنه. لقد أصبح الليكود حزب السلطة، والصيغة الإسرائيلية لحكم الحزب الواحد، ومن يرأس الليكود يكون رئيسا للوزراء. لا تصح مقارنة القوى والقيادات السياسية، وفق مواقفها فحسب، ولا حتى وفق مناوراتها السياسية، بل يجب ربط الموقف بالقوّة. الخطورة السياسية هي حاصل ضرب مدى الرذيلة بمدى القوّة. هناك من منافسي نتنياهو من هم مثله أو حتى أكثر تطرفاً منه، لكن ليس لديهم القدرات والمهارات والقوّة التي عنده، وبالتالي هم بالمحصلة أقل خطورة منه، فهو قادر على صناعة الشرّ بنجاعة وبمهارة فائقتين، لذا هو خطير جدًّا وسقوطه يخفّف المخاطر ولو قليلًا.
تكمن خطورة نتنياهو في أنّه نجح في جر دول عربية إلى التطبيع مع إسرائيل، واستطاع تهميش القضية الفلسطينية، ووضع على الطاولة مشروع الضم ليعود إليه لاحقًا، وهو يلعب بالنار في الملف الإيراني ويقصف في سوريا، وهو يخطط لحرب على لبنان وحرب أخرى على غزّة، وذلك وفق القاعدة التي صاغها منذ سنوات طويلة وهي «التهديد الاستراتيجي بحاجة إلى حسم استراتيجي». ومن يعتقد أن «السلام الإبراهيمي» قد يخفف من النزعة العسكرية العدوانية، فهو يخطئ في قراءة الواقع، لأن هذا السلام المزعوم لن يكون له وزن في قائمة الاعتبارات الإسرائيلية، عند اتخاذ قرار عدوان عسكري ما، فهو لم يزد من احترام العرب، بل عمّق الاستهتار بهم في الذهنية السياسية الإسرائيلية. لقد استفاد نتنياهو كثيراً من التطبيع العربي، وظهر وكأنّه سياسي «ساحر» يستطيع استدراج دول عربية إلى حظيرة التطبيع مع المضي قدماً في مشاريع تعميق الاحتلال والتهويد والاستيطان والمس بالأقصى. إذا عاد نتنياهو لكرسي رئاسة الوزراء فسيكون ذلك إلى حد كبير بفضل الدعم العربي، من دول التطبيع المعلن، ومن دول التطبيع غير المعلن، ولا نقول المخفي لأنه لم يعد مخفياً. وحين يرتكب نتنياهو الجرائم بحق الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة، فإن له حلفاء عرب منحوه غطاء القبول والشرعية، وما يشبه الدعوة إلى التسامح مع العدوان والجريمة. وحتى لو لم يعد نتنياهو، فكل ما تقوم به إسرائيل من جرائم وبالتهرّب من تبعات ارتكاب الجرائم، وبغض النظر عمّن في قيادة الدولة العبرية، لا يمكن فصله عن التطبيع، الذي يعبّد الطريق امام المجرمين والجرائم ولا علاقة له بقيم السلام السامية.
كلام سليم