رؤية سياسية للواقع العربي في اسرائيل: افلاس الأحزاب يفرض البدء بتنظيم مجتمع مدني !!
تاريخ النشر: 15/04/21 | 11:00نبيل عودة
*هستيريا عنصرية ضد اشتراك العرب باي حكومة اسرائيلية، والقانون لا يعقب العنصريين وهذا يذكرني بتاريخ مؤلم عبره الشعب اليهودي نفسه، لكن اوساطا واسعة من مختلف التشكيلات السياسية تمارسه ضد المواطنين العرب* اضحت الأحزاب اليوم تنظيمات مغلقة على اسماء لا بديل عنها* لا بد لتنظيم سياسي جديد ان يعمل على تعريف هوية ذاتية تشمل المجالات الحياتية كلها لجماهير العربية* هل العنصرية الفاشية ضد المواطنين العرب هي صدفة ام نتاج المضامين التي تنفذها حكومات اسرائيل واجهزتها الثقافية والاعلامية؟*
أن الإجحاف والعنصرية الفاشية بدون خجل الذي تمارسه المؤسسة الحاكمة، وممثلي التيارات اليهودية الفاشية، التي تعلن بهستيريا عنصرية رفضها اشتراك العرب باي حكومة اسرائيلية، والقانون لا يعقب العنصريين، وهذا يذكرني بتاريخ مؤلم عبره الشعب اليهودي نفسه، فهل من المنطق ان تمارس العنصرية بشكلها الفاشي ضد الأقلية العربية في إسرائيل؟ وهل هي صدفة ام نتاج المضامين التي تنفذها حكومات اسرائيل وأجهزتها السياسية، الثقافية والاعلامية؟ بل وقوى سياسية “عقلانية” (أي لا تعلن رفضها رسميا لحكومة بمشاركة عربية) حتى بدعم عربي برلماني، مقابل مطالب يفترض انها ضمن الحقوق الأساسية لكل مواطن!!
العنصرية والتمييز والرفض للعرب لن ينتهي بمجرد ان حكومات إسرائيل تقوم (او ستقوم) بزيادة المصادر المالية للوسط العربي، وتغيير في النهج العنصري والتمييزي في مجالات أساسية للمجتمع العربي.
ان النشاط الحزبي للوسط العربي لم يعد قادرا على احداث ضغط اجتماعي واسع لإحداث تغيير. من هنا رؤيتي ان العمل لإقامة تنظيم مجتمع مدني يشمل كل مركبات المجتمع، هو الطريق لإحداث تحول يفرض على السلطة إعادة تقييم نهجها، والتعامل مع الأقلية العربية بأساليب أصبحت تسود كل الدول التي تسكنها أقليات قومية، وعلى راسها كنموذج: بلجيكا، سويسرا وكندا وحتى بريطانيا بعد الوصول لاتفاق مع الأقلية الإيرلندية أوقفت النزاع المسلح.
تساؤلات لرؤية سياسية أولية: ما هو واقع الجماهير العربية في إسرائيل وهل تقوم التنظيمات الحزبية القائمة اليوم بالدور المرجو منها؟
لا اتجاهل التاريخ النضالي لأي حزب سياسي، ولكن رؤيتي ان الأحزاب أضحت اليوم تنظيمات مغلقة على افراد وقيادات، مع الاحترام لها، الا انها لا تشكل الا نهجا يطرح مكانة الأحزاب وقياداتها كقوة سياسية واجتماعية لا بديل عنها ، بينما عشرات الاف المثقفين ورجال الخبرات الواسعة بكل المجالات العلمية والاقتصادية والسياسية، منعزلون عن أي نشاط لسبب بسيط، ان التنظيمات الحزبية لم تعد قادرة على استيعاب النهضة الفكرية والعلمية والمعرفية في المجتمع العربي التي تجاوزت كل المناهج الحزبية والفكرية، طرحا وقدرات على التعامل بأساليب لا تلوثها السياسات السائدة من بقايا القرن التاسع عشر والقرن العشرين، التي أضحت ملعبا مختصرا على مجموعات لا تشكل النخبة المختارة في مجتمعها، مع احترامنا لنضالهم. لكن هذا الشكل يفلس تدريجيا وبسرعة متزايدة، اجتماعيا وتنظيميا وسياسيا وفكريا. واليوم بعد الهستيريا الصهيونية لأيتام كهانا ولأوساط تبدو عقلانية شكليا، وترددت باللجوء الى دعم النواب العرب لتشكيل حكومة بدون نتنياهو، سيقود إسرائيل الى ازمة وزارية متواصلة. منم ظن ان تحالفه مع نتنياهو سيعزز مكانته ها هو اليوم يحذر من الوثوق بنتنياهو. واهني قائمة “كحول لافان” لرئيس الحكومة البديل بيني غانتس التي فقدت مكانتها السياسية بنجاح نتنياهو بتمزيقها سياسيا، بعد ان كانت لها فرصة لتشكيل حكومة بديلة، لكن معارضة عناصر عنصرية داخل كحول لافان، قاد غانتس لتشكيل حكومة تحالف مع نتنياهو، والنتيجة تفكيك كحول لافان من قوة سياسية منافسة لمجرد قائمة انتخابية صغيرة.
ان رفض الاعتماد على اعضاء الكنيست العرب لتركيب حكومة إسرائيلية بديلة، يكشف انه حتى من يبرزون كعقلانيين من الجماهير يتعاملون مع العرب كجسم غريب دخل للبلاد بدون شرعية.
ليس صدفة ان ازمة الحكومة الحالية وازمة تركيب حكومة جديدة، اساسها الفكر العنصري الفاشي لأيتام كهانا ولمن يحاولون الظهور كعقلاء لكنهم لا يصرون على اعتبار الصوت العربي مرفوضا حتى بدون ان يكونوا جزءا من الحكومة.
يجب ان نلاحظ مسالة هامة، ان الهدف من انشاء أحزاب له هدف واحد: الوصول للكنيست، بينما يجري تحييد النشاطات السياسية والاجتماعية غير البرلمانية، وإذا حدثت، لا تكون بالمستوى المؤثر والمجند والضاغط على متخذي القرارات، من هنا ارى ان الأحزاب لها هدف واحد، ضمان تمثيل برلماني لأفراد لا يتغيرون الا بأمر الله او بعد عقدين او ثلاثة عقود.
لا بد من ملاحظة هامة: ان الحياة الحزبية في الوسط العربي (وعموما في الوسط اليهودي أيضا، وعلى مستوى كل دول العالم) تعاني من خلل فكري وتنظيمي أفقد الأحزاب مكانتها التاريخية التقليدية.
عمليا لم يعد هناك تبرير فكري للحفاظ على تنظيمات سياسية تجاوزها التاريخ.
نحن لا نخوض نضالنا في فراغ، عداء السلطة للجماهير العربية هي سياسة مبرمجة، الرد على هذه السياسة يحتاج إلى استراتيجية سياسية مبرمجة وبعيدة المدى، تأخذ بعين الاعتبار أهداف الأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل كمجموعة سكانية لها خصوصيتها وليس كحزب فقط. حان الوقت لطرح تعريف هوية ذاتية تشمل مختلف مجالات الحياة، السياسي، الثقافي، الاقتصادي، التعليمي، الاجتماعي، القانوني، المدني وكل ما يخص مجتمع بشري من مميزات ومطالب جوهرية وعلى رأسها سياسة الأراضي والتخطيط (ويشمل مصادرة الأرض العربية لمصلحة أهداف يهودية مثل مشاريع إسكان يهودية على حساب البلدات العربية وتطورها)، السلطات المحلية والمساواة في الميزانيات، الرفاه الاجتماعي، الخدمات الصحية، موضوع الهوية، الثقافة والتعليم، التطوير، العمل، إقامة مناطق صناعية متطورة وليست معزولة عن النشاط الاقتصادي للدولة (وبات ملحا اقامة تنظيم اقتصادي للتنسيق بين رجال الأعمال العرب)، التصنيع في المجتمع العربي، تشريع القوانين التي يتخذ بعضها لصالح الأغلبية بمضمون عنصري أو متستر، او قرار صحيح لكن المشكلة بمن ينفذه!!
هذه القضايا كانت وراء انتفاضة العام 2000 ولا أرى ان الواقع تغير رغم تقرير “لجنة اور” التي بحثت وحققت بموضوع الانتفاضة ووضعت توصيات ايجابية هامة، لم ينفذ منها شيء ولم أسمع ان أحزابنا قلقة من تجاهل تلك التوصيات رغم نقصانها.
حتى لجنة المتابعة العربية فقدت بوصلتها وأضحت لجنة حزبية. عمقت التشرذم ولم تخدم القضايا الملحة للجماهير العربية، ولم تقم بإعداد أي برنامج واضح وقادر على جمع الصف العربي مطلبيا من اجل حقوق مواطنة أساسية. وارى ان لجنة المتابعة أضحت لجنة لشخص من اجل رفع مكانته الشخصية. ولو راجعنا نشاط هذه الهيئة لما وجدنا الا السلبيات. مجرد نهج العداء لأوساط لا تعجب ادارتها ن هو سبب كاف لإنهاء دورها (وهو عمليا لم يعد ذا قيمة)، والعمل على إيجاد وسيلة جديدة وعقلانية توحد ولا تفرق.
لا بد لتنظيم سياسي جديد ان يعمل على تعريف هوية ذاتية تشمل المجالات الحياتية كلها، المجال السياسي، الاقتصادي، الثقافي، التعليمي، القانوني، مكاننا كأقلية قومية، علاقاتنا بشعبنا الفلسطيني، طرق تواصلنا معه ودعمنا لنضاله.
إسرائيل تصف نفسها دولة يهودية صهيونية. واخرج العرب بقانون القومية العنصري من صفتهم مواطنين متساوي الحقوق. العرب ليسوا يهودا وليسوا صهاينة ولن يكونوا، العرب يطرحون دولة كل مواطنيها، دولة مدنية ديمقراطية وليست دولة عنصرية حتى في نشيدها القومي ورموزها. إذن التعريف من جديد هو جزء من الحقوق ومن واجب السلطة أمام 20% من مواطنيها.
ما اطرحه في هذه المداخلة هي رؤوس أقلام (عناوين) تحتاج إلى صياغة علمية تتعامل مع وقعنا المركب.
ان أيديولوجية إنشاء الأحزاب تتهاوي تدريجيا وأكاد أقول انها تعاني من سكرات الموت في المجتمعات المتقدمة، حيث تحل مكانها صيغة تنظيمات المجتمع المدني. والتفسير لهذه الظاهرة هو كون الأحزاب نشأت على قاعدة فكرية كتنظيمات طبقية يمثل كل حزب مجموعة طبقية معينة، لكن تطور المجتمعات البشرية قادنا بعيدا جدا عن تلك الأفكار والمناهج من القرن التاسع عشر. الفكر الطبقي يعاني من ضمور نتيجة التطورات في مضمون النظام الرأسمالي بحث بات من الصعب ان نحلله حسب مفاهيم طبقية من القرن التاسع عشر. نحن الآن في مجتمع ما بعد النظام الرأسمالي وهذا يقتضي إعادة تفكير جادة تقود الى طرح تشكيل تنظيم اجتماعي سياسي يمثل الشريحة الاجتماعية الواسعة في المجتمع العربي، وأعني تنظيم مجتمع مدني يشمل كل الفئات الاجتماعية.