نهج منصور عباس الجديد.. محاولة جمع بين متناقضين بقلم: الإعلامي أحمد حازم
تاريخ النشر: 28/03/21 | 12:51انتخابات الكنيست الأخيرة التي حملت الرقم 24 أظهرت بما لا يدعو للشك أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو هو السياسي الأقوى في إسرائيل وأن حزبه “الليكود” هو الأوسع انتشاراً في دولة “قانون القومية”. وهذا يعني أن اليمين بكل فئاته هو المسيطر وهو صاحب الكلمة الفصل.
عملية حسابية بسيطة: نتنياهو مع شياطين اليمين الموالين له إضافة إلى بينيت قوتهم 59 صوتاً. طبعاً (ليبرمان وساعر خارج المعادلة). والمعسكر الآخر لابيد وجماعته حجمهم 44 صوتاً بما فيهم المشتركة الثلاثية. وحتى لو انضم إليهم عباس فعددهم سيصبح 48 فقط. ويبقى في هذه المعادلة ساعر وليبرمان اللذين يرفضان كليا نتنياهو والعرب وهما يشكلان 13 صوتاً.
إذاً، الإمكانية المتوفرة أمام منصور عباس للعب على تشكيل حكومة، متاحة فقط مع نتنياهو في حال إصرار ساعر وليبرمان البقاء بعيداً عن نتنياهو. والمشكلة أن نتنياهو يصطدم مع بن غفير لأنه يرفض العرب. لكن مصير نتنياهو مرتبط بالقائمة الموحدة، وبدونها لا يستطيع تشكيل حكومة، إلا إذا أرادت المشيئة الإلهية تغيير وجهة نظر ساعر وليبرمان وهذا على الأقل في الوقت الحاضر شبه مستحيل. لكن السياسة هي فن الممكن.
والسؤال المطروح: هل من علاقة تربط نتنياهو مع منصور عباس؟ في مقال له نشره موقع العرب في السابع والعشرين من الشهر الجاري تحت عنوان” “انتخابات الكنيست الرابعه لم تفتح الطريق المسدود امام نتنياهو” يقول المحلل السياسي الدكتور هاني العقاد بالحرف الواحد: “سياسة الليكود التي اعتبرُها دفعت ثمن (لمنصور عباس) لينشق عن القائمة المشتركة ويمثل حزام امان لليكود ليستكمل النصاب القانوني لتشكيل الحكومة الجديدة، وقد يستطيع نتنياهو تشكيل حكومة بائتلاف ضعيف يبقى تحت رحمة (منصور عباس) مع مقاعد العربية الموحدة “.
إذاً تعالوا نناقش الخطيب السابق لأحد المساجد والنائب الحالي منصور عباس في طرحه: “تعامل مع الطرف الذي من خلاله يمكن تحقيق حقوق للمجتمع العربي دون التنازل عن الثوابت الوطنية”. كلام زي العسل يا دكتور. يعني الموافقة على دعم نتنياهو والمتطرف إيتمار بن غفير وحزبه “الصهيونية الدينية” على الرغم من إعلانه الإعجاب بباروخ غولدشتاين، الذي قتل 29 مصليا فلسطينيا في الخليل في عام 1994، مقابل تحصيل حقوق، ولكن يا دكتور لتشرح لنا أولاً نوعية هذه الحقوق.
هل تعني مثلاً منع اليهود من اقتحام الأقصى؟ أم الاعتراف بالقرى البدوية مسلوبة الإعتراف؟ أم الوقف الفوري لقانون كيمنيتس؟ أو إبطال قانون القومية؟ أم ماذا يا دكتور عباس؟ تفضل واشرح للجمهور الذي انتخب “الموحدة” ماذا تريد فعله تنفيذاً وليس قولاً من خلال دعم بن غفير ونتنياهو. كلمة “حقوق” كلمة شاملة ومهمة وهي من الثوابت الوطنية، ولا أعتقد بأن ضميرك يسمح لك بالتخلي عن الثوابت، مقابل فقاعات، وإن تم ذلك فتلك مصيبة وكارثة.
من حق الدكتور عباس أن يطرح ما يشاء من فرضيات. لكن السياسي الذي يتمتع ببعد نظر للأمور السياسية من المفترض به أن يقيّم الأمور ويحللها بكل مقاييسها. لأن التأثير في قضايا مفصلية في هذه الدولة العنصرية لا يمكن أن يتم بدون مقابل من الثوابت الوطنية. وأنا على يقين من أن فرضية الدكتور عباس ستثبت فشلها عاجلاً أم آجلاً في دولة “قانون القومية”. وما علينا سوى الانتظار.
وإذا أردنا أن نكون واقعيين في التحليل لا بد لنا من الإشارة إلى أمرين في غاية الأهمية: أولهما إن فرضية انتزاع حقوق للمواطن العربي بكل ما تعنيه كلمة حقوق من الاستحالة تحقيقها باستثناء “شوية إرضاءات” هنا وهناك. وثانيهما: فوز “القائمة العربية الموحدة” هو دعم لنتنياهو على الأقل لافلاته من قضايا الفساد التي قد تؤدي به للسجن، في حال وافقت الموحدة على دعمه لتشكيل الحكومة، مقابل ما أسمته بتحصيل حقوق. وعلى الدكتور منصور عباس أن يفكر مليا ويراجع ضميره قبل الإقدام على هذه الخطوة، وليأخذ بعين الإعتبار ما هو الأهم: سجن نتنياهو أم فتات إنجازات؟
علينا الانتباه، أن أخطر ما تميزت به الانتخابات الاسرائيلية الرابعة والعشرين هو فوز نتانياهو بشكل جعل الفارق بينه وبين خصمه لابيد كبير جداً، أي بعكس الانتخابات السابقة مع خصمه غانتس، والأخطر من ذلك تفكيكه للقائمة المشتركة بتوجيه ضربة موجعة لاطرافها الاساسية الثلاث التي حصلت على ستة مقاعد فقط.
بقي علينا القول والتساؤل في آن واحد، عما إذا كان نهج القادم من الحركة الإسلامية الجنوبية منصور عباس هو انعكاس لواقع سياسي أم أجندة لها أهداف سياسية، خصوصاً أن ما يطالب به المنتصر في انتخابات الكنيست هو بمثابة جمع بين متناقضين: فهناك تحقيق مصالح أساسية وهناك الحفاظ على الثوابت الوطنية. وسنرى في الأيام المقبلة إذا كان باستطاعة عباس تنفيذ ما وعد به في حال لم يبق أمام نتنياهو سوى الإستعانة بعباس لتشكيل الحكومة.