رحل المناصرة عز فلسطين والعرب.. و”كفناه بالأخضر” مع “جفرا” بقلم: الإعلامي أحمد حازم
تاريخ النشر: 06/04/21 | 13:00الثقافة العربية لبست ثوب الحزن على أحد أهم الشعراء العرب من المحيط للخليج. رحل آخر من بقي من الأربعة الكبار في الشعر الفلسطيني. اشتاق إلى إخوته في النضال ( محمود درويش، توفيق زياد وسميح القاسم) فذهب إليهم. آه ما أصعب فراقك يا أبا كرمل. آخر مرة التقيتك بها كان على مائدة غداء في مطعم البستان في عمان. أحضرت لك معي ما طلبته مني وبإلحاح “حبتين رمان كفر كنا”. هل تذكر يا أبا كرمل ما قلت لي:” أنا سعيد الآن” ثم قبلت حبتي الرمان. ما أروعك، وما أكثرك إخلاصاً ووفاءً لوطنك.
كنت تفضل دائماً أن نجلس تحت أربعة عيون لنتحدث كما نشاء، إن كان ذلك في بيتك أو في أي مكان عام آخر. كنا نتحدث عن الساسة وفسادهم وانحطاطهم وعن أتباعهم من شياطين الثقافة المنتفعين من جروح الوطن. كنا نتبادل الهم الفلسطيني، ونغربل أفعال من يسميهم الناس قادة. كنت تقول لي دائماً:”حرام هاي الناس توكل من “عنب الخليل” الذي عشقته فنظمت فيه شعراً. لم تنس “جفرا” فرحلت أنت وبقيت هي .
التقيتك يا أبا كرمل في بيروت والجزائر والقاهرة وعمان وبرلين وصوفيا، وفي كل مرة كنت أجد فيك شاعراً من نوع آخر، شاعراً مميزا تتمنى الكلمات لو يصنع منها عز شعراً. أنت يا أبا كرمل ليس فقط عز الدين إنما عز العرب أيضاً، أنت عز لكل عربي عنده كرامة وعنده ضمير متصل وليس مستتراً.
قلت لي ذات مرة بعد ندوة شعرية لك في الجزائر دعوتني إليها:” أوصيك يا أحمد بفلسطين” فقلت لك مازحاً:” ليش بتوصيني .. حاسس حالك بدك تموت”. فابتسمت وأجبتني يشموخ الكبار المخلصين:” يا ريت يا أحمد أموت في فلسطين”. ما أروع كلماتك وما أقوى معانيها.
الآن جاء دور جنازتك لنقول: “بالأخضر كفناه” لمن سيغني مارسيل خليفة بعد اليوم؟ يا صديقي العزيز عز: أنا الذي فهمتك جيداً لأني عرفتك عن قرب. ورغم ذلك قلت لي :” لن يفهمني سوى غصن الزيتون” نسبة لديوان لك. وإذا كان غيرك من الشعراء يفتخرون بشعرهم الغزلي أو بحب “سلمى” أو “ريتا” فأنت كنت أعلى من هذا المستوى وفضلت نظم شعر وطني نقي بمفردات تخص الوطن وأصدرت مجموعات شعرية وطنية مثل: “يا عنب الخليل” و”جفرا” و”بالأخضر كفنّاه” و”لا سقف للسماء” و “يتوهج كنعان” إلى جانب عدد من الكتب النقدية والفكرية.
قالوا عنك أنك حملت قضية شعبك من جذورها وزرعتها في صدره لتكون فلسطين على امتداد وجعها وخارطتها الأم يقينه الأوحد، لكنهم لم يقولوا أنك بقيت خارج حدود أصحاب القرار وفضلت أن لا يتلوث شعرك بدسائسهم. كم أنت كبير يا أبا كرمل عندما قلت لي في بيتك في عمان:” هؤلاء كالفحم، إذا اقتربت أنت منهم وسخوك وإذا هم اقتربوا منك وسخوك”. آه ما أروعك يا أبا كرمل عندما قلت لي أيضا في اللقاء نفسه:” أنا يا أحمد لا أريد مناصب ولا أريد رضى الحاكم بل رضى شعبي”.
نعم، صديقي العزيز الوفي عز العرب، أنت في القمة عند شعبك الفلسطيني وباقي الشعب العربي أيضاً، فمقالات وأخبار الرثاء امتلأت بها الصحافة الفلسطينية والعربية، حتى أن إذاعات أوروبية اهتمت بخبر رحيلك أيها الراحل عنا جسدياً.
رحلت يا أبا كرمل وأنت تحمل وعداً منك لي بكتابة مقدمة روايتي “مفتاح أبو ابراهيم” التي ستصدر هذا العام. قلت لي بالحرف الواحد:” بتيجي لعندي في عمان وبعطيك المقدمة”. لكنك رحلت قبل مجيئي. كم ألوم نفسي الآن وكم يؤنبني ضميري لأني لم أسرع في الذهاب لعندك. لقد يتمت الشعر الأصيل يا أبا كرمل، وأصبحنا نعيش مرغمين على ذكراك بعد اليوم .
رحمك الله صديقي واسكنك فسيح جنانه.