هل يقبل اليمين الإسرائيلي بالحركة الإسلامية شريكا؟
تاريخ النشر: 09/04/21 | 12:18د. جمال زحالقة
بعد جولة من المشاورات مع كل الأحزاب الممثلة في الكنيست، كلّف رئيس الدولة العبرية رؤوبين ريفلين، رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي ومرشّح حزب الليكود بنيامين نتنياهو، بالعمل على تشكيل حكومة جديدة ومنحه، كما ينص القانون، مهلة 28 يوما لتقديم تشكيلة وزارية تحظى بأغلبية برلمانية. جاء قرار ريفلين بعد أن اتضح أن 52 عضو كنيست أوصوا بتكليف نتنياهو مقابل 45 عضوا دعموا ترشيح يئير لبيد زعيم حزب الوسط «يش عتيد». وحصل نفتالي بينيت رئيس حزب «يمينا» على توصية من 7 أعضاء كنيست من حزبه وامتنع 16 نائبا عن التوصية على أحد.
يتضح من مجمل هذه التوصيات، أن حالة الانسداد السياسي في إسرائيل مستمرة، وسيجد بنيامين نتنياهو، المكلّف بتشكيل الحكومة صعوبة بالغة في الحصول على أغلبية برلمانية لتشكيل الحكومة، إذ يبلغ عدد أعضاء كتلة الليكود 30 نائبا وهناك 29 نائبا ينتمون إلى اليمين الديني (شاس 9، يهودوت هتوراة 7، الصهيونية الدينية 6، يمينا 7) وهذا يصل إلى 59 عضو كنيست من أصل 120، وهو غير كافٍ للحصول على أغلبية. هناك حزب واحد فقط أعلن أنه من الممكن أن يتعاون مع نتنياهو، أو أي شخص آخر يكلّف بتشكيل حكومة، هذا الحزب هو القائمة العربية الموحّدة ـ الحركة الإسلامية الجنوبية، ولها 4 أعضاء، وإذا جرى الاتفاق معها فستكون عند نتنياهو أغلبية وحكومة جديدة، سواء بتصويت الإسلامية معه أو حتى بامتناعها.
لقد أعلن نتنياهو قبل الانتخابات أنه غير مستعد لإقامة حكومة تستند إلى دعم أو امتناع الحركة الإسلامية الجنوبية، وأنّه يقبل فقط بالأحزاب الصهيونية. لم يكرر نتنياهو هذا الكلام بعد الانتخابات، ولم يعلن رسميّا أنّه غيّر رأيه، مع أن الدلائل تشير إلى أنه يسعى لإقامة حكومة بدعم الحركة الإسلامية. ويصطدم هذا المسعى برفض حاد من حلفائه في حزب اليمين الفاشي «الصهيونية الدينية» الذين أعلنوا أنهم لا يقبلون المشاركة في حكومة تعتمد على أصوات من لا يلتزمون بإسرائيل كدولة يهودية.
من الصعب جدّا، أن يقبل حزب المستوطنين المتطرف «الصهيونية الدينية» التحالف مع الحركة الإسلامية، حتى بعد أن أبدت الأخيرة مرونة غير مسبوقة، وأعلنت أن ما يهمها هو الحصول على الميزانيات، وعلى بعض المطالب، التي من الممكن أن يقبل بها اليمين، وحتى اليمين المتطرف في إسرائيل. هنا يحاول نتنياهو الضغط على حزب المستوطنين للقبول بصيغة ما، تمكّنه من تمرير حكومة في الكنيست بامتناع الحركة الإسلامية. يبدو أنه لن يستطيع ذلك، خاصة أن هذا الحزب مكوّن من أكثر الناس تطرفاً في إسرائيل فمنهم من يدعو للترانسفير وتهجير الفلسطينيين «غير المخلصين» لإسرائيل، ومنهم من يطالب بهدم الأقصى، وإقامة الهيكل، ومنهم ايضا من يدعو إلى تدمير غزّة، وكلّهم مجمعون على مشروع أرض إسرائيل الكاملة، وعلى الاستيطان، وعلى تهويد القدس، وعلى تكثيف هدم البيوت العربية وملاحقة العرب في النقب، وإلى حسم الصراع بضم الضفة الغربية إلى اسرائيل. هم بطبيعة الحال يرفضون أي تحالف مع الحركة الإسلامية، ولكن السؤال كيف تقبل هذه الحركة على نفسها التحالف مع اليمين المتطرف، ومع زعيمه الأوحد بنيامين نتنياهو؟ فمهما كانت المسميات، يبقى التصويت لتمرير حكومة جديدة في البرلمان نوعا من التحالف. وتدعي الحركة الإسلامية أنّها لا تتحالف مع «الصهيونية الدينية» وتتعامل فقط مع الليكود، وهذا بالطبع لا يخفف من حدّة الأمر، خاصة أن الحديث يجري عن قارب واحد قبطانه نتنياهو، والذي هو نفسه يميني متطرف بامتياز.
لن تنتهي الأزمة السياسية الإسرائيلية إلّا بأحد اثنين فإمّا أن ينزل نتنياهو عن كرسيّه أو يتم وقف محاكمته
تبدو إمكانية إقامة حكومة يمينية تستند إلى أصوات قائمة الحركة الإسلامية الجنوبية (التي تختلف عن الحركة الإسلامية الشمالية المحظورة ويرأسها الشيخ رائد صلاح، وموقفها أصلًا ضد المشاركة في الانتخابات) ضئيلة جدّا، لذا سيسعى نتنياهو إلى شق أحد الأحزاب المعارضة له، عبر إغراء بعض أعضائها بحقائب حكومية نفيسة. إمكانية سحب نواب من كتل معارضة صعبة للغاية، خاصة أن شق أي كتلة في الكنيست بحاجة إلى ثلث عدد أعضائها، وهذا يعني عمليا الحاجة لسحب اثنين من كتلة «امل جديد» برئاسة ساعار المكونة من ستة أعضاء كنيست، أو ثلاثة من كتلة غانتس المكونة من ثمانية نواب. ليس هناك أي مؤشّر حقيقي حول إمكانية حدوث مثل هذا الأمر، ويبدو أن ما يروّج له نتنياهو ويلمّح له أنصاره، بهذا الصدد، يستهدف إثارة الفوضى السياسية، ولا يغدو كونه أخبارا ملفّقة وكاذبة، وهذا ليس غريبا عن شخصية ونهج رئيس الوزراء الإسرائيلي.
لدى نتنياهو وقت طويل وإمكانيات قليلة. عنده حوالي الشهر لتشكيل حكومة وهذا وقت طويل نسبيا، ولكن الخيارات امامه محدودة وتكاد تكون معدومة، ويبدو أنه لن يستطيع إقناع حزب «الصهيونية الدينية» بالقبول بالحركة الإسلامية، وليس بمقدوره «سرقة» أعضاء كنيست من كتل أخرى، والأرجح انه لن ينجح في تشكيل حكومة. الحراك السياسي الحقيقي في إسرائيل هذه الأيام هو التحضير إلى ما بعد انتهاء مهلة التكليف، وفشل نتنياهو في تشكيل حكومة. ويجري الحديث عن عدّة إمكانيات:
تشكيل حكومة بديلة باتفاق تناوب على رئاستها بين نفتالي بينيت ويئير لبيد، وقد صرّح الأخير بأنه مستعد للتنازل لبينيت ليبدأ هو بالتناوب، رغم أن حزبه هو الأصغر. حكومة كهذه ستكون مكوّنة من كل ألوان الطيف الصهيوني من اليسار حتى اليمين، وتحظى بدعم 58 عضو كنيست (ميرتس 6، حزب العمل 7، أزرق ابيض (غانتس) 8، يش عتيد (لبيد) 17، إسرائيل بيتنا (ليبرمان) 7، أمل جديد (ساعار) 6، ويمينا (بينيت) 7). من الصعب طبعا تجاوز التناقضات السياسية بين هذه الأحزاب، وما يزيد الأمر تعقيدا، أنها ستكون أيضا بحاجة إلى دعم الحركة الإسلامية، وربما جزء من القائمة المشتركة، ولو بالامتناع عن التصويت ضدها، وهذا بحد ذاته لا يقل خطورة في المنظور الوطني الفلسطيني عن دعم نتنياهو. ويتعلّق تشكيل مثل هذه الحكومة بموقف نفتالي بينيت، الذي سيفلت من عناق نتنياهو، ليكون من الأسهل عليه المشاركة في حكومة بديلة، وليدّعي بعدها أن نتنياهو فشل والخيار هو بين انتخابات، أو تشكيل حكومة أخرى. ليس من الواضح بعد ما إذا كان بينيت سيذهب بهذا الاتجاه، خاصة أن فشل نتنياهو سيكون بسبب رفض اليمين المتطرف للحركة الإسلامية، فكيف سيقبل هو بذلك. تبدو الحكومة البديلة أيضا غير واقعية، حاليا على الأقل.
تنحّي نتنياهو جانبا، وانتخاب مرشّح آخر من الليكود، أصبح بديلًا يجري تداوله في أروقة الحزب الحاكم، وتستند الخطة إلى انتخاب نتنياهو رئيسا للدولة ما قد يمنحه حصانة من المحاكمة، وعندها سيكون من السهل على أي عضو كنيست آخر من الليكود أن يشكّل حكومة بدعم ساعار وليبرمان وبنيت، الذين يرحبون، وحتى يحلمون، بمثل هذا التطوّر. المشكلة في هذا البديل أن نتنياهو يخشى من نتائج التصويت السري في الكنيست على رئاسة الدولة، وليس واضحا إذا كانت حصانة رئيس الدولة تسري بأثر رجعي على لوائح اتهام قبل انتخابه. وتجري هذه الأيام محاولات لطمأنة نتنياهو عبر مقترحات تغيير القانون، ليصبح التصويت على رئاسة الدولة علنيا، ولتوسيع مجال الحصانة ليشمل ملفات ما قبل الانتخاب. هل هذا السيناريو ممكن؟ إذا اخذنا بعين الاعتبار عدد أعضاء الكنيست بمن في ذلك أعضاء الليكود، الذين يرغبون بإزاحة نتنياهو عن كرسي رئاسة الوزراء، فهذا ممكن. لكن الأمر في غاية التعقيد وهناك خشية من تدخل المحكمة العليا الإسرائيلية لإلغاء قانون يعفي نتنياهو من المحاكمة. وفي المحصلة حظوظ هذا السيناريو ايضا ضئيلة.
الانتخابات الخامسة ليس مستبعدة بالمرة، وقد تكون السيناريو الأرجح، لكن هناك اعتقاد قوي بأنها لن تغيّر الصورة وستبقى حالة الانسداد كما هي. وقد فتح ذلك المجال للحديث عن سيناريو آخر وهو تغيير القانون، بحيث لا يستطيع بنيامين نتنياهو أن يترشح من جديد. هناك اقتراحان للتغيير الأول منع ترشيح من قدمت ضده لائحة اتهام، والثاني منع الترشح لأكثر من دورتين لرئاسة الوزراء. في كلتا الحالتين ستكون مشكلة في سريان مفعول القانون بأثر رجعي إلى الخلف، وليس من الواضح أصلًا ما إذا كانت هناك اغلبية برلمانية لمثل هذه المقترحات. يبقى إذن السيناريو المعهود وانتخابات خامسة مع ترشح نتنياهو مرة أخرى. تشير كل الدلائل وكل الإمكانيات إلى أن الأزمة السياسية في إسرائيل لن تحل في الوقت القريب، وحتى لو قامت حكومة فهي لن تكون ثابتة ولن تعمّر طويلًا. الأزمة في إسرائيل ستستمر ما دام نتنياهو لاعبا مركزيا على الساحة السياسية ويتعرّض للمحاكمة على ملفات الفساد، ولن ينتهي المأزق إلّا بأحد اثنين فإمّا أن ينزل عن كرسيّه أو يتم وقف محاكمته.
وجود أزمة سياسية لا يمنع اتخاذ قرارات، وبالأخص قرارات لا مفر منها، مثل الموقف الإسرائيلي من الانتخابات الفلسطينية، خاصة مشاركة أهالي القدس ومناطق «ج» والقرار بالنسبة لملفات أمنية تتعلق بغزة ولبنان وسوريا وإيران وغيرها. نتنياهو، الذي جرّب أربع معارك انتخابية بلا حسم، هو شخص خطير وقد يغريه أن يجرّب مغامرة عسكرية جديدة تبقيه في الحكم وتنقذه من السجن.