ما بين مجزرة الخليل ويافا التي يستهدفها أصحاب الفيل
تاريخ النشر: 27/04/21 | 15:29بقلم: محمد محاميد – يافا
في مِثل هذا اليوم الخامس عشر مِن شهر رمضان مِن عام 1414 هجري الموافق 25/2/1994م، كان النشاط الإستيطاني بأوجه في المستوطنات المنتشرة في الضفة الغربية الفلسطينية والتي كان وما زال هدف تلك الحركة الإستيطانية الرئيسي تهجير أهالي الضفة وتعزيز الوجود اليهودي على أراضيها وذلك عبر شتى أنواع الإرهاب والحيلة!!.
في فجر ذلك اليوم بالتحديد أنطلق المجرم الإرهابي المتطرف “باروخ غولدشتين” مِن منزله في مستوطنة “كريات أربع” المقامة على أراضي الخليل!، لتنفيذ مجزرة وحشية داخل المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل بحق المصلين المسلمين خلال تأديتهم لصلاة الفجر هناك، والتي أرتقى خلالها 29 شهيدا برصاص -الدُمدُم المتفجر- و21 شهيد آخر برصاص عناصر الجيش الإسرائيلي خلال تشييع جثامين الشهداء!، والذي كذلك كان تواطئه واضحا خلال تسلل الإرهابي “غولدشتين” مِن المستوطنة نحو المسجد وبإغلاق بوابات المسجد عند بدأ المجزرة للحيلولة دون فرار المصلين مِن رصاصات الحقد والإرهاب وعدم وصول الإنقاذ والمساعدة إليهم، وبعد ذلك بقمعهم للإنسان الفلسطيني عند تشييع الضحايا.
اما نحن فذاكرتنا الإنسانية ابداً لا تشبه ذاكرة السمك شبه المعدومة بل هي حية بحلو الأحداث ومرها على حد سواء، وكما كانت تقول جداتنا “الأسى ما بنتسى”، فتلك المجزرة الإرهابية في المسجد الإبراهيمي وما عقبها من أحداث أبدا لن ينساها شعبنا وستبقى خالدة في قلوبنا وعقولنا ووجداننا وأدبياتنا، حتى لا تتكرر بتفاصيلها الدموية وأحداثها الجسيمة وانعكاساتها الخطرة على أدنى تفاصيل الحياة اليومية للمجتمع المحلي!.
الأحداث لم تنهي عند هذا الحد!، بل حظيت بتغطية عالمية وإحتجاجات عارمة أدت لمصادقة مجلس الأمن الدولي على إدانة للمجزرة في تاريخ 28/3/1994م، ولكن كانت تلك الأدانة شكلية كجثة هامدة لا روح فيها، وبموازاة تلك التقارير شكلت السلطات الإسرائيلية لجنة تحقيق إسرائيلية خالصة!! أُطلق عليها “شمغار” للتحقيق بوقائع المجزرة الإرهابية وداوفعها، وخرجت اللجنة في ذلك الوقت بعدة توصيات تعزز الإستيطان اليهودي في مدينة الخليل، منها تقسيم زماني للمسجد الإبراهيمي إلى كنيس ومسجد، وكرست السلطات الإسرائيل واقع الإحتلال على حياة المواطنين في البلدة القديمة، ووضعت الحراسات المشددة على المسجد ووضعت على مداخله بوابات إلكترونية، وأعطت اليهود الحق في السيادة على الجزء الأكبر منه بهدف تهويده والاستيلاء عليه.
وشملت التوصيات كذلك إغلاق سوق الحسبة وخاني الخليل وشاهين، وشارع الشهداء ذلك الشريان الرئيسي لأهالي الخليل مما أدى لإغلاق 1800 محل تجاري في المنطقة، وكذلك تم منع رفع الاذان عشرات المرات شهريا، وبهذه الإجراءات العنصرية القمعية تم فصل المدينة والبلدة القديمة عن محيطها، وفي ظل تلك الأحداث المتتابعة عزز الجيش الإسرائيلي الإجراءات الأمنية عند مدخل المسجد الإبراهيمي بما يسمى ببوابة القفص، ونقاط المراقبة على باب الأشراف، كل ذلك في مساحة لا تزيد على مئتي متر مربع، إضافة إلى وضع 26 كاميرا داخل الحرم، وإضاءات كاشفة ومجسات صوت وصورة، وإغلاق جميع الطرق، باستثناء طريق واحد تحت السيطرة الإسرائيلية!.
وكانت المجزرة بداية لمخطط إسرائيلي لتنفيذ تطهير عرقي لفصل وعزل وتشريد الفلسطينيين من البلدة القديمة في الخليل وذلك لتعزيز المشروع الإستيطاني “مدينة الخليل اليهودية” بمحاذاة البلدة القديمة وتقسيم الحرم بين المسلمين واليهود، هذا وتتابعت الأحداث لتوظيف السلطات الإسرائيلية لإتفاقية الخليل المبرمة مع السلطة الفلسطينية لتكريس المشروع الإستيطاني التهويدي الذي يضم نحو 27 مستوطنة في تلك المنطقة يقطنها نحو 35 الف مستوطن.
جميع تلك الحقائق التاريخية يجب أن تضيء لنا ضوء أحمر هنا في مدينة يافا، هذه المدينة العريقة تاريخيا!، وذات القيمة الاستراتيجية والتاريخية والديموغرافية والدينية!، التي تعاني في العقد الأخير من هجمة شرسة واضحة لجمعيات إستيطانية قدمت مِن مستوطنات الضفة الغربية لتهويدها عبر إستقطاب أعداد كبيرة من معتنقي ذلك الفكر المتطرف وإسكانهم في بيوت في قلب الأحياء العربية تم شرائها بأموال طائلة يتم ضخها من أثرياء اليهود خارج البلاد، وقلب الموازين الديموغرافية في قلب الأحياء العربية التي تبقت فيها، وفرض واقع جديد يسعى لإخراس صوت الأذان وقرع أجراس الكنائس وحتى صياح الديوك!.
الجميع يعلم مدى خطورة الأجندة التي يحملها هؤلاء بما في ذلك الأجهزة الأمنية، وكذلك الجميع يعلم أن بعض هؤلاء مسلحين بأسلحة أوتوماتيكية حديثة، فنخشى ما نخشاه مِن حدوث مجزرة بحق المصلين المسلمين أو المسيحيين على حد سواء على غرار تلك التي وقعت في المسجد الإبراهيمي في الخليل، وتكن إنعكاستها كتلك التي كانت هناك، في ظل تخاذل المؤسسات الرسمية الحكومية الواضح للعيان، بل وتواطئ بعض الجهات الحكومية مع مشروع تفريغ يافا من سكانها العرب بشكل مباشر او غير مباشر!، بالإضافة للشيطنة الإعلامية المتعمدة لأهل يافا التي تستحضر دعوات المقاطعة الإقتصادية لمحالها التجارية ولا مجال هنا لسرد التفاصيل التي تضيق على عيش أهالي يافا يوميا.
المطلوب حتى مجتمعنا العربي يبقى صامدا هنا في يافا ولا يتزحزح إلى أي مكان آخر، هو صحوة جماهيرية حقيقية وشاملة تؤدي بشكل مباشر لرفع حالة الوعي العام على جميع الأصعدة، وتلك الحالة مِن الوعي تُلزم كذلك إلى رص الصفوف وتشكيل مجتمع متكافل متضامن عصامي، يسعى للحفاظ على ما تبقى لنا بل وتكريسه بالحصول على المزيد من مساحة العيش الكريم التي تضمن بقاؤنا هنا في يافا، وهنا يأتي دور المبادرات الإقتصادية، والإسكانية، والتوجيهية.. التي مِن شأنها أن تكون رافعة حقيقية لصمودنا في يافا، والتي كذلك يجب أن تحظى بدعم واسع من مجتمعنا العربي في الداخل الفلسطيني خاصة وكل الأحرار على وجه الأرض عامة، وذلك من شأنه أن يلعب دور طير أبابيل بسحق أصحاب الفيل الذي يسعى لطمس تاريخنا وتعكير حاضرنا وهدم مستقبلنا!.