عمل “المسحراتي” إنساني وديني….متى يفهم “المنزعجون” ذلك؟ احمد حازم

تاريخ النشر: 29/04/21 | 10:44

في كل عام نعيش الشهر الفضيل رمضان الخير، ونحتفل بعيده، عيد الفطر بعد صيام شهر كامل. صحيح أن مئات الملايين في العالم ينتظرون الشهر الفضيل شهر الصيام المبارك، والصائمون (وغيرهم كثيرون أيضاً) يعرفون أن شهر رمضان له شخصية معينة تميزه عن باقي الناس، وهي شخصية “المسحراتي” التي تلعب دوراً اجتماعياً ودينيا في حياة الصائمين، ليس في وقتنا الحالي فحسب، بل وأيضاً في التاريخ الإسلامي.
ما دعاني للكتابة حول موضوع (المسحراتي) الخبر الذي كتبه الزميل موسى بصول يوم أمس الأربعاء في موقع “العرب” حول قلة حاقدة تحاول منع مسحراتي من التسحير في بلدة الرينة بادعاء انه مصدر ازعاج. أقل ما يقال في هذا السلوك:” إذا لم تستح فافعل ما تشاء…ويا عيب الشوم على هيك ناس”.
ولا شك في أن الخبر أثار اهتمام الناس وترك لديهم تساؤلات عدة حول هذا النصرف المرفوض بحق المسحراتي .فهل أصبح صوت الأناشيد الدينية مزعجا بنظر بعض الناس؟ وهل أصبح الصوت الذي يقول:” يا عباد الله وحدّوا الله… واذكروا الله يا عباد الله… وحدّوا الله سحورك يا صايم… قوم وحّد الدايم ” ألهذه الدرجة وصل الإسفاف والوقاحة ببعض الناس في مجتمعنا؟
لهؤلاء الذين ينزعجون من صوت “المسحراتي” عليهم مراجعة التاريخ، إذا كانوا يستوعبون ما يقرأون، فيجدوا أن بلال بن رباح أول مؤذّن في الإسلام وابن أم مكتوم كانا يقومان بمهمّة إيقاظ النّاس للسّحور. وأول من نادى بالتسحير عنبسة ابن اسحاق ســنة 228 هجري.
وللتاريخ حكايات مختلفة مع الشعوب. حكايات تروى عن العادات والتقاليد في جميع المجالات. و”المسحراتي” له أيضاً حكايات تختلف من بلد إلى آخر حتى في التسمية. ففي المغرب يسمونه “النفار” وهو رجل يستعمل مزماراً طويلاً لإيقاظ الناس لتناول السحور، ويسمعهم أناشيد دينية.
وأول من أيقظ النّاس على الطّبلة هم أهل مصر. و”المسحراتية” في مصر كما يقول التاريخ كانوا يطوفون في شوارع المدينة أو القرية يرددون الأناشيد الدينية وينادون الناس ليستيقظوا طالبين منهم أن يوحدوا الله، ويضربون على الطبلة ضربات متوالية حتى يسمعهم النائمون فيهبوا من نومهم لتناول السحور.
أما أهل بعض البلاد العربيّة كاليمن فقد كن المسحراتي يدقّ أبواب الصائمين، وأهل الشّام كانوا يطوفون على البيوت ويعزفون على العيدان والطّنابير وينشدون أناشيد خاصّة برمضان.
ابن بلدة الرينة رجا زرايعة الذي يقوم بمهمة إيقاظ الناس وقت السحور بطريقة خاصة به، مرتاح جداً لهذه المهمة التي يمارسها تطوعاً للعام الخامس عشر على التوالي دون كلل أو ملل، لم يفكر يوماً بأن مجموعة حاقدة تكره الصيام والشهر الفضيل ستقدم يوما ما على محاولة منعه من ممارسة مهمته الإنسانية والدينية.
المسحراتي زرايعة لا ينكر أبداً أن البعض من أهل الخير يدعمونه أيضاً في تزيين سيارته وتجهيزها بالطبل والمعدات اللازمة للقيام بواجب “التسحير” ولا يتحمل تكاليفها هو وحده .
ما يقوم به المسحراتي زرايعة، عمل إنساني واجتماعي بحت، ولا سيما عند الأطفال الذين ينتظرون “عمو المسحراتي” صحيح أنهم لا يرونه ولكنهم تعودوا على سماع صوته وصوت طبله في كل ليلة من ليالي رمضان، بحيث أصبح الامر تقليدًا سنويًا يعيشه أطفال القرية وكبارها.
ولكن ما الهدف من محاولة منع المسحراتي في الرينة القيام بذلك مع العلم أنه يحظى بشعبية كبيرة؟ يقول زرايعة لمراسل “كل العرب” وهو بحالة غضب:” الهدف هو تعكير الأجواء، ولا يعقل أن يتوجه قلة من الاشخاص للشرطة بطلب ايقافي عن التسحير بحجة الازعاج “.
وإذا كانت هناك قلة تنزعج من صوت المسحراتي لكن بشكل عام شاء هؤلاء أم لم يشاؤا فإن صوت المسحراتي يعتبر جزءأً من الأجواء الإجتماعية والدينية المرتبطة بشهر رمضان شهر الخير، الذي يعد أهم الشهور في التكافل الاجتماعي بين الجميع، فهو شهر الروحانيات والمشاعر الطيبة والمسحراتي جزء منها.
الغريب في الأمر، أن الشرطة اهتمت لطلب قلة من الناس، بينما لا تهتم أبداً لأمور مجتمع بأكمله. وما دام الأمر يتعلق يتمزيق المجتمع العربي وإحداث فجوة فيه فإن الشرطة موجودة دائماً “في خدمة الجمهور”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة