أمل مرقس و” قلب الذئب “
تاريخ النشر: 25/04/21 | 12:34بقلم : شاكر فريد حسن
حين تقرأ نصًا كتابيًا إبداعيًا جماليًا وتستمتع به فإنك تحبّ وتتمنى ان لا ينتهي، أو إنك تعيد قراءته من جديد.
هذا هو حالي مع القراءة الأدبية النقدية الشائقة والماتعة، التي كتبتها سوسنة الجليل الفنانة الجميلة صاحبة الصوت الحريري والذوق الادبي العالي، الصديقة العزيزة الكفرساوية، أمل مرقس، حول رواية ” قلب الذئب ” التي صدرت قبل فترة وجيزة عن مكتبة ” كل شيء ” في حيفا لصاحبها الناشر صالح عباسي، للصديق الرفيق ابن العاصمة الثقافية الفلسطينية رام اللـه، ونشرت في الملحق الثقافي الأسبوعي لصحيفة ” الاتحاد “.
فقد استمتعت أيما استمتاع وأنا أغوص بين سطور وتعابير أمل التي فاضت نهرًا بل بحرًا من كلمات أنيقة، حيث قدمت لنا قراءة نقدية انطباعية وذوقية بأسلوب مدهش، ولغة أدبية رشيقة سلسة، من خلال البحث في ثنايا الرواية وتضاريسها وتفاصيلهأ، بعيدًا عن الفذلكات الكلامية والقراءات النقدية الحديثة لعدد من الأكاديميين والدارسين، الطافحة بالمصطلحات الغربية والكلمات الغريبة التي لا يفهمها إلا أنفسهم، للتدليل على ثقافتهم..!
تحدثنا أمل مرقس في البداية عن الرواية مشيرة أن أحداثها تتنقل بين رام اللـه وعكا وتعرج على يافا وكفر ياسيف. وتقول أنها رواية كتبت بلغة سلسة مرهفة وشعبية، وتنتمي للأدب الواقعي البعيد عن الفلسفة والرمزية.
ثم توضح وتقرر بأن الأهم في الرواية أن الروائي أبو غوش ” يتجول في أجمل وأحب المناطق على قلبي عكا، يوثق الأماكن ويصفها بروعة وبكل الحواس، وانا أمشي معه بخيالي، فأنا أعرفها جيدًا وأمشيها وألامس حجارة جدران بيوتها الصامدة على شاطئ وميناء عكا، حب ينمو في رحلة تعرّف على وطنك، حبّ كبير، حب يرضي القارئ ويجعله يفتخر بهذا الحب وبإمكانية انتصاره. فالأمل لا يخيب والإحباط لا يتسلل ولا الملل “.
وتتوقف أمل عند شخوص الرواية قائلة :” لم يتسلل تعب الحياة إلى المعنويات، فنجد شخصيات الرواية مرحة قوية ومثابرة لتحقيق أهدافها. أعيش كقارئة مع الشخصيات وأستشعر الاجواء ليس كمتفرجة وإنما كرفيقة معهم، أبتسم وأغنّي معهم، لكن فجأة يحدث تحول درامي مفاجئ في الاحداث، خوف، ترقب، مأساة، تغير الاجندة. أذرف دموع التأثر المختلط بالفرح بعد أن اقرأ بسرعة وبترقب شديد الصفحات التي تعج بالأحداث، وتهدد مصير الحبيبين الرفيقين وتمنع لقاءهما.. ثم اطلق تنهيدة ارتياح عندما اطمئن بعد ضبابية واختفاء.. ماذا حدث لسلمى. اطمئنّ.. فيعود الحبّ بشكل وظروف أخرى “.
وتتوغل أمل أكثر بين طيات وصفحات الرواية وتتفاعل مع تطورات أحداثها، وتسجل لنا هذه الأجندة والمسائل التي تشي بها الرواية فتقول : ” رفاق الحزب حاضرون في الرواية، البيت الفكري المشترك، القضايا التي تشغل رفاقه، النقاشات بين الرّفيقات والرّفاق عن دور المرأة في هيئات الحزب وتأثيرها هناك، التّغيير بالأحداث السياسيّة والتاريخية التي تعصف بالعمل والنشاط الجماهيري للأحزاب. لكن الاحتلال يعتقلُ ويحقّق ويخيف الرفاق! “.
وتقرأ أمل وتتماهى وتعيش تفاصيل الرواية، تسمع الاغاني من خلال القراءة، وترصد غروب شمس عكا، وتشعر بحضن ودفء الحبيبين سلمى وعبود، وتبحث عن نعيم الغول ” الذئب ” داخل الرواية.
وفي النهاية تخلص إلى الاستنتاج ” أن الرواية وثيقة وذاكرة مهمة، توثق الأمكنة التي نحبها وشخصيات قابلناها ونحبّ أن نتذكّر فيها أوّل حب، أوّل النّضال، أول الحلم، بقلوب قوية.. بجموع قوية، فيها جرأة ” قلب الذئب “قلبٌ كقمر أحمر، كبستان فيه العوسج وفيه الريحان “.
أمل مرقس .. أيتها القارئة المميزة، الفنانة الراقية، بوركت ، وبورك يراعك .. فقد اجدت في سبر أغوار ” قلب الذئب ” للفلسطيني الجميل ماجد أبو غوش، وقدمّتِ لنا قراءة ماتعة بكل الصدق والشفافية والعفوية والتجلي، تستحق المتابعة والقراءة، لا نملّ من قراءتها. فقد شعرت وكأنني أقرأ نص درويشي، أو أسمع سمفونية موتسارتية، أو ترتيلة ميلادية، أو أغنية أممية بألحان العاشقين. لك تحياتي وتقديري لحروفك الأنيقة الباذخة، ودمت بألق حضورك الفني والإبداعي وذائقتك الرائعة، وتحية دافئة للرفيق الشاعر والروائي ماجد أبو غوش، المغموس والمهموم بقضايا الوطن والشعب، والمنحاز لجموع الفقراء والكادحين المسحوقين.